الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظومة إس 400 والملف السوري

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2019 / 7 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


أياً تكن ردود الفعل حيال امتلاك أنقرة لمنظومة إس 400، فإن الملف السوري، سوف يشكل محور الإحتكاك المباشر في علاقات تركيا مع كل من الولايات المتحدة وروسيا. ومن المحتمل أن يشهد الوضع في سوريا، انعكاساً مباشراً لتجاذبات أكثر حدّة، على الأرض، تتجلى في مواصلة العمليات العسكرية الروسية، في إدلب وريف حماة، في ظل تأييد أمريكي غير معلن، وتغاضٍ واضح عما يتم اقترافه من جرائم بحق المدنيين هناك، يشجع موسكو على مزيد من خرق الالتزامات المتفق عليها مع انقرة، وتحول دون توصل الطرفين إلى اي تفاهمات من شأنها العودة الى خفض التصعيد، على الرغم من عدم تحقيق أي منجز حقيقي في معارك الكرّ والفرّ.
وفي سياق اجراءاتها العقابية / الانتقامية، سوف يستمر البنتاغون في تطوير دعمه لقوات قسد، من حيث تعزيز البنية الادارية ومحاولة توسيع المشاركة السياسية، الذي تقوم بها هذه الآونة في المناطق التي تخضع لسيطرة الولايات المتحدة / قسد في الشمال السوري، ويُبقي أي احتمالات بالتوصل الى تسوية بشأن الملفات العالقة، أمراً مؤجلاً، كعهد الإدارات الأمريكية المتعاقبة، في محاولة دائبة لفرض سياسات أحادية، خاصة في علاقتها مع تركيا، مع احتمال التصعيد في هذا الملف من قبل الطرفين.
وليس من باب المصادفة، أن يبدأ وصول معدات بطاريات إس 400 الروسية الى تركيا، عشية ذكرى محاولة انقلاب 15 تموز، وكأنها بذلك تحيلنا إلى البعد الأعمق من المشكلات المعقدة بين أنقرة وواشنطن، في ضوء استمرار خلافاتهما، حول قضايا المنطقة الشرق أوسطية، والصراعات المستوطنة فيها، دون التوصل إلى حلّ نتيجة لسياسات الولايات المتحدة، وأولوياتها المتمثلة بمحاربة الإرهاب، دون النظر الى مصالح الأطراف الإقليمية، بما فيها شركاء واشنطن، مثال تركيا.
وقد شهدت الفترة الماضية، تشدداً أميركياً حيال إبرام صفقة بطاريات الصواريخ الروسية، ولوّحت واشنطن بفرض عقوبات حال تمريرها، وبالفعل سنّ مجلس الشيوخ تشريعاً يمنع بيع القاذفة إف 35، في حال تشغيل تركيا للمنظومة الصارخية الروسية. ومع ذلك، فإن بدء تسلّم أنقرة الدفعة الأولى منها الجمعة الماضية، أدى إلى ما يشبه لحظة التفكير الصامت، دون أن تكون هناك تصريحات " عدائية " حادة، اعتادت إدارة ترامب على إصدارها حيال ملفات عديدة، تتصل بالمنطقة. وذهب السيناتور الجمهوري ليندسون غراهام، الى اعتبار أي خلاف مباشر مع انقرة بشأن صواريخ إس 400، سيكون ضاراً بالعلاقات والمصالح المشتركة.
تصريح غراهام، الذي بات قريباً جدا من ترامب، يمكن النظر إليه كمؤشر هام على تريّث الإدارة الأمريكية، في اتخاذ إجراءات سريعة حيال قضية باتت محققة على الأرض، وأنها قد تذهب إلى الاحتواء بدلاً من التصعيد، ولكن مع المضي في فرض عقوبات محدودة على تركيا، بهدف الضغط عليها، وحثها على عدم تشغيل المنظومة، في الفترة المتبقية من رئاسة ترامب، على المدى المنظور، وينتظر ان تشمل العقوبات ثلاثة جوانب أساسية، تشتمل على وقف انخراط انقرة في مشروع إف 35، وعلى حظر توريد قطع الغيار للصناعات العسكرية، وفرض عقوبات إقتصادية من شأنها الإضرار بالبنوك والمعاملات المالية بين البلدين.
لكن ردّ الفعل الأوليّ صدر عن حلف الناتو، الذي يمثل إطار الشراكة الأمنية الاستراتيجية الأوسع، الذي تنضوي تركيا، وأوروبا والولايات المتحدة في إطاره، ولم يتعد الإعتراض الجانب التقني الذي اعتبره الناتو مهدداً للمنظومة الأمنية الأطلسية، وضارّاً بها، ومتعارضاً بالطبع مع روح الناتو واتفاقاته.
ثمة منعطفين هامين، يتوجب الإشارة إليهما، في محاولتنا استقراء انعكاسات هذا الحدث في المنطقة، أولاهما موقف الولايات المتحدة، وإدارة ترامب، من حلف الأطلسي، فعلاوة عن أن واشنطن لا يمكن أن ترى أهمية الحلف ، إلاّ من خلال المصلحة الأمريكية المباشرة، من جهة أولى، وفي قيادتها للحلف، أي يكون تحت مظلتها، من جهة ثانية، وفي ذلك تحجيم لدور أعضاء الحلف، ومصالحهم، بما في ذلك " الأَمنيّة الأوروبية". يضاف إلى ذلك، موقف ترامب الذي لايرى أهمية في استمرار التعامل مع الناتو، وفي فعّالية أداء مهامه، خاصة بعد تغير استراتيجياته، وتراجع دوره العسكري، لصالح الأهداف الأمنية.
المنعطف الثاني، ما يتصل بتركيا. فقد كانت المواقف الأمريكية الغير مشجعة، تجاه أنقرة وانشغالاتها، سبباً رئيساً في التوجه نحو روسيا، لتحقيق توازن حيال ما يمكن تسميته في الخلل العميق الذي انتاب علاقات الدولتين الشريكتين طوال مايزيد على نصف قرن، في سياق تحالف استراتيجي ثنائي، على نحو خاص، إضافة الى الناتو، والذي تعتبر فيه تركيا الحلقة الذهبية، لأسباب عديدة، انتفى معظمها، مع توقف الحرب الباردة، والانتقال السياسي في تركيا مع صعود أربكان وصولاً إلى أردوغان، بمايمثله ذلك من تحولات هامة.
وقد شكل إحجام الناتو عن دعم الموقف التركي، إثر إسقاط الطائرة الروسية، دافعاً قوياً ومباشراً استغلته تركيا، في بدء بناء شراكة استراتيجية مع موسكو، فرض الملف السوري حضوره المؤثر فيها، سياسياً وعسكرياً، وارتبط ذلك بالسياسة الأمريكية المتعارضة مع أولويات أنقرة، منذ إدارة أوباما، ورفض طلبها بالحصول على منظومة باتريوت.
وفي الواقع تفتح التطورات الراهنة، ملف العلاقات التركية - الأمريكية على مصراعيه، في ضوء عدم تجاوب واشنطن مع مقترحات أنقرة للتعاون المشترك في المنطقة. و يمكننا أن نضيف أن عدم الأخذ بمخاوف الشريك التركي، تترتب عنه خلافات عميقة في الملف السوري، بشأن "المنطقة الآمنة"، وفي الذهاب نحو التسوية السياسية، وفي دعم واشنطن وحمايتها لميليشيات صالح مسلم، المصنفة كتنظيم إرهابي، والحيلولة دون تعريضها لعمليات عسكرية تركية، تحدّ من أخطارها في الشمال السوري.
تشغيل منظومة إس 400، سوف يقود الى مزيد من تعقيد الإشكاليات القائمة بين البلدين، وفي اعتقادنا أن العقوبات الامريكية، لن ترغم أنقرة على التراجع، عن المضي في تطوير منظوماتها الدفاعية، والأمنية، وبالتالي تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية إقليمياً بصورة أوسع وأعمق. وبالمقابل لا يمكن للولايات المتحدة، أن تتخذ إجراءات انتقامية تدفع تركيا للبحث عن حلفاء آخرين، وأسواق تصدير واستيراد جديدة، ومصادر تمويل بديلة.
وعلى صعيد الملف السوري، لن يتغير شئ على الأرض. سوف تحافظ جميع الاطراف على توازنات السيطرة القادئمة، وعلى تجنّب التصادم المباشر، على أي صعيد، ما يبقي الوضع المأساوي للسوريين على ماهو عليه: مزيد من التهجير والخراب.. دون وقف لمجازر الأسد – بوتين.
الإشكالية الأبعد تكمن في نزاعات النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا، فهل تقلب واشنطن الطاولة على موسكو، وتجبرها على الالتزام بالتسوية السياسية في سوريا، وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، ردّاً على إدخال سلاح روسي متطور إلى البيت الأطلسي ؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشييع شهيد سقط برصاص الاحتلال الإسرائيلي في بيت فوريك بالضفة


.. رغم سيطرة الاحتلال على المنطقة.. القسام تنجح في تنفيذ كمين ض




.. موكب دراجات نارية بمسيرة لدعم غزة في النرويج


.. نازحون في غزة يستغيثون: -تحملنا فوق طاقتنا وكل يوم ناكل رمل-




.. وزارة الصحة السعودية تؤكد للعربية عدم تسجيل أي أمراض معدية ب