الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض من بعض الذي كان .. (1) .. تدوين أم إعتراف

جعفر المظفر

2019 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


مضى زمن ليس بالقليل قبل ان أكتشف موضع الخلل في تجربتي البعثية السياسية السابقة والتي شاركني أخطاءها الكثيرون, خصوما كانوا أو مشابهين. وأعترف أنني, ورغم إدانتي لجوانب من تلك التجربة, إلا إنني غير ميال للبدأ بعملية النقد وتأشير الأخطاء بإدعائي عدم المشاركة في تلك العيوب, أو بالتركيز على تلك العيوب وحدها.
وإذ لا أحد طلب مني تقييد ذلك الإعتراف فإني أراه يأتي تطوعا وتقديرا لنفعِه وفائدته, مثلما أراه يتأسس أيضا على قواعد سياسية وفكرية بحتة هدفها مراجعة التجربة لتبيان مواقع الخلل الرئيسة التي أسست لمعظم تلك الإنحرافات والهفوات والجرائم. وهذا يعني أن وسائل إقترابي من ساحة ذلك النظام لن تكون وسيلة روائية إلا بالقدر الذي يتعامل مع الرواية بمنطق التحليل والتفكيك الذي من شأنه أن يلاحق خلفيات الحدث مثلما يلاحق نتائجه وتبعاته مستشرفا من خلال تلك الملاحقة أين يكمن الخلل وما هي البدائل المستحقة.
ثم أني أعتقد أن من واجب جميع الذين عملوا في صفوف الحركات السياسية التقليدية, وليس البعثيون وحدهم, مراجعة عقائدهم بما يراعي أحكام الزمان وتغيراته وتطوره وتبدله, فالشيوعيون مثلا, من أجل حزبهم, إن لم يكن من أجل شعبهم, مطالبون بتحديد مدى تأثير المتغيرات الجوهرية التي حدثت في هذا العالم بعد أن أنتقل من الثورة الصناعية وما رافقها من ظواهر إلى الثورة التكنولوجيه التي غيرت العالم كثيرا وإستدعت بإلحاح البحث عن نظريات عقائدية تتحدث عن عصر الروبوت وليس عن عصر دكتاتورية البروليتاريا, وهم مدعون هنا إلى البحث عما ما إذا ما كانت عقيدتهم قادرة على الثبات في عصر باتت مشاهده المتلاحقة تقدم شكوكا تنال من جوهر نظرية حزبهم العقائدية نفسها.
أما البعثيون, وحتى على إفتراض أن التجربة الصدامية لم تكن فاشلة بإمتياز, فإن عليهم أن يؤمنوا أن حاجتهم للبحث في عمق نظريتهم الفكرية هي حاجة تفرضها ظروف المتغيرات العالمية, وعليهم أن لا تأخذهم العزة بالإثم لنسيان حقيقة أن العقيدة التي لا تراجع نفسها ولا تتراجع عن أخطائها ولا تتغير تناسبا مع المتغير هي عقيدة محكومة بالفشل, فلقد حدث ان الإتحاد السوفيتي كان قد وصل إلى غزو الفضاء لكنه مع ذلك كان قد سقط, فكيف ستكون عليه حال نظام هو الذي تآمر على حزبه المفترض وسحبه إلى أن يكون مطية للعشيرة ومجرد كاتب تقارير في أجهزتها الإستخبارية القمعية, وإن عليهم بالتالي أن يبحثوا عن مصدر الخلل الحقيقي وهل هو في نظام صدام ام في الحزب نفسه, ويتخلوا عن التفكير المتخلف الذي يكفر كل بعثي ينتقد التجربة البعثية ويدين العديد من مشاهدها.
ولي أن أعتقد في الوقت نفسه أن تجربتي الثقافية في حزب البعث, ووجودي لفترة في مؤسسته الثقافية الرئيسة, ومواكبتي العمل بشكل مباشر وملاصق مع ثلاثة من الرجال الذين تصدروا العمل الثقافي البعثي وهم الدكتور إلياس فرح والشهيد عبدالخالق السامرائي وطارق عزيز, كل ذلك كان عمقّ من درجة وعيِ السياسي, مثلما وضعتني التجربة المباشرة أمام الكم من الأحداث الهامة, التي تستحق بوجود هذا الوعي, أن تكون فصولا هامة ومفيدة من حديثٍ سأدلو به كتابة, لا لغرضٍ سوى المساهمة مع آخرين سبقوني وآخرين سيلحقوني, لأجل الإستفادة من التاريخ, وليس لغرض التباهي بسرده أو الإنتفاع من مردوداته أو الإنتقام منه أو التباكي عليه.
وإني لست ميالا, ولو بقدر شَعرة, للدخول على تجربتي السياسية من بوابة لجلد الذات, أو أخرى للندم, فأنا أتحدث هنا عن كشف أخطاء عامة, وليس عن جرد ذنوب خاصة, وعن مرحلة محكومة قناعاتها بظروفها, ومحددة سياقاتها بضغوطها.
وإذ لم يكن هناك بدَ مما ليس منه بدٌ, فإن الحكم على التجربة يجب ان يراعي عدم إقتطاع النتائج من جسم الحدث الذي أسس لها, كما أن الأحكام العامة في السياسة ليست بالضرورة خاضعة بشكل عام إلى قاعدة أن الأمور تحسب بخواتيمها, ذلك أن فهم الخواتيم بشكل سليم لا بد وان يتم من خلال عودة كفوءة وأمينة للظروف المحيطة بالتجربة ذاتها, إذ ربما نكتشف أن الفشل قد تحقق نتيجة تكالب ظروف من خارج التجربة وليس نتيجة نقص ذاتي حقيقي من داخل التجربة ذاتها, اي أن الخواتيم مفروضة على الحالة وليست متأسسة منها.
لكن إدراكا كهذا يجب ان يقودنا في نفس الوقت إلى التأكد من أن صلاحية النظرية لا يتم فقط من خلال الإتفاق على جوهرها السامي وإنما من خلال التحقق من إمكانيات النجاح, ففي علم الفكر والفلسفة يمكن التحليق في الفضاء والتسامي في الأفق لكن علم السياسة ليس كعلم الفلسفة وفكر الأخلاقيات, ففي حين يبحث الثاني عن الأجنحة حتى يضمن قدرة التحليق فإن الأول يبحث عن الأقدام التي تكلف له قدرة السير على الأرض, وسيحدد لنا ذلك بالنتيجة الفرق بين الحزب العقائدي والحزب السياسي مثلما سيشرح لنا بكل تأكيد معنى حاجتنا إلى حزب عقائدي وسياسي في الوقت نفسه.
كما أننا بحاجة إلى فهم أفضل لنظرية المراجعة والتراجع فلربما تؤكد المراجعة على أن هناك خلل في النظرية, وربما تؤكد على أن النظرية نفسها هي الخلل. وإذ ذاك سيكون بإمكاننا معرفة ما الذي علينا ان نتراجع عنه : عن الخلل في النظرية أم عن النظرية الخلل ؟.
ويعطينا القول الشائع (إن ما من أمة أتت إلا ولعنت أختها) فرصا أفضل لقراءة التاريخ بشكل سليم وإعادة تشكيله على اساس العقل لا على أساس المرويات, كما ويؤشر لنا أهمية تفكيك المشكلة وفك إشتباك الحقائق حتى نتعرف على ضالتنا بعيدا عن التضليل وخلط الأوراق.
ولهذا أقول أن غاية هذه المقالة وجميع المقالات التي تأتي بعدها, والتي تعالج الشأن نفسه, هي محاولة لتدوين تاريخ نظام وحزب وتحليل عقيدته التاريخية ومواقع قوته أو ضعفه على الصعيد الفكري والنظري وليست محاولة لتدوين سيرة ذاتية إلا بالقدر الذي يتطلب إستدعاء الحدث لضرورة كونه جزءا مهما في عملية الرصد والملاحقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد جعفر المظفر
فؤاد النمري ( 2019 / 7 / 27 - 12:15 )
ما زلت بعثياً تقترف أخطاء قاتلة
فحزب البعث لم يمتلك قط أي نظرية سياسية
فدستور مشيل عفلق كان بضع وريقات إنشائية تخلو من أية فكرة ذات قيمة في الواقع
لم يكن هناك عبر التاريخ كيان موحد لأمة عربية
والرسالة التي عرفها العالم عن خلافة القرشيين هي النهب واستعباد الشعوب في مواطنهم
البعثنة هي أشبه بالإيمان بالله وبالحياة الأخرى

أما عن دكتاتورية البروليتاريا فحضرتك كبعثي لا تفقه حرفاً من الماركسية
ماركس هو الإقتصادي الأول الذي كتب عن آثار الأتمتة المتفوقة وأثرها في تعجيل انهيار النظام الرأسمالي بسبب التكنولوجيا الرفيعة وأثرها في ميل معدل الربح للهبوط

البعثيون خربوا مستقبل الشعوب العربية لكنهم ما كانوا ليستطيعوا ذلك بدون المرتدين على الشيوعية في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي منذ العام 53

اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً