الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


2سناء الانصار سنوات ازدحمت بالمجد

مزهر بن مدلول

2006 / 5 / 11
الادب والفن


أُمي ، اكثرُ صمتاً مني ..
دموعُها تَرى ..
آهاتُها ، كلماتُ وداع ..
لها رحيقُ زهرة ..
اخذتْ رأسي الى صدرِها ..
فأمتلأت روحي بعطرها الأزلي ، ثم حملتُ متاعبي، ورحلتُ.
كيف لي أن أختزل الجبال .. لكي اصلُ إليها ..
اصنعُ قيثارةً من الثلج .. وأعزُفُ هلهولةَ الحزنِ والموت .. فتلك الناصريةُ ، أبديةُ الألم .
تلك هي ، خارطة الحنين ، التي طوقت راسي ، حين دخلتُ معركة [ قبر زاهر] ، اشرسُ المعارك ، واشدُّها نيرانا .
وزاهر ذاك ، كان مام ، او شيخ عشيرة ، وربما كان مقاتل . لاادري .
لكني اجزم ، بانه لم يمت هناك ، بسبب بحثه عن اصل منابع البحر . فلماذا اختار زاهر ان يموت هناك ؟. ببساطة ، إن لاحياة في ذلك المكان .
وصلتُ ، بعد رحلة قلق وخوف جبلية ..
كانت انفاسي تتلاحق ..
كنوز الاوهام تكاد تنضب ..
السماء معفرة برائحة الحرائق ..
هذا الذي يرفُّ ..
فوق راسي ، لايشبه اجنحة العصافير ..
انها زعانف القذائف ..
كائناتي ، كلها مستعارة .. من جسد ، ينام على حجر ..
ويأكل ، من زادِ بقايا قصائد .
اندهشتُ ، حين رايتُ ، اولئك الانصار ، وهم ينتشرون ، في مساحات واسعة ، لمجموعةٍ ، من قممٍ متلاصقة .
كانوا يجوبونها ، ذهاباً واياباً ، منهم من كان مسرعاً ، اوراكضاً ، ومنهم من كان ، قد نالَ من هيكلهِ التعب ، فبانَ بطيئاً واهنا ً.
في الوادي ، يتمركزالجيش ، بكل ثقله وجبروته ، واسلحته الفتاكة ، وعتاده الكبير، انه ينوي احتلال القمة ، مهما كان الثمن .
لااعرف اسما اخرا لهذا الجبل ، الا الاسم الذي اطلقناه نحن .. اي قبر زاهر ، ويقع في اقصى نقطة من المثلث العراقي ، الايراني ،التركي .
القتال الطويل فيه ، انتحارا ، والانسحاب منه ، سيمر حتما عبر الاراضي التركية او الايرانية . ليس هناك من بقعةٍ ، في ارض العراق قريبة ، يمكن اللجوء اليها مباشرة .
القمم ، كانت خالية من الاشجار ، وخالية كذلك من الصخور الكبيرة والمغارات ، التي تقي اجسادنا ، من الشظايا التي تناثرت في كل مكان . وتتعرضُ ، الى منخفض جوي ، يكاد يكون بشكل دائم . فالريح تهب ، من كل زاوية ، وايُّها .
ومهما درْتُ ،او تكورْتُ ، اوحاولتُ ، أن أجد طريقةً أواكتشفها ، لكي اتجنب الريح ، فهي فاشلة .انها تلاحقني ، مهما فعلت .
السيكارة ، تتطلب وقتا كي تشتعل ، اما اذا اردنا ان نعمل شايا ، فذلك يستغرق ساعات . عند ذاك يكون الموت لامعنى له ، فاهمية الشاي والتبغ عند الانصار ، كاهمية السلاح والعتاد .
الخيمة التى بنيناها ، بجهد كبير ، لاتصد الرياح القوية ، اوتادها طارت مرات عديدة ، وكنا نعتمد طريقة الوجبات السريعة في الاكل ، طريقة علب السردين ، والجاجي [ اي الجبن الذي له رائحة كريهة ، والذي نسميه ال تي ان تي ] ، وهي الأكلة ، التي يرفضها اغلب الانصار .
لم يكن لنا في ذلك الوقت ، موقدا للنار ، ندور حوله ونستمتع بتجمعنا الجميل ، الذي نصنعه في اكثر الظروف قسوة .
كل ذلك ، وكان علينا ، التصدي للجيش ، ومنعه من الوصول الى القمة .
ولكن لماذا ؟!.. اذا كان الجيش ، قادرا ان يعسكر في الوادي لسنين ، ونحن لانستطيع ان نبقى ، الا لفترة وجيزة من الصيف .
فلايمكن لاي بشر ، ان يعيش هنا في الشتاء ، ولا يمكن ان نبني فيه ملاجئا للبقاء. وعندما تغمر الثلوج المكان، فان جميع طرق الامدادات ستنقطع . لذلك كان امامنا خياران فقط ، اما ان نهزم الجيش ونعود الى الوادي ، وطبعا هذا امر محال ، واما الانسحاب . وظننتُ ان خيار الانسحاب هو الارجح . ولكن علينا ان نجد متسعا من الوقت ، لنبحث لنا عن ممرا داخل الاراضي الايرانية ، يقودنا الى العراق مرة اخرى ، وفي مكان اخر .
لم انسى ابدا ذلك المشهد الرهيب ، وتلك القسوة الهمجية ، حين سقطت قذيفة في خيمة لخمسة من البيشمركة ، الذين كانوا للتو ، يتناولون طعام الغداء ، فكانت اشلائهم تتطاير في الهواء ، منثورة مع الخبز . ذهبت الى تلك الخيمة ،وكانت قريبة من مكان مراباتنا ، لكني لم اجد شيئا اتبينه . هولاء تحدوا الموت ، واستعدوا له . لكني اعتقدت ، بانه لم يكن ضروري ، في تلك المعركة ، لاننا كنا في جبهة حرب ولم نكن في حينها نخوض معركة انصارية ، التي تختلف كليا في ممارستها .
لذلك ، رغم استمرار المعركة لتسعة ايام ، ورغم شراستها ، لم يكن في صفوفنا خسائر ، نحن الانصار .
خيمتنا ، هي القاعدة الخلفية ، التي نجتمع ، وننام فيها ، ومنها ننطلق الى مكان المراباة ، الذي نواجه الجيش فيه .
وكنتُ هناك طوال الايام التسعة ، وكان معي صديقي النصير ملازم احسان ، الذي كنت واياه دائما نتحدث ، عن اشياء اخرى ، لاعلاقة لها بالحرب .
الوادي ، الذي تُعسكرُ فيه ، قوات الجيش ، بعيدٌ ،والصعود الشاق ، للوصول الينا ، يستغرق ساعتين ، لذلك كانوا يرسلون مفارزا صغيرة ، اكثر من ثلاث مرات في اليوم ، فنشتبك معهم ، ويتراجعون، وفي كل تراجع لهم يتحول الى كارثة علينا ، حيث يمطروننا بقذائف الراجمات ، التي تعدُّ بالمئات لكل دقيقة واحدة . حتى اننا عرفنا تلك الخطة ، فاخذنا حين نتصدى لهم ويتراجعون ، نركض ونبتعد ، لمسافة عن المكان ، ثم نعود بعد ان يتوقف القصف . ثم واجهتنا مشكلة الطيران العمودي ، الذي يحلق ، على مسافات بعيدة ، ولايمكن التاثيرعليه بالرماية الكثيفة ، من اسلحتنا الخفيفة . كان يحوم في سماء المنطقة ، ونحن في مكان مكشوف ، وليس امامنا ، الا الالتصاق بالارض ، للتخلص منه . علما باننا سررنا في اول الامر، حيث كان عندنا بعض صواريخ السيترلا ، ولكن عندما حان وقت استخدامها ، اكتشفنا انها لاتعمل ، فكانت المفاجاة محزنة ، وتملكتنا الحيرة في كيفية معالجة هجوم الطيران علينا .
الجيش لم يكن في خطته التراجع ، ويبدو كان مصرا على احتلال القمة ، وهذا ماادركته القيادة حينها ، فدعت الانصار الى اجتماع موسع ، لاتخاذ قرارا بهذا الشان ، ولم احضر ذلك الاجتماع بسبب وجودي في المراباة ، لكني كنت اعلم به وتمنيت ، ان يكون القرار هو الانسحاب ، قبل ان تاتي شظيةٌ تحزُّعنقي .
وهذه المرة ، عبر اراضي ايران ، الى الوطن ( دولي كوكا ) واكثر من عام ونصف هناك، كلها حروب من اجل البقاء . وتلك لمرات قادمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل


.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا