الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلك الطريق.. ذلك النمو

عبد الإله بوحمالة

2006 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


ومع أن كثيرا من الدول العربية ظلت سائرة لعقود من الزمن في تلك الطريق المسماة طريق النمو، إلا أنها لم تدرك في مسيرتها الغاية المنشودة، فلا هي حققت نموا، ولا هي أصابت تقدما، ولا هي أنجزت حراكا اجتماعيا واقتصاديا عميقا، رغم المحاولات ورغم الصخب والضجيج. فقد ظلت دول عالم ثالث متخلف، تكابد الركود والفقر والأمية، وتعيش على الديون والمساعدات الدولية والاستهلاك السلبي لعائدات الطبيعة.
كان المعنى المتداول لمفهوم النمو واضحا ومحددا أمام الجميع. وكانت نماذج التقدم مجسدة للعيان في أمثلة قائمة من أوربا وأمريكا وآسيا. وكانت هناك طرق مرسومة، مستقيمة، ممهدة، ومجربة.. عليها علامات تحدد الاتجاه وتشير للهدف. وفوق هذا وذاك كان هناك طموح شعبي غامر، وحالة من التعبئة والحماس لرفع التحدي، وأحلام مشروعة تراود مخيلة الناس في الوصول إلى حياة عنوانها الكرامة الإنسانية وتحسين شروط العيش، والاكتفاء الذاتي، واللحاق بركب التطور.
ثم وقع ما وقع..
وعند أول خطوة بعد نقطة الانطلاق، اتضح أن قطع أية مسافة في هذا الاتجاه بنجاح، يقتضي مسبقا بناء مجتمع العلم والمعرفة والحرية والديمقراطية، وبناء الفرد والجماعة والمؤسسات، ومراجعة النفس والتاريخ والموروث الثقافي، وإعلاء كلمة العقل والعقلانية ونبذ التقليد والفكر الخرافي.. وهي الأمور التي لم يكن بوسع الدول العربية أن تقوم بها في الإجمال، ولا أن تدفع تكاليفها الباهضة ماديا ومعنويا، ولا كانت هناك في الأصل إرادة لدى الأنظمة الحاكمة المتعاقبة، ولا مصلحة، لتحقيق ذلك، لأن هذه الطريق هي نفسها الطريق المؤدية للوعي السياسي العام وللنهوض الثقافي ولتفشي إرادة الانعتاق والتحرر التي يمكن أن تعصف أول ما تعصف بعروش الاستبداد والظلم والفساد. فكان لابد من تعديل المسار والبحث عن الطريق الالتفافي البديل وهنا رجح النموذج الشمولي المتصلب حيث يتم التنظير لشكل النمو المطلوب ومواصفاته من فوق، وترسم خرائط الوصول إليه، أو بالأحرى السير نحوه، أمنيا وبيروقراطيا.
لم تحترم الدول العربية في معظمها الشروط الدنيا اللازمة لإنجاز أي مشروع للنمو، وهي التخطيط والواقعية والاستمرار وسرعة التنفيذ.. بل بالعكس من ذلك، فقد بالغت في الارتجال والتخبط، وانخرطت في متاهة من المنعطفات والمراحل الانتقالية والأزمات. لأن مطلب النمو لم يكن اختيارا حكوميا نابعا من قناعة ومؤسسا على برامج استراتيجية، بل كان مطلبا شعبيا يكاد يكون لا شعوريا عضدته الإملاءات والتوجيهات الخارجية من الدول الدائنة ومن المؤسسات العالمية والأبناك. فشروط الإعانات والإقراض أصبحت محكومة بالرضوخ لكل الإجراءات التي تسطرها هذه الجهات بما فيها من سياسات غير اجتماعية كسياسات التصحيح والتقويم الهيكلي والتقشف وسياسة التوازنات..
وقد سنت الحكومات العربية في هذا السياق كثير من السياسات اتسمت في الأغلب بالحذر والتردد وقصر النفس والتجريب وعدم المواصلة. وهو المنحى الذي ظل يعود بجهود ومحاولات التنمية في كل مرة إلى نقطة الصفر وينتهي بها إلى التراجع من منتصف الطريق للبداية من جديد.
وتماما كما كان الحال بالنسبة للعدول عن تجارب التنمية البعيدة المدى التي تستهدف التصنيع الضخم وبناء المعامل والجامعات وتطوير الزراعة والتعليم والبحث العلمي وتحسين خدمات الصحة والإسكان والمواصلات.. واكتفي، عوضا عن ذلك، بتنمية قصيرة المدى، قليلة التكلفة، تستهدف المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإنعاش بعض القطاعات كالسياحة والخدمات.. فقد جرى العدول أيضا عن سياسات توجهية كبرى كالتأميم وتشجيع القطاع العمومي وشبه العمومي لصالح سياسة الخوصصة والتفويت وتشجيع المبادرات الحرة والمنافسة. وبطبيعة الحال منطقي أن تجري هذه الانتقالات على خلفية تحولات ومراجعات وتراجعات إيديولوجية ( إن على سبيل التدرج أو القطيعة )، من النمط الاشتراكي في الاقتصاد إلى النمط الرأسمالي، ومن النمط الموجه إلى النمط الحر، وهي تحولات ومراجعات همت كل البلدان العربية وإن بدرجات متفاوتة. فأهداف التنمية التي يسعى إليها الاشتراكيون تختلف عن أهداف التنمية التي يدعو إليها الرأسماليون، والتنمية المحاطة ببعد قومي مخالفة للتنمية التي ترتكن للهم القطري، والتنمية التي تطمح للنفاذ إلى أعماق الطبقات الشعبية لتمس الهامش تناقض التنمية التي تراهن على النخب والطبقات العليا من المجتمع..
وهنا نعود لما أسميناه بالشروط الدنيا للتنمية لنسجل أن تسارع حركة التطور الاقتصادي والتكنولوجي في العالم، على الأقل في الثلاثين سنة الأخيرة، والسباق المحموم الذي انطلق بوتيرة مجنونة زادت منها تحديات العولمة الاقتصادية، جعلت الفارق بين الدول المتقدمة والدول النامية يتسع إلى أبعد حدوده. وإذا استحضرنا العوامل الأخرى التي تتسبب في إيقاف مسيرة النمو وتعطيلها كالاضطرابات الداخلية والانقلابات والحروب ومشكل نزيف الكفاءات وهجرة العقول.. سنجد أن صعوبة كسب رهان النمو ستزداد مستقبلا مما يعني أن مقولة الدول النامية أو البلدان السائرة في طريق النمو ستصبح عما قريب، إن لم تكن قد أصبحت فعلا، مقولة بلا موضوع، اللهم إلا أن نكون قاصدين تلك الحالات التنموية المموهة والمؤقتة التي تقف على دعائم النفط واستثمار شركات البترول الكبرى، فهي على أية حال تنمية وإن كانت مرتبطة بأنابيب الضخ وبسعر الخام في البورصات والأسواق العالمية.
فهل يعنى هذا أننا سنقف "محلك سر"
.. يبدو ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة