الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية حصر السلاح و الدولة العراقية

علي المؤيد

2019 / 7 / 26
الارهاب, الحرب والسلام


حكاية السلاح في العراق حكاية مريرة وصعبة وخطيرة، يشعر المرء عند الكتابة عنها بأنه يمرر القلم بين ألغام مزروعة وأسلاك شائكة تمنع التوغل في هذه التابوهات والمحرمات والتعقيدات.
لا يخفى على أي مراقب وجود الكم الهائل من السلاح المخفي والظاهر في كل شبر من العراق ومصاعب ومتاعب التعامل مع هذا السلاح على مستوى الدولة من حيث الرقابة والمتابعة، التقنين والتشريع، السيطرة والحصر.
في هذا السياق وفي محاولة اعتبرت بأنها صحيحة وجريئة أصدر رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بداية الشهر الجاري أمرا ديوانيا في ثمانية نقاط أكد فيها ضرورة التخلي النهائي عن جميع المسميات التي عملت بها فصائل الحشد الشعبي أثناء معاركها مع داعش الإرهابي واستبدال تلك المسميات بتسميات عسكرية نظامية أسوة بباقي القوات المسلحة العراقية وأن تقطع هذه الوحدات أفرادا وتشكيلات أي ارتباط سياسي أو اوامري مع تنظيماتها السابقة.
وتم تخيير فصائل الحشد الشعبي كذلك بين الاندماج مع القوات المسلحة العراقية أو التخلي عن السلاح والتحول الى تنظيمات وأحزاب سياسية وفق القوانين السائدة.
كما تقرر حكوميا غلق جميع المقرات التي تحمل اسم فصيل من فصائل الحشد الشعبي سواء في المدن أو خارجها، كما منع تواجد أي فصيل مسلح يعمل سرا أو علنا خارج هذه التعليمات واعتباره خارجا عن القانون ويلاحق بموجبه.
وحدد رئيس الحكومة في أمره الديواني تاريخ 31/7/2019 موعدا نهائيا لوضع الترتيبات للانتهاء من العمل بموجب هذه الضوابط على أن يتم إصدار أوامر لاحقة لهيكلة هيئة الحشد الشعبي وتشكيلاته.
سرعان ما صدرت بيانات متتالية ومرحبة بقرار رئيس الوزراء من قبل كبريات فصائل الحشد الشعبي فيما أصدرت فصائل أخرى بيانات مختلفة عن أخواتها تجادل القرار وتشاكسه في التطبيق تحت ذرائع عديدة أهمها سلاح القوات الكردية العسكرية (بشمركة) ووجود مخاطر عودة داعش الإرهابية من جديد في المناطق الساخنة ومقاومة المحتل الأمريكي بحسب البيانات من ناحية اخرى، مما اضطر رئيس الحكومة إلى الاعتراف بصعوبة الموقف في مؤتمره الصحفي الأسبوعي الأخير واعتبار الأمر بحاجة إلى إعطاء فرص أكثر مرونة، في تراجع أو إرباك واضح عن الأمر الديواني السابق وتوقيته الزمني.
الواقع يشير إلى أن عملية حصر السلاح بيد الدولة ومعضلته لا ترجع إلى ما بعد عام 2003 م، بل إنها معضلة وإشكالية تاريخية واكبت الدولة العراقية منذ تأسيسها، حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن العشائر العراقية آنذاك كانت تمتلك حجما كبيرا من السلاح قدر بأنه ثلاثة أضعاف سلاح الدولة عام 1921م أثناء التأسيس، كما أن الأنظمة الجمهورية كانت تعاني في بداياتها من الأنشطة السرية للأجنحة العسكرية التابعة للأحزاب الكبيرة المتنافسة فيما بينها، فضلا عن مخاطر الانقلابات العسكرية والخروقات الأمنية المحتملة.
وصولا إلى النظام السابق الذي عمل على إحكام سيطرته على السلاح بنوعيه العشائري والنظامي خوفا من التحركات الجماهيرية المعارضة له أو خشية الانقلابات العسكرية المحتملة في صفوف الجيش العراقي، حيث أقدم حزب البعث العربي الاشتراكي على تأسيس ميليشيا (الجيش الشعبي) شبه العسكرية عام 1970م لحماية نظام البعث وسيطرة الحزب على الدولة في مواجهة المعارضة الداخلية الشعبية وكذلك لخلق التوازن مع الجيش العراقي النظامي.
قدر عدد متطوعي الجيش الشعبي ب 650 ألف عنصر مسلح وممول من ميزانيات الدولة العراقية واستخدم غطاء لضبط السلاح العشائري وتقنين سلاح تنظيمات الحزب ومصدرا لتمويل أفراده وكقوات مساندة للجيش العراقي في حربه مع إيران خاصة في معركة الفاو، فضلا عن توكيله بمهام خارج الحدود كما حصل بين عامي 1975-1976م عندما أرسلت الحكومة العراقية وحدات من الجيش الشعبي للقتال مع الفدائيين الفلسطينيين خلال الحرب الأهلية في لبنان.
ثم توسع النظام في تشكيلاته العسكرية خارج إطار الجيش العراقي عندما أقدم في التسعينيات على تشكيل ميليشيا (فدائيو صدام) و (جيش القدس الشعبي) لأغراض التنظيم الجماهيري وإظهار قوة النظام في مواجهة التحديات الخارجية وضبط واستغلال السلاح الداخلي لصالح الحزب.
عام 2003م ومع سقوط النظام السابق على يد الجيوش متعددة الجنسية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت الساحة العراقية أكثر تعقيدا من الناحية الأمنية والعسكرية.
انهيار النظام السابق ومؤسساته العسكرية النظامية وغير النظامية، تواجد الجيوش الأجنبية، اقتحام الأراضي العراقية من قبل التنظيمات الإرهابية بقيادة القاعدة وأخواتها، محاولات البعث في تنظيم صفوفه الحزبية والمسلحة تحت عناوين المقاومة، دخول الفصائل المسلحة التابعة لأحزاب المعارضة الى العراق، السلاح العشائري والمناطقي والفردي، الميليشيات الشعبية المذهبية، عصابات الجريمة المنظمة وغيرها جميعا خلقت هذا التحدي والتعقيد الأمني والعسكري الملازم للدولة العراقية والنظام الجديد.
باختصار يمكن تصنيف عناوين السلاح المتحركة في البلاد بعد عام 2003م الى 4 أصناف رئيسية:
- السلاح الخارج على الدولة: وهو سلاح تنظيمات النظام السابق والمنظمات الإرهابية.
- السلاح الخارج عن الدولة: وهو سلاح الأفراد والعشائر العراقية.
- السلاح الموازي للدولة: سلاح الميليشيات والأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية التي ارتبطت بالدولة بطريقة أو بأخرى.
- السلاح المستقل عن الدولة: وهو السلاح غير المعادي للدولة ولكن غير مؤتمر بأوامرها ولا ممول من ميزانياتها ولا مقنن بقوانينها.
الوقائع السياسية تشير أن الحكومات العراقية المتعاقبة لضعف بناها المؤسسية ولخشيتها أو عدم ثقتها بالمؤسسة العسكرية التابعة للدولة، لجأت الى بعض سياسات النظام السابق في التعامل مع السلاح المتحرك في البلاد بعناوينه المختلفة، وبدرجات متفاوتة.
أقدمت الحكومة العراقية على استثمار السلاح الخارج عنها والمتمثل في السلاح العشائري بالضد من السلاح الخارج عليها والمتمثل بتنظيمات البعث او المنظمات الإرهابية، حيث دعمت تشكيل قوات الإسناد العشائرية في عموم العراق بغرض استمالة أبنائها واستخدامهم ضد خصوم النظام الجديد.
من ناحية اخرى عملت الحكومة على استيعاب سلاح الأحزاب المعارضة للنظام السابق من خلال دمج أفرادها في المؤسسات الأمنية وكذلك استيعاب التنظيمات والفصائل التي تأسست بعد سقوط الموصل على يد داعش في مؤسسة موازية للجيش العراقي تحت عنوان هيئة الحشد الشعبي، دون تمكنها من السيطرة على السلاح المستقل عنها وإن كان غير معاد لها في الظاهر.
المحاولات المذكورة يمكن اعتبارها معالجات سطحية أو آنية أو محدودة ومحددة بمدى قدرة الحكومة على إحكام سيطرتها الأمنية وتشريع السلاح غير المعادي لها ولكنها تبقى معالجات مربكة وغير مجدية على المدى البعيد لأنها تبقى ثغرات ومطبات تضعف بنية الدولة العراقية وهي الأهم من الحكومات والسلطات المتعاقبة.
من الواضح أن رئيس الوزراء العراقي مقبل على تحد كبير في الانتقال من مراحل الاضطرار والمجاملة والاستيعاب إلى مرحلة الحزم والحسم والمأسسة والتقنين الأمني الضروري والواجب، ولكن الوقائع الميدانية تشير إلى أن الحكومة العراقية الحالية لا تمتلك القدر الكافي من نقاط القوة اللازمة لتنفيذ خططها في حصر السلاح بيد الدولة كما هو مطلوب منها وإن البيانات والقرارات الصادرة عنها لا تعدو كونها رسائل تطمين خارجية او ابداء نوايا حسنة أو إرادة أولية باتجاه الحلول.
تبقى حكاية ومعضلة حصر السلاح بيد الدولة حكاية مريرة ومعقدة بحاجة إلى إرادة وطنية، وقرارات وتطبيقات شجاعة وحازمة بغرض إنقاذ الدولة العراقية من مظاهر فوضى السلاح ومخاطر انتشاره المنفلت والموازي والموهن للدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زاخاروفا: على أوكرانيا أن تتعهد بأن تظل دولة محايدة


.. إيهاب جبارين: التصعيد الإسرائيلي على جبهة الضفة الغربية قد ي




.. ناشط كويتي يوثق خطر حياة الغزييين أمام تراكم القمامة والصرف


.. طلاب في جامعة بيرنستون في أمريكا يبدأون إضرابا عن الطعام تضا




.. إسرائيل تهدم منزلاً محاصراً في بلدة دير الغصون