الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موجبات زوال الرأسمالية (7) لماذا لابدّ للرأسمالية أن تزول

محمد يعقوب الهنداوي

2019 / 7 / 29
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


(7)

3. التسليع:

أي تحويل كل شيء في الحياة والطبيعة تطاله يد الرأسمال الى سلعة وتجريده من طابعه الإنساني أو علاقته بالانسان، واية عملية تسليع غايتها تحقيق الربح للمؤسسات الرأسمالية على حساب اية اعتبارات أخرى.

فالحب والعلاقات الإنسانية العظيمة تتحول الى مادة تسويقية لتحقيق الربح، واضفاء الطابع الجنسي المبتذل على هذه العلاقات، والترويج للدعارة والمخدرات ومؤسساتها المرتبطة بالمؤسسات الرأسمالية، ومناهج التربية الدينية الملوثة المنافقة التي افتضحت أكثر في السنين الأخيرة حيث تجاوزات المؤسسات الدينية بشكل بالغ الاتساع والافتضاح على الأطفال والنساء والقاصرين.

ومع أن هذه الفضائح (المباركة) مستمرة في التصاعد والانتشار في الغرب، وفي الكنيسة الكاثوليكية تحديدا، دون استثناء سواها، فان المؤسسات الدينية الاسلامية تتستر بكل قوة وشراسة على فضائحها الأفدح والأكثر بذاءة وانحطاطا وخطورة والتي لا يجرؤ المجتمع على كشفها ومواجهتها ومنعها بالصلابة اللازمة حتى الآن.

بل ان الإسلام يبيح رسميا وشرعا، واقتداء بنبيه محمد، زواج القاصرات الى حد اباحة تزويج الطفلة وهي لا تزال جنينا في بطن أمها، وتعدد الزوجات، ويتستر على اغتصاب الصبيان حتى في المساجد وكتاتيب تعليم القرآن، ويغري المؤمنين بالولدان المخلدين وبقية الملذات الجنسية المبتذلة في الجنة، ويتستر على ويتسامح مع ممارسات الشذوذ الجنسي وخصوصا بحق "الجواري" و"العبيد" و"ملك اليمين" المغلوبين على أمرهم.

وأول وأكثر من يمارس هذه البذاءات ويستغلها أبشع استغلال وبأقبح الاشكال هم رجال الدين ومشايخه ودعاته ومعمّموه.

والرياضة تتحول على يد الرأسمالية الى بضاعة تجارية تحكمها وتتحكم بها شركات القمار والبنوك الكبرى التي تقف وراءها بحيث تكون كل نتائج المسابقات الرياضية على اختلافها متفق عليها مسبقا ويتم التلاعب بها وتغييرها وفقا لحسابات شركات القمار والمؤسسات الإعلامية التي تمتلك حقوق التغطية والنقل والتوزيع التلفزيوني مثلا، هذا اضافة الى ممارسات الاغتصاب والاعتداء الجنسي في النوادي الرياضية في كل مكان.

وإذا توسعنا في هذا الجانب فسنجد ان أكبر النوادي الرياضية في العالم لم يكن يساوي أكثر من بضعة ملايين دولار فقط في اعقاب الحرب العالمية الثانية والى عهد قريب جدا، بينما تتداول النوادي الرياضية هذه الأيام لاعبين أفرادا بأرقام خيالية تبلغ مئات ملايين الدولارات وتقترب سريعا الى عتبة المليارات للاّعب الواحد، وتدفع الشبكات الاعلامية الاحتكارية مئات مليارات الدولارات عن حقوق التغطية والنقل التلفزيوني لهذه المباريات. أما شركات القمار فلها يد في كل هذا.

وفي الفن، تباع بعض اللوحات الفنية بمئات ملايين الدولارات في حين لم يكن الفنان الذي أبدعها يحلم بوجبة عشاء ساخنة تليق به كإنسان قبل خمسين عاما. بينما يتراجع الى حد بعيد الدعم الحكومي لتعليم الفنون في المدارس التي تضم جموع التلاميذ الفقراء والمعدمين.

ويصح هذا على كل شيء بلا استثناء في عالم الرأسمالية المهووس بالمال والربح وسبل تحقيقه على حساب الانسان. إذ تستلزم عملية الاستلاب الفكري الرأسمالي تمييع الوعي وزجّ الشباب في دورة لا نهاية لها من الانغماس المفرط بالجنس والمخدرات والرياضة والهموم الاستهلاكية عديمة القيمة والجوهر.

ولعل الفضائح الجنسية الأخيرة التي تكشفت في أكبر مؤسسات السينما والإنتاج الفني الغربي، والعربي والهندي وغيرها، تلقي بعض الضوء على الكوارث اللا إنسانية التي تهيمن على علاقات البشر في عصر رأس المال والركض المحموم الأعمى وراء الربح.

وهنا أيضا نجد ان فضائح الأوساط الفنية العربية والاسلامية لا زالت مستورة الى حد بعيد ولا يسمح بالكشف عنها، ويكفي بهذا الصدد تصريح إحدى الممثلات العربيات الكبيرات بقولها:

"طريق الشهرة والنجاح لا بدّ أن يمر بسريرَي المخرج والمنتج...!".

أما عن استباحة حقوق الانسان الجسدية والنفسية والعاطفية والجنسية والحسية والابداعية وانتهاك كرامته في كل شيء، ففي افريقيا ينتشر الاغتصاب والاعتداء على النساء والأطفال في جميع البلدان وبشكل مطلق العلانية تقريبا وخصوصا في ظل انتشار الحروب الموضعية والاقليمية.

بل ويمارس تلك الانتهاكات حتى جنود الأمم المتحدة الذين يحملون صفة "قوات حفظ السلام"!

وسمع العالم كله بمأساة الروهينجا في ميانمار (بورما سابقا) الذين تعرضوا الى حملات إبادة جماعية وجرائم قتل واعتداءات واغتصابات لا حد لها على أيدي القوات المسلحة لدولة "عضو في الأمم المتحدة" وسبق منح رئيستها "جائزة نوبل للسلام" التي جرى تسليعها منذ زمن بعيد أيضا.

وقبلها تعرضت آلاف النساء الكرديات في العراق الى الانتهاك والمتاجرة الجنسية بصمت وتواطؤ من جميع وسائل الاعلام العربية، ويتواصل حصول ذلك في جنوب السودان.

وحين تعرضت الايزيديات العراقيات الى السبي والانتهاك والبيع في أسواق النخاسة في سوريا والعراق وغيرهما، بدعم شبه معلن من تركيا والدول الرأسمالية الكبرى يدرك الجميع أبعاده واستمراره، لم تهتز "شوارب" الضمير العربي والإسلامي.

بل أن الكثير من المؤسسات الإسلامية، وحتى في أوساط البرلمان العراقي، ضحكت من ذلك علنا واعتبرته أمرا عاديا جدا ومشروعا لأن الايزديين بنظرهم "كفار" من "عبدة الشيطان" يستحقون كل ما جرى لهم وأكثر. وامتنعت كل المؤسسات الاسلامية الكبرى، وعلى رأسها الأزهر "الشريف" ومنظمة "المؤتمر الإسلامي" في مصر والسعودية، ومرجعيات الشيعة في العراق وإيران عن إدانتها بشكل صريح الى اليوم!

فالنفاق هو الوجه الآخر والمكمّل والمعادل الموضوعي للدين ومؤسساته.

وفي الصحافة التي كانت، الى جانب وسائل الاعلام الأخرى، وحتى ما بعد الحرب الامبريالية الكبرى الثانية، تمنح الأولوية في تغطياتها وتوزيع صفحاتها أو أوقات بثها، للسياسة وقضايا الشعوب وكفاحها من أجل التحرر، وللشؤون الثقافية والعلمية والإبداعات الفكرية والأدبية والفنية والمنوعات الثقافية والترفيهية الأخرى، صارت أولوياتها المهيمنة الراهنة: القليل جدا من السياسة والكثير جدا من التجارة والرياضة وأسواق المال (البورصات) والثقافة الاستهلاكية المحضة.

هذا بالإضافة، طبعا، الى الفضائح الجنسية الرخيصة وعروض الأزياء وتفاهات التحول الجنسي وأخبار الدعارة اليومية المبتذلة التي ترتكب باسم الفن والابداع لتنحسر أبعادها الانسانية عن المشهد اليومي للإعلام على كافة المستويات.

فالربح هو إله الرأسمالية ومعبودها الوحيد.

* * *
______________________________________

تنويه وتصحيح:

نشرت قبل أيام الجزء الخامس من هذا الموضوع بعنوان (نقاط ضعف أمريكا)، وورد في الفقرة الأولى منه:

"على الجانب الآخر، يعكس هذا الميل الأمريكي (للعنجهية والتعنت والعدوان) أمراضا داخلية ومشاكل وخيمة. فمن جهة يتفاقم العجز في الميزانية الأمريكية التي كانت تتمتع بفائض كبير في الماضي ليتصاعد العجز خلال عشرين عاما من الصفر الى حوالي ترليون دولار (ألف مليار)، كما تصاعد الدَّيْن العام بنسب مقاربة، إضافة الى تفاقم التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي وتواتر الأزمات الاقتصادية الخانقة وتراجع القدرات الإبداعية والاختراعات."

ولدى مراجعتي النص المنشور لاحظت سقوط سطرين منه حيث ان النص الدقيق لهذه الفقرة هو:

"على الجانب الآخر، يعكس هذا الميل الأمريكي (للعنجهية والتعنت والعدوان) أمراضا داخلية ومشاكل وخيمة. فمن جهة يتفاقم العجز في الميزانية الأمريكية التي كانت تتمتع بفائض كبير في الماضي ليتصاعد العجز خلال عشرين عاما من الصفر الى حوالي ترليون دولار (ألف مليار) سنويا، حتى بلغ مجموع الدين العام أكثر من 16 ترليون دولارا لحد الآن وبمعدل زيادة تبلغ حوالي 3 مليارات دولار في اليوم الواحد. وإذا استمر هذا الحال فسيبلغ مجموع العجز خلال السنين العشر المقبلة أكثر من 29 ترليون دولارا وهو ما يعادل أو يزيد على إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة تجعل من صورة الاقتصاد الرأسمالي العالمي أكثر قتامة بكثير. كما تصاعد الدَّيْن العام بنسب مقاربة، إضافة الى تفاقم التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي وتواتر الأزمات الاقتصادية الخانقة وتراجع القدرات الإبداعية والاختراعات."

(المصدر: دائرة الموازنة في الكونغرس الأمريكي:
https://www.crfb.org/papers/analysis-cbos-january-2019-budget-and-economic-outlook?gclid=Cj0KCQjwsvrpBRCsARIsAKBR_0JO9cZYxaUNZj6M-8brEe_cWaQ-PfILqucbynkUsE8XC5fXSD7L8sQaAjn8EALw_wcB

مع الاعتذار للقارئ الكريم عن الخطأ غير المقصود)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس للبلاد


.. مقتل 4 جنود إسرائيليين بقصف لحماس والجيش الإسرائيلي يبدأ قصف




.. الانتخابات الأوروبية: أكثر من نصف الفرنسيين غير مهتمين بها!!


.. تمهيدا لاجتياحها،الجيش الإسرائيلي يقصف رفح.. تفاصيل -عملية ا




.. تهديد الحوثي يطول «المتوسط».. خبراء يشرحون آلية التنفيذ والت