الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
في ذكراه السَّابعة.. حلمي سالم: ونصي ما ثَمَّ إلَّا حيرةٌ
أسامة عرابي
(Osama Shehata Orabi Mahmoud)
2019 / 7 / 25
الادب والفن
في ذكراه السَّابعة
حلمي سالم : ونصي ما ثَمَّ إلا حيرة
أسامة عرابي
فقدتِ الحركةُ الشِّعريَّةُ العربيَّة، لا المِصريَّة فحسب، الشَّاعرَ الكبيرَ حلمي سالم (1951- 2012) الصحفي بجريدة الأهالي، ورئيس تحرير مجلة أدب ونقد الفكريَّة، ورئيس تحرير مجلة قوس قزح الثقافيَّة المستقلة، والحاصل على جائزة التفوق في الآداب للعام 2006 عن مجمل أعماله الأدبية، وأحد مؤسسي جماعة "إضاءة" الشعرية، بعد أنْ عاشَ للشِّعرِ وبالشِّعر .. وبإدراك عميق للطبيعة التاريخيَّة لوجوده ولذاته.. متخذًا من الموت الذي واجهه معيار تعامُلِهِ مع العالَمِ تعامُلَ النِّدِّ للنِّد.. وكأننا حيالَ شكلٍ من أشكال الواقعية الجديدة لديها إيمانٌ بإمكانِ الوصول إلى الحقيقة وما يرتبط بها من الاعتبارات السياسية والإنسانية. ألم يقلْ لنا في قصيدة "المتصوِّف " بديوانه " الغرام المسلح " :
دائرة الموت مجالي الحيويُّ
وعين الفوهة لديَّ هي الشطح الصوفيُّ ،
ولحظات الكشفْ .
لذلك كثيرًا ما يذكرني حلمي سالم بشاعرنا الكبير بشار بن برد حين طلب من رسَّام بالبصرة يدعى "حمدان الخرَّاط" أن يرسُمَ له على جامٍ صورَ طيرٍ تطير ، فرسمه وجاءه به ، فسأله بشار : ماذا في هذه الجام ؟ فقال : صور طير تطير؟ فقال له : ينبغي أن تتخذَ فوق هذه الطير طيرًا من الجوارحِ كأنه يريد صيدَها ، فإنه كان أحسن .
وعلى هذا النحو ، أدرك أن المعنى يعيش بمنطق الحفاظ على الوعد، وأن القيم المتضمَّنة في الأعمال الفنية وطرائق الحياة المختلفة غير متكافئة، وهي في صراع دائم يستند إلى الإحساس بالتاريخ، والحضور الدائم الذي تلاشت فيه ذاكرة التقاليد.
من هنا، زاوج حلمي سالم في رحلته الشعرية بين الوزن والإيقاع.. بين الغناء والنثر.. بين تخيُّلِهِ الإبداعي والواقع الاجتماعي الثقافي المعيش تاريخيًّا.. فجمع في إهابه بين الزمني واللازمني.. بين الثوري الرومانسي الحالم.. والشاعر المهموم بخلخلة لغته والتماعها بضوء غير منظور، مستقصيًا شعاب النفس الإنسانية والذات الكونية، متمردًا على الانسجام والنظام والتوافق والاتزان الشعري، وفي أعماقه أزمة الضمير الحديث. ولم يكن حلمي سالم ليعبِّرَ في ذلك عن حيرة وجودية، ولا عن لاأدرية ضاغطة، بل ظلَّ يبحث طَوال الوقت عن موقع تتقاطع فيه خطى الحياة.عندئذ يُصبحُ حضورُنا الجماعيُّ الواعي في التاريخ، اكتشافًا لعالمٍ يكون فيه الشيء بقدر ما لا يكون، عالمٍ هو قلب للصورة الأفلاطونية عن الوجود المعقول الذي يتجاوز المظاهر الخارجية الخادعة؛ فيمسي بذلك المرءُ وثيق الصلة بأعماقه عند مواجهته لنفسه، وقادرًا على أن يرى علاقة اللامعنى بالمعنى .
سافر حلمي سالم إلى بيروت في مطلع الثمانينيات لمساندة أشقائنا الفلسطينيين الذين يتعرَّضون لمخاطر التصفية جرَّاء التسويات السياسية المفروضة عَنوة واقتدارًا على المِنطقة العربية من قِبل أعدائنا التاريخيين، فحمل معه سؤال المصير العربي الذي جعل من الواقع وتعقيداته بنية دينامية متعددة الرقائق والطبقات، ألهم به شِعرية تمرُّد واحتجاج، فكتب "سيرة بيروت" و"حمامة على بنت جبيل" و"صيف لبنان المشتعل" و "حمامة على الجنوب" ثم "تحيات الحجر الكريم" عن الانتفاضة الفلسطينية التي قامت في وجه التخاذل الرسمي العربي، وانسداد الآفاق، وفشل نهج اللاعنف والمفاوضات والحلول الدبلوماسية. لذلك ثمَّن حلمي سالم انتصار حزب الله في حرب يولية "تموز" 2006، ورأى في السيد حسن نصرالله ورفاقه "يد الله التي تبطش"، وتدمِّر أسطورة إسرائيل. وأدى انفتاحُه ( حلمى) على التجارب التاريخية والإنسانية العالمية في حقلي الأدب والسياسة إلى أن يُوحِّدَ في منظوره العام بين الوطني والأممي بعد أن رأى أنْ ليست :
للحنجرة البشرية جغرافيا
فالحنجرة هي العليا،
فيما القوميات هي الأسفلُ؛
ولهذا يمكن لطالب كلكتا أن يكتبَ:
"يسقط سفَّاح الأطفال"،
ويمكن للطولونيِّ المتزمِّتِ أن يكتبَ:
"تحيا رام الله ".
وهذا الفهم ذاته هو الذي قاده إلى إصدار مجلة "قوس قزح" الثَّقافيَّة المُستقلَّة ذات يوم ؛ ليحقق حلمه بالتجذُّرِ في منبر ديمقراطي؛ يؤمن بالتعدُّدِ والتنوع والتمايز؛ إذ داخل الوجود الفردي، يتحقَّقُ الوجود الإنساني العام. وهو، لعمري، فهمٌ صحيحٌ لماهية الثقافة، يعكس توجُّهًا طليعيًّا لمقاربة قضاياها وإشكالياتها ومستويات التفاعل معها، مستعيدًا قلق السؤال صوب سيرورة للحداثة والتطور، تؤنسن العالم، وتعقلن علاقاته السياسية والفكرية، وتُغني حياتنا بزخم أدبي جديد .
من أجل ذلك؛ كتب حلمي سالم "الغرام المسلح" ليُجيبَ عن سؤاليْن اثنيْن ؛ أحدهما من الداخل، من صميم تاريخه، والآخر من التطور التاريخي العالمي وعلاقات القوة الآنية والبعيدة، فواجه نابليون بونابرت، وحاور فيكتور هوجو، وطه حسين، وابن رشد، وأبا نؤاس، وشيخ العارفين، والسُّهروردي، والحلاج، والمتنبي، وأبا حيان التوحيدي، وأبا العلاء المعري، والطهطاوي، وأحمد عبد المعطي حجازي؛ بعد أن اكتشف أن هُوِياتنا وتواريخنا مؤسَّسةٌ إلى حدٍّ بعيد على الأساطير؛ فأدرك حيوية التنقيب عن الإمكانات الإبداعية وأسسها الثقافية المتنوعة؛ إذ إن ديناميات استكشاف العالم، هي – في الوقت ذاته – ديناميات استكشاف الجسد والكِيان الإنسانييْن، ومن ثَمَّ دعانا إلى أن نكونَ أكثر وعيًا بتشكك، وأشدَّ نسبية بإطلاق. ولم يَنِ يواجه "ثقافة كاتم الصوت" و"التصويب على الدماغ" بـ"الحداثة أخت التسامح"؛ بوصفها موقفَ الروح من قضية المعرفة، وموقفَ العقل النقدي المتحرر من مواضعات عالمنا الجائرة، في ظل مجتمع مدني تنتظم علاقاتِهِ صيغةٌ تعاقديةٌ تنهض على المواطنة والاعتراف المتبادل، بمنأى عن القسر والاستتباع .
من هنا جاء التزام حلمي سالم اختبارًا لإنسانية الإنسان وللحياة ، فشاعت في شعره غنائية داخلية عميقة، مضفورة بنظر صافٍ؛ يحرِّر المرء من السجن الداخلي المفروض عليه؛ فيشتعل بخمر الرغبات ، مغتسلًا بماء طفولته.
ألست القائل يا سيدي في قصيدة "شيخ العارفين":
سأفتح صندوقًا ، وأستف مقتنياتي،
دير للرهبان ، وأمم من دمع ، بيت للأوثان ،
النظَّام ، ومصحف قرآن، قبر دمشق، السبَّاحون،
سأقفز من حلب إلى طلَّاب 68؛
لأرى صوري فوق صدور الشابات،
وفوق رءوس الهيبيين،
وفي أيدي أنصار تروتسكي،
فيما الصف الأول : شهداء الوقفة، الشكَّاكون،
ومأثوري : الحرف الواحد أمم،
والدَّم :هو استحقاق المنبوذين،
ونصي :ما ثَمَّ إلا حيرة ؟
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. -لبلبة ربنا تاب عليها واتحجبت-???? لما لبلبة مشيت في الشارع
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة