الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤى نقدية (2)

زياد بوزيان

2019 / 7 / 25
الادب والفن


3 ـ الشهوة و الأخلاق و الدين بيننا و بينهم

الشهوة و الأخلاق و الدين بين اﻠ "نحن" و بين " الآخر" في مجالهما الحيوي إذن هو واقع بين إصرار على أسباب التخلف و بين ملامح التحضر و الانعتاق من التخلف فطرة خلق الطبيعة الكونية و فطرة المخلوقين فيها ، و مازال شكلاً من أشكال الصراع نحو بحث الإنسان لتسيده على الطبيعة. ولعله ـ من يدري ـ بفضله يصل إلى الحقيقة التي هي أصل كل حقيقة بعدما أن تمكن من منهجه العقلي هذا ( الجدلي المادي القائم على صراع الأضداد و المتناقضات ، و على الوضعية التجريبية التحليلية )

عندما نتحدث عن الأخلاق و الدين في المجتمعات الإسلامية تاريخيا بالضرورة نحن نتحدث عن المرأة و شهوة الرجل بالقياس إلى أن شهوة المرأة مستترة عن فضاءه في الغالب الأعم ، هذا الاستتار هو في الحقيقة جزء من أزمة اتقاد جذوة الشهوة و ثقافة قضائها التي ترسبت عبر الأجيال في مخيال و ثقافة المجتمعات الإسلامية ، إن صح التعبير هذا الاستتار غدا جزء و مكون في المنظومة الاجتماعية الثقافية الإسلامية و ليس حلا لمعضلتها ، تتغذى منه لتتطور إلى ظاهرة من جراء تحولها في حلقة مفرغة من الافتقاد إلى الرغبة إلى الكبح إلى جموح الشهوة ، وهكذا من الضد إلى الضد دواليك تستمر الحلقة حين يصبح السبب نتيجة و النتيجة سببا . وفي نطاق هذا المجتمع مستويات عدة تنطبق على جميعها الظاهرة ، لعلنا نجرُد إيجازا ملمح الظاهرة على المستوى الجوهري و الاستراتيجي الذي يعول عليه المجتمعات الإسلامية لبلوغ التقدم ؛ المستوى الراقي هذا هو الطبقة المثقفة و النخبة المتنورة بنور العلم و الثقافة من أساتذة الثانويات إلى الأكاديميين في مؤسساتهم الجامعية المختلفة ، فالشهوة في مثل هكذا موقع حدث ولا حرج ، بل هي مفتاح المخبر البحثي تجري حيث يجري أصاحبها بانتظام لإجراء بحوثهم البيولوجية أو الاجتماعية أو اللغوية ، و تقيم معهم حيث يقيمون مذكرةً إياهم دائما و دوما "هكذا تقدموا وهكذا تأخرنا" فيروحون يفكرون و الشهوة لا تفارقهم ، بل يصبح معهم التفكير بالقلب تحصيل حاصل ولغة إبداع بحثي لابد من مطاوعته لبلوغ المراحل المرجوة في التقدم.

أجل يطمع هذا "المستوى العالي" بين مزدوجتين في طلابه مدحا و مجاملة كما تطمع عذراء في خدرها في مزيد من التغزل و المدح و الإطراء ممن تحظى بإعجابهم في وسطها العائلي أو كما تطمع الزوجة في مدح و تغزّل زوجها لها، و شتان بين هذا الذي يرمز لرجاحة العقل و تلك التي ترمز لجمال الجسد لكن إذا وقعت الواقعة ليس لوقتعها كاذبة ، للأسف هي الحقيقة المرة هكذا يفكر الأكاديمي ، بقلب عذراء ، الفرق بينهم و بينها أنها تملك عضو جنسي أنثوي بينما يملكون هم عضو جنس ذكري فقط ، فقرينة كل ضعف و تدني مستوى هو عقلية التفكير المتمظهرة في كنف عزة يضفيها الغنى ثم الجنس ثم العلم بهذا الترتيب ، وإن لم تكن ففي كنف عزة النفس الأنانية التي تشتهي في أن يكون لها كل شيء ولا يكون لغيرها سوى إذعان الطاعة في خدمة شبيهة بخدمة العبيد في القرون الغابرة! و الظاهر أن في حياة الغنى و الرفاه التي تعود عليها المحسوبين على ميدان العلم في غياب أدنى جهود فكرية أو مشاق نفسية بدنية دور في رقة شعور هذه الطائفة عندنا بالجزائر ؛ فتتلبسها حالات الشهوة المرضية هاته مغطى برداء الأكاديمية و العلمية في كليات الآداب و الفنون بخاصة ، فالدرجة العلمية في بعض التخصصات قد تشهر سلاح ذو حدين ؛ حد متواطأ مع المتعة لبلوغ الهدف ثم في محاولة المحافظ عليه كحالة متراوحة بين الأنانية و النرجسية إلى التخنث ، و محاولات الأكاديمي و الناقد المتميز بخصائص الأنثى في مجال العمل ، كاتباع تخصص يعنى بالجندر و الجسد في الخطابات الأدبية و الفنية و يحتاج بعدها إلى من يدافع عن توجهه البحثي (عن تخنثه) مِن جاه و سلطة أقوى نافذة في حالة تعرضه للإسلاميين مثلا.

ما دمنا في سياق الحديث عن الدين و الأخلاق عند بعض فئات المجتمع الإسلامي ، وكيف تختلف اختلافا جذريا عن نظيرتها عند المجتمعات المسيحية المتقدمة ما يجعل من جوهر أو البؤرة الحقيقية في أزمة التخلف عندنا ، ولا ضير أن ينظُر كثير من علمائنا العرب ريادةً ، منهم شكيب أرسلان(1869-1946) المفكر و الأديب السوري الذي يعد أول من أرجع مصدر أزمتنا كعرب و مسلمين المتولدة عن محاولة اللحاق بالركب الحضاري إلى أزمة أخلاقية و روحية هوياتية بالأساس في كتابه : لماذا تأخر المسلمون و لماذا تقدم غيرهم؟ ، و وافقه في هذا الطرح عندنا مالك بن نبي و يوسف بن خدة ( 1924 ــ 2000 ) حتى ولو كان من منظورات إيمانية إسلامية حين قوله بصريح العبارة : "إن أزمة مجتمعاتنا أزمة أخلاقية" بعد أن مهدت الطريق لتعميق هذه الأزمة و بسطها بممارستها العصابية أول العصابات وأصل كل عصابة في حياتنا المعاصرة كجزائريين وهي العصابة التي عزلت حكومة يوسف بن خدة الشرعية.

أجل ما دمنا في سياق الحديث عن الأخلاق فبأي حق نتناسى أطفال السماء أو الولدان المخلدون كما ذكرهم القرآن ، فهم أقرب موجودات الأرض إلى الصفة الملائكية القرينة الأصل بكل أخلاق معيارية صافية و حميدة في أسمى تجلياتها ، لتجعل الله ينظر إليهم . حتى أن أيقونة الملاك الأبيض المجنح منذ عصور النهضة الأولى أنما حفلت برسومات الأطفال لا النساء أو الشيوخ كلوحة الفنان الفلورنسي رفائيل سانزيو ( 1483 - 1520 ) " عذراء سيستين " ، أين يظهر في اللوحة الطفلان الملكان أقدس من العذراء و ابنها نفسيهما مجنحان و عاريان بدون معاصي أو مستتران بغيوم السماء في لوحة " انتصار غلطة "، من هذا التصور للأخلاق الإنسانية المعيارية المستمدة من تعاليم دينية معتدلة كالتعاليم المسيحية و من الضمير الأخلاقي استطاعت الحضارة الإنسانية الغربية أن تجد لها موطئ قدم و تقيم مجتمعات متوازنة بين حرية التدين و العيش في ظل العدالة و المساواة.

4 ــ قراءة نقدية وجيزة في بحث أكاديمي جزائري[1]

يا عباد الله ، يا أيتها الرؤوس الحاملة لأسماعها لكن لا حياة لمن تنادي فالمصيبة الأولى الكبرى التي يتوقف أمامها الناقد فضلا عن القارئ تكمن في كيف يكتب أحد عن الأسلوبية بأسلوب الغير أبحاثا و مصنفات؟! هذا عار وعيب إذا ما فعلتموه عظيم ؛ فالأبحاث و الأطروحات الجامعية غالبا ما تكون نسبة التناص فيها عالية جدا باستثناء المقدمة. إنما تُكتب الأطروحة لمعرفة درجة الطالب في تحصيله العلمي مع بصمة منهجية المشرف (أي زادنا رُد إلينا) المكان و الأولوية لسبق النظرية و النص الفلاني كسند و دعامة تلحق بالفكرة التي يود أن يوضحها الطالب ، لكن التعبير الأسلوبي و هامشه ضيقان جدا أمام ما قاله كذا و كذا من باحث و مختص حول الفكرة / الموضوع الذي يود الطالب إقناع اللجنة العلمية بجدواه علميا. أما أسلوب الكاتب فلا تجده في الأطروحات مهما بحثت عنه بل تجده في الكتب و المصنفات. أما أن تكتب مصنفات و مقالات إعلامية عن موضوع الأسلوبية بدون أسلوب فهو الفضيحة التي ما بعدها فضيحة. أو حتى عن موضوع/ المنهج السيميائي الذي نحن بصدده الذي غايته أصلا هي كشف المعنى أو الدلالة التي يفيض بها الشكل.

من نافلة القول التذكير بأن شكّي في هذا المنتج الأدبي الجزائري قد ابتدأ معي منذ مراحل الطفولة المبكرة ، لما كنت أحار ثم أتأسف عندما أقرا نصا مدرسيا للمنفلوطي أو توفيق الحكيم أو محمد توفيق أو علي الجارم ثم أقرأ ما يماثله جزائريا بقلم جيلالي خلاص أو زهور ونيسي. فشتان من فروق في التعبير و الاعتناء باللغة معجما ونحوا وصرفا و في الروح الثقافية العربية الصرفة المختلجة لِأدبهم و تنوع مواضيعه وقربه من اهتمامات العربي ، وغياب ذلك في أدبنا ونصوصنا الإعلامية ، إذن شتان بين مستوى أدب المشارقة العرب مصر بالخصوص( نحن نتكلم عن اللغة و الأدب ولا علاقة لنا بالمجالات الأخرى ) و مستواه في الجزائر ، ثم هكذا مضى بي الشك و علاقة الازدراء إلى أن وصلت إلى مرحلة الشباب أين بدأ يتسع ، حين لاحظت بحكم قراءاتي واهتماماتي الإعلامية أن في القطر الموريتاني و الليبي و بوادي الصحراء الجزائرية تعاملا مع اللغة العربية يسمو عما يتصوره البعض ، بل هم قد يلاعبونها و يراقصونها و يشاطرونها مهارتهم بمنتهى الأدب ، لكن هم أيضا مع ذلك مضروب عليهم نوع من العزلة الأدبية و الثقافية فاحتكار الأدب لصالح العاصمة ظاهرة تسببت في رداءته حتى إذا ولجنا إلى الدراسات العليا فتكشف لنا بما يدع مجالا للشك ما كنا طول حيتنا التعليمية مرتبكين قلقين حيارى حياله وهو سوء طالع الجزائري اتجاه اللغة العربية و أدبها مهما اعتراه من إرادة و حدة في الذكاء ، أما النقد فيتبع الأدب في المستوى ، ولم أرى أنهم يعلّمُونه لطلبة الدراسات العليا بل يعلمُونهم بدله نوع من التزلف و المسح و التربيت بالأيدي الحنونة على جلود أحصنتهم و أحمرتهم و بغالهم و أجريتهم تبع مجال التخصص ، في غياب مقصود للمفتشين المستقلين النزهاء ( نتيجة لتفشي ثقافة بينهم منذ الستينات و السبعينات مفادها أن أساتذة التعليم العالي لقلتهم مجتمع أو طبقة الحكمة في حد ذاتها ، عناصرها أبعد ما يكونون عن الفساد ) المفتشين وحدهم الذين بإمكانهم كشف الفساد في التعليم العالي بخاصة تصفية الحساب مع الطلبة و الباحثين النزهاء الشرفاء.

و لعلّه ستطفو الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الرداءة من خلال توالي أسطر هذه القراءة الموجزة في بحث جزائري شاهِد عنوانه " المداخل المفاتيح لسيميائية الأهواء" وجدته لصاحبته الباحثة الجزائرية في مصف البروفيسور آمنة بلعلي ، الفقر اللغوي المعجمي و عدم القدرة على التحكم في ترجمة أفكارها بغض النظر عن عدم براءتها أيديولوجيا واضعة الشفافية و النزاهة العلمية على المحك ؛ لا من ناحية الغيرة من الناقد المغربي سعيد بنكراد ولا من ناحية محاولة تكفير المنهج النقدي الغربي أو على الأقل تبييئه و التي غالبا ما تنتهي بالفشل الذريع.

فهذه القراءة تهدف إلى البرهنة و بالدليل العلمي على غموض الدرس النقدي الجزائري ، الذي يظهر أصلا في انضوائه تاريخيا تحت لواء المدرسة المعرفية و الفكرية الفرنسية المنضوية بدورها تحت مظلة الفلسفة الفرنسية الغامضة في مقابل الفلسفة الألمانية الباهرة المعقدة الفهم و الفلسفة الإنجليزية الواضحة الصادقة ، كما أجمع عليه الفلاسفة و مؤرخي الحداثة الغربية أنفسهم. فهي قد أثبت من خلال بحثها هذا دون أن ترجمة النقاد الجزائريين للنظرية النقدية الفرنسية و الأوروبية عموما إذا لم يعتريها غموض نتيجة عدم التحكم في أبجدية المعجمية العربية و الثقافتين (العربية و الفرنسية الأصيلتين ) اعتراها تحريف أيديولوجي مقصود ؛ ونحن لا نقوم إزاء هذا البحث سوى بدورنا التاريخي في النقد التي خولته لنا الشهادة ؛ بل إننا نعتز من كوننا قد تركنا ما هو يعد من الكماليات في الدرس النقدي الجزائري المعاصر كإجراء المقارنات بين الملاحم في الأدب المقارن على سبيل المثال و اتجهنا إلى ما تفرضه الضرورة و هو المقارنة بين هذا الإنتاج الأدبي و النقدي الجزائري الاكاديمي و بين الإنتاج الأدبي و النقدي المشرقي ، في الأردن وسوريا ومصر والعراق مثلا ليتبين لنا الخيط الأبيض من الأسود ثم فلنعود بعض ذلك إلى موضوع الملاحم ، أما و الحال أن الناقد الجزائري الفلاني بحجمه الضخم ليس له القدرة على صياغة فقرة واحدة صياغة لغوية سليمة! ولا التفوه بجملة واحدة تفوها سليما! و أن الروائي الجزائري الكبير في برجه العاجي لا تضاهي رواياته العديدة لو وضعت في ميزان النقد وزن قصة مطولة لروائي مبتدأ من مصر أو الخليج العربي ، بل قد كان فعلا سعود السنعوسي بروايته ساق البامبو قد بزّ أمين زاوي و واسيني الأعرج عندما دخلا معه حلبة المنافسة ، فلا ضير إذن أن نقع في ضرورة إعداد بحوث جانبية تخص غموض ما صدفناه في بحوثنا الأساسية المقاربة دائما طرح إشكالية أيديولوجية الباحثين و عدم نزاهتهم العلمية وإشكالية المصطلح أو مشكل القصور اللغوي مقترنا بالترجمة المستسهلة و التسرع ، كما جرى معي بصفة خاصة لما كنت بصد الاشتغال على موضوع سيميائية مدرسة باريس في الدراسات العليا ، فلا ضير أن أقارن وقد عقدت العزم منذ أمد على المقارنة وأنا مستمر فيها وقد وصل بي المطاف إلى المقارنة بين الدرس النقدي المشرقي مع نظيره النقد الأكاديمي الجزائري ، مبتغيا آملا الوقوف على مصدر العلل و نقاط الخلل ، و لنقوّم و نصحح بعيدا عن خيلاء الكبر و الغرور و الأيديولوجيا وغيرها من مثبطات الانعتاق من حلقة الضعف.

فللوهلة الأولى يلاحظ عدم الدقة اللغوية و ارتباك معرفي لا تبررهما إلا القاعدة الترجمية الغامضة الملتبسة ، ثم أنها لا تقوم منذ البداية من التمييز بين السيميولوجيا كعلم عام و السيميائية كمنهج معتني بالخطابات الأدبية و هي خطوة غير محسوبة العواقب تحيد عن الموضوع و الموضوعية معا كلما تقدم البحث ، قائلة : " أبدأ مقالي هذا ، بسؤال راودني وأنا أريد التحدث عن سيميائية الأهواء ، يعود إلى مقولة تتكرر بين الباحثين مفادها أن المناهج التي تتجاوز في بيئتها ليس لنا الحق في إثارة السؤال عن صلاحيتها عندنا، فما الإضافة التي سنحدثها ونحن نبدأ من حيث انتهى غيرنا وهم الذين انتجوا النظريات و المناهج ، وهل الذي انتهى عندهم هو حقيقة عاجز عن أداء وظيفته عندنا؟ " فما تعلق بعدم الضبط الدقيق للمفردة للغوية وهو شئنا أم أبينا نتاج قصور لغوي ، فما قصدت الباحثة بمفردة تتجاوز ولم تقم بتشكيلها؟ إلا أن تكون فقرة مستلة من ترجمة مغربية و ليست من تحريرها و فهمها للموضوع ؛ التجاوز هنا قد يفهم أنه إما الإلغاء ( لسبب عدم الجدوى وهذا لعمري لم يحدث قط مع أي منهج أو نظرية اكتشفت ثم تم إلغاءها لأن إعلان لاكتشاف ليس كما هو ماثل عندنا متسرع ، بل لا يتم إلا بعد تحري طويل و تجريب عملي متكرر) أو التقادم وهذا جائز لأن أصل المعرفة و معرفة المعرفة (المناهج) هو التجدد و هنا الأحرى بالكاتبة إضافة مفردة "انتهاء" إلى كلمة الصلاحية ولكنها لم تفعل فبقي ما سعت إلى إفهامنا إياه قصي على الفهم ، و تكون هي قد فهمته في لغته الأصلية لكن لم تقدر على نقله لنا بلغتنا العربية ، وهذا دليلنا العلمي الأول الذي يثبت غموض المنجز النقدي الجزائري مقارنة بنظيره المشرقي.

عندما ننتقل إلى متن البحث نقع أول ما نقع على خلط بين السيمياء العلاماتية اللسانية مع سيمياء الأنساق العلاماتية غير اللسانية : الإيماءات و الرموز الإشارية أي السيميولوجيا ، حتى ولو كانت هذه الأخيرة جزء من اللسانيات و ليس العكس حين تقول : " بل أن السيميائية اليوم تتفتح على المجتمع و التاريخ (..) و الإشهار و الصورة (..) " بل هي السيميولوجيا بشكل عام و ليس السيميائية المقتصرة على النقد الأدبي ، و تمضي في شرحها مستشهدة بأهل الاختصاص أن السيميولوجيا لم تعد فلسفة للدلالة (بل هي كانت كذلك و لازالت في العالم اللفظي و الغير اللفظي لكن الباحثة لا تأبه هاربة إلى الأمام ) ؛ أخشى أنها فطنت للأمر لكن تقمع النزاهة و الروح العلمية فيها لِربح بحث جديد تضيفه إلى الجيب ، و هذا الدليل العلمي الثاني على أن بحثها هذا عبارة عن نقل لترجمة لا تخصها هي بل تخص السيميائيين المغاربة في مقدمتهم السعيد بن كراد ( الذي اختص بالسيميائية السردية ثم بسيميائية الأهواء ترجمة و تنظيرا ) ثم تقوم بالتعقيب عليها فقط ، لاريب في أن يصف النقاد المشارقة المغاربة بخاصة الرواد محمد مفتاح الحمداني و حسن بحراوي مع مرتاض الجزائري و أبو العيد دودو وصولا إلى يوسف أحمد و محمد ساري أنهم المتسببين الرئيسيين في غموض الترجمات العربية مقارنة بنظرائهم المشارقة نتيجة ترجماتهم الضعيفة. بالتالي مساهمين في ازدهار نقد أدبي جزائري مُتسم بالغموض و الضعف.

أما السبب الواضح يا آمنة بلعلي في أننا و في كل مرة نظل بعيدين عن جديد الابتكارات العلمية المنهجية الغربية هو فشل المنهج المحايث كالبنيوية و السيميائية في تعامله مع النصوص الدينية ، لأنه يهمل المؤلف و يعطي الأولوية للقارئ لقراءة النص حسب هواه و هذان الشرطان ثقيلان جدا عن حضارتنا يجعلان من التريث في تقبل الجديد بل التمهل حتى تجريبه في مختبراتنا ثم تطبيقه مع التحفظ والتبييئ ؛ فالانفعال و القطيعة ( جمع قطيعة هو قطيعة نفسها لا قطائع ، عيب وعار ، ليس في مستوى الأكاديميين هذا الجمع الأنترنتي المستحدث) اتجاه الوافد الغربي مرده انعكاس الاستقطاب الحاد بين الإسلاميين والعلمانيين على منظومتنا الفكرية ـ الثقافية. و سيظهر اثر المشكل المذكور أعلاه أي عدم التفريق بين السيميولوجية و السيميائية في هذا البحث الى الآخر ، لأن سيمياء الأهواء سيتدخل في بلورتها كنظرية وافدة جديدة علم النفس ؛ أي العلوم التي تتلاقى في ترشيح سيميولوجية الأهواء Sémiologie de passion للقيام بدور في علمنا الذي نعيش بإعطائه معنى .

تخلص الكاتبة في بحثها المأخوذ عن ترجمات تتعلق بسيمياء أو سيميولوجيا الأهواء ( المزيّد بتعقيباتها و فهمها الخاص للموضوع بدون أن تذكر ذلك ) أن البعد العاطفي الثقافي ينجلي من خلال خصائص دلالية تضفيها السياقات العاطفية و الأخلاقية ، ما حدا بها مقاربة سيميولوجيا الأهواء مقاربة أنتروبولوجية ( كلود ليفي شتراوس ) و مقاربة سيمياء الثقافة ( لوري لوتمان) في آن وكلا المقاربتين بنيويتين ؛ الأولى مجالها المجتمع الإنساني و الثانية النص ، تلعب في كلايهما الدلالة مرتكزا محوريا حاسما عبر العلامات لفظية و غير لفظية وفي جميع الأحوال فإن المصطلحات السيميائية و السيميولوجية عندما يشوبها عدم الانضباط اللغوي تستعصي على الفهم ، نقصد مع غير المختصين و الطلبة مثل قولها الالماحة بدل اللمحة و جدير بالذكر أيضا التذكير أنه من لا يملك في التخصص الذي ندعوه اللغة العربية وآدابها صفة الإبداع في اللغة و بها أدبا نثرا أو شعر أو نقدا حيث جوهر تشريح الأدب في الجامعة أو غيرها من المدارس و المعاهد ليست المنهجية العلمية بمعزل عن الإبداع و الذوقية أبدا أبدا ومِن يعتقد غير ذلك فهو آثم ، مِن الأفضل له أن يبتعد طبق للمقولة الشائعة فاقد الشيء لا يعطيه وإلاّ ألحق ضرار بهذا الاختصاص ، ثم إن هذا المعطى لا يقل أهمية و تأثيرا على الطلبة و الباحثين في الجزائر و المغرب العربي ضمن الدراسة البنيوية المحايثة نفسها أي الخطاب الأدبي و الدلالي في المنهج السيميائي( الاستلاب الفكري ـ الثقافي)

رؤى نقدية (في الأدب و الثقافة العامة) ــ يتبع


[1] - آمنة بلعلي : المداخل المفاتيح لسيميائية الأهواء ، جامعة تيزي وزو و الجزائر 2








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الموسيقي طارق عبدالله ضيف مراسي - الخميس 18 نيسان/ أبريل 202


.. فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024




.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-


.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم




.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3