الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنقرة وواشنطن وشرق الفرات

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2019 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


مُضيّ أنقرة قُدماً في نصب وتشغيل المنظومة الصاروخية الروسية إس 400، يبدو خياراً استراتيجيا لم تعد العودة عنه ممكنة، على الرغم من التهديدات الأميركية، بفرض عقوبات، بدأت الأخذ بها، مع الطلب من متدربي إف 35 مغادرة المشروع. وأن أبواب الاختلاف بين البلدين سوف يأخذ طريقه الى التصعيد، على الرغم من التظاهر بالحرص على عدم الذهاب الى ردود فعل حادة ومباشرة. الشمال السوري، هي واحدة من وجهات الصراع التي بدأت بالظهور مجدداً مع إعلان أنقرة نيتها في بدء عملية جديدة لدرع الفرات، وإرسالها لقوات استطلاعية والقيام بعمليات دفاعية في الشريط المقابل لتل أبيض، على بُعد عدّة كيلومترات من المركز الحيوي لقوات سوريا الديمقراطية في عين عيسى.
إذن، تشهد المنطقة تطوراُ مهمّاً في الظروف المعقدة التي تعيشها، وتكاد تتراكم المشكلات بما يتفرع عنها، من مصاعب جديدة، تدلّ مؤشراتها على ابتعاد فرص الحل، عن التحقق، بل إن مزيداً من تشبث الأطراف الإقليمية والدولية بمواقفها، يؤجل تنفيذ اتفاقات ماتزال مجرد حبر على ورق، والذهاب الى اتفاقات جديدة، تمكّن تلك الأطراف من احتواء التحديات الجديدة. ليس في الافق ما يشير إلى ذلك، في العلاقة الغير مستقرة بين الولايات المتحدة وتركيا، بكل ما يشكله ذلك من انعكاس على الحالة السورية، وموضع النزاع بينهما في الشمال السوري، على الرغم من اللقاءات المستمرة للجان المشتركة، خاصة اتفاق التفاهم بشأن منبج، قبل أكثر من عام مضى!
قد يبدو التصعيد، وسيلة "إيجابية" اضطرارية، مع انسداد أفق التفاهم، ومحاولة للعودة الى طاولة التفاوض بين أنقرة وواشنطن، فقد رفع كلاهما من مستوى الجاهزية التي تستبطن تهديداً بالتحدي والمواجهة. والتحرك التركي يمضي نحو عمليات جديدة تشمل جيبي تل رفعت ومنبج والذهاب شرقاً، وهو ما كان قد أعلن عنه أردوغان مراراً، بهدف تحويل " الحزام الإرهابي " إلى منطقة آمنة. خاصة وان الطرفين الأمريكي والتركي، لم يستطيعا التوصل إلى تفاهم مشترك يُنهي هذه العقدة، التي تمثل جوهر الخلاف القائم بينهما في اللحظة الراهنة، بل يبدو شبه مستحيل.
تلك الخطوة هي هدف استراتيجي تركي، ولكن يمكن النظر إليها، من زاوية التوقيت، بأنها ردٌّ متأخرٌ على النشاطات الأمريكية الأخيرة في شرق الفرات، وسياستها التي تحاول ضخّ الحياة في المناطق التي تئن تحت وطأة السيطرة الأمنية والعسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، من خلال عودة المبعوث الامريكي ولقائه بالعشائر، والقوى المحلية، خلال الفترة الماضية، مع دعم عسكري أمريكي جديد لقسد، وهو ما يعني إعادة تقييم لخطة الإنسحاب العسكري التي لم تنفذ. وهو أمر أصبح بحكم النافذ ولايحتاج إلى إعلان بشأن الإلغاء. لكنها اليوم، تكتسب مبررات ودوافع جديدة، ناجمة عن وصول دفعات أولى من منظومة إس 400، ترفضها الولايات المتحدة، جملة وتفصيلاً. يقابلها شحنة أسلحة جديدة إلى قسد، وتعهد بمواصلة حماية ميليشيا صالح مسلم، في مواجهة الخطط التركية، لفرض منطقة خالية من سيطرة قسد، قد تمتد الى قرابة 30 كم، في عمق الأراضي السورية، خاصة في الشريط الحدودي لريفي حلب و الرقة الشمالي، تشمل تل رفعت ومنبج، وتل أبيض، وعين عيسى.
تعمل واشنطنن مع حلفاء أوروبيين، خاصة باريس ولندن، على تحقيق أمرين متوازيين، هما منع تركيا، من القيام بأي عملية تستهدف مناطق شرق الفرات بشكل محدد، مع إبقاء التفاوض قائما بشأن منبج وتل رفعت. والمسار الآخر يتصل بتطوير البنية الاجتماعية والسياسة في المنطقة، من خلال مشاركة أوسع للمجتمعات المحلية في العملية السياسية ( جرت مراراً وثبت فشلها ) والتي ترعاها الولايات المتحدة، وهذا يتصل بتحجيم القبضة الأمنية لقسد، لصالح دور أكثر فاعلية للإدارة المحلية عبر مجالس مدنية جديدة، تتولى إدارة المرافق الخدمية والاقتصادية، وهو أمر لم يتحقق بسبب سياسات قسد الإقصائية.
يرتبط ذلك مع معطيات تتصل بسياسات وضغوطات البيت الأبيض بشان الملف السوري، واحتمال تطوير المفاوضات الجارية بين قسد والنظام السوري برعاية روسية، مع تصريحات غير بيدرسون بشأن حدوث اختراق في مسألة اللجنة الدستورية، وقبول دمشق بالمقترحات الأخيرة المتصلة بالأعضاء والرئاسة المشتركة.
بغض النظر عن حقيقة تجاوب النظام الأسدي، خاصة بشان ملف المعتقلين، فإن الضغوط الأمريكية على النظام بدأت تؤتي أُكلها، خاصة بعد إيقاف ناقلة النفط الإيرانية في مضيق جبل طارق، والحصار أو قطع طرق الإمداد عبر العراق أو من الشمال السوري للنفط، وإحراق المخزون الاستراتيجي من القمح، والذي جري ويجري بغطاء أمريكي لا جدال فيه، عبر ميليشيا قسد، ومكوناتها الأمنية. وهو ما يسمح للولايات المتحدة بضرب طوق محكم على موارد النظام، على الرغم من القوة والتدخل الروسيين المباشرين في الوضع السوري.
لم تلتزم واشنطن حتى اليوم، بالتعهدات التي توصلت إليها مع أنقرة بشأن انسحاب وحدات حماية الشعب من منطقة منبج، وتسليم المنطقة لإدارة محلية، ولم يستطع الطرفان من بناء ثقة مشتركة بشأن تقليص المخاوف بشأن عدم تعرض قسد لهجوم تركي يفتتها، وفي المقابل لم تتمكن واشنطن من تبديد المخاوف التركية، حيال التهديدات الحقيقية والمباشرة للأمن القومي التركي، التي يشكلها وجود الوجه السوري لحزب العمال الكردستاني، واستمرار دوره كذراع أمني للولايات المتحدة، على الرغم من انتهاء شروط ودعمه المتمثل في محاربة داعش وإزالتها من الوجود، وهذا ماتحقق على الأقل في الجزيرة الفراتية، الممتدة من شمال شرق حلب وحتى البصرة مروراً بالموصل.
إن توصل الطرفين الأمريكي والتركي، الى اتفاق جديد، قد ينزع مؤقتاً، فتيل التصعيد في أزمة لا مكانل فيها لحلول وسط، أو مؤقتة، مع استمرار الانتهاكات الواسعة لسلطات قسد الاحتلالية، واستمرار وجود عشرات الآلاف من المهجرين، التوّاقين لعبور الحدود التركية الى مدنهم وقراهم، ولو في ظل الخراب الكبير الذي ما يزال يجثم على المنطقة، ومحاولات منع عودتهم، بشتى الوسائل بما فيها القمع والتجويع وحرائق الغلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو