الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض من بعض الذي كان .. 2 – تدوين أم إعتراف

جعفر المظفر

2019 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


بعض من بعض الذي كان .. 2 – تدوين أم إعتراف
جعفر المظفر
أجزم ان الحكم على المراحل السابقة بمهنية عالية وبحرفية كفوءة يجب ان يتم من خلال العودة إلى ظروفها ومقوماتها ومعطياتها, لأن الوعي والإختيار والرؤى دائما ما تكون محكومة بتلك الظروف والمعطيات ومحتكمة بها, وهكذا فإن المثل الذي يقول (إن من شافَ ليس كمن سمع) سوف يحدد لنا طبيعة الحاجة إلى أن يتحدث أصحاب التجربة عن التجربة التي خاضوها بانفسهم وكانوا شهودا عليها من أهلها.
إن السياسي منا, سواء أكان شيوعيا أو بعثيا أو قوميا أو وطنيا أو إسلاميا, , غير مطالب البتة, ما لم يكن قد إرتكب جرائم جنائية, بالحديث عن تجربته وكأنه أمام القضاء خائفا حذرا متوجسا ومحتسبا, حتى لا يؤثر ذلك على طريقة إستدعائه للإحداث سواء تلك التي كان شاهدا عليها أو تلك التي كان صانعا لها أو تلك التي كان جزءا سياقيا منها.
لقد صار من الأعراف والتقاليد السياسية في الكثير من بلدان العالم وخاصة في الدول الغربية أن يقوم السياسي حال مغادرة الوظيفة بتدوين تجربته الذاتية الخاصة. فإن نحن وضعنا جانبا وجود حوافز ربحية للإستفادة من ذلك التدوين فسنحكم أنه يأتي كتقليد هدفه المساهمة في صناعة مستقبل من خلال تدوين تاريخ, أو المشاركة في بناء وعي عام لأجل ان لا تتكرر الأخطاء, أو لغرض إستخلاص دروس لتطوير مناهج أو تجديد رؤى, أو التبشير بالجديد الذي يستبدل السيء بالمفيد أو الفاضل بالأفضل, أو أيضا لشرح حقائق من داخل العقلية التي صنعتها فلا يذهب السامع او القارئ إلى الخضوع لعملية تلقي غير عادلة وغير متوازنة.
وإن علينا نحن الذين كنا شركاء في حياة العراق السياسية السابقة أن نسلك ذات السلوك وأن نكتب بنفس المنحى, حتى نجعل من ذلك تقليدا هدفه المشاركة بتدوبن تاريخ وشرح ونقد ومراجعة لتجربة سياسية, دون أي مستوى للتوجس والإحتراس المبني على خوف من أن يعتبر ذلك إعترافا بذنب, او الحذر من أن يجري تصريفه بطريقة قانونية وقضائية, إذ مع هيمنة تحسب كهذا فإن الكاتب سيدون تجربته وكأن السيف مسلط على رقبته فيكون إقترابه منها إقتراب الخائف الذي يدفع التهمة ويصدها عن نفسه فنراه وقد تحولت كتابته إلى ديباجة مرافعة هدفها تبرئة النفس لا كتابة التاريخ .
إن الأمر في إعتقادي لا يحتاج إلى جرأة أو شجاعة بل لعله يحتاج فقط إلى أن يؤمن السياسي بحقيقة أن مساهمته في مراحل العمل السياسية السابقة رغم مرارتها ليست مبعثا للندم, وأن الإتيان عليها ليس بمثابة فتح النار على النفس, أو التذكير بماض مؤلم كان قد فات وإنقضى, فلولا يقين السياسي وقتها أن خياراته ومشاركاته تلك كانت تنطلق من نيات طيبة وقناعات إيمانية واعية وراسخة, وبكونها مشاهد لا تنعزل عن معطيات تلك المراحل وسياقاتها, لما كان شارك بهمة وحماس وإندفاع حد التضحية بالنفس في سبيل الهدف الذي آمن به.
من هذا المنطلق, ولأن العراق ما زال دولة تحت التكوين, ولأنه سيظل يبحث عن ذاته وهويته وتاريخه وحتى عن جغرافيته, لأجل أن يستقر أمره وتتشكل هويته, فإن كتابة السياسي لتاريخه, إذا ما ظن باهميته, يصبح واجبا قبل أن يصير تقليدا.
وإن على الواحد منا, بغض النظر عن هويته السياسية السابقة, شيوعيا كان أم بعثيا أم قوميا أم وطنيا أم أسلاميا, أن يكون فخورا بنفسه عندما ينتقدها ويبين أخطاءها, بدلا من ان ينكسرنفسيا جراء إعتقاده أنه كان شريكا بتجارب سياسية مربكة, ودون خوف من أن يكون هدفا للشتامين من اصحاب العقول الساذجة أو النيات السيئة, فهو في حينها كان آمن بما فهم وأخلص بما فعل. ولأنه عاد بعد ذلك لكي يكتشف الخلل ويتعرف على الأخطاء فسيكون واجبنا التصفيق له لشجاعته, وليس التضييق عليه لصراحته. وإن من الطبيعي أن لا يشمل حديثي هذا الإنتهازيين والنفعيين والوصوليين, بل انه مختص فقط باصحاب النيات الطيبة والأيادي النظيفة والنفوس النقية.
على جهة أخرى يرى بعض الأخوة, وحتى من أولئك المتضررين من نظام صدام, أن العودة إلى تشريح ذلك النظام في وقتنا الراهن سوف تصب في صالح النظام الحالي وأن الوقت الذي يجب ان تجري فيه عملية المراجعة والتشريح لا بد لها وان تتأجل حتى يتخلص العراق من هذا النظام الفاسد.
إن ضعف النظام الحالي هو ضعف ذاتي كامن في بنيته الأساسية وهو لا يستمر بسبب اننا ما زلنا نشغل الناس كثيرا في الحديث عن عورات صدام حسين, وإنما لأن المعادلات الدولية والإقليمية التي جاءت به لا تزال تعمل في صالحه, كما أن الحديث عن عورات صدام مطلوب لذاته وخاصة من أولئك الذين إنخدعوا به أو من البعثيين الذين إضطهدهم صدام بتهم قد لا تستحق سوى العتاب أو لفت النظر. هؤلاء ما زال في جعبتهم الكثير مما يقال عن الكثير مما حدث, وأن من المهم أن تلتحق رواياتهم بسابقاتها لكي تكون جزءا من الذاكرة العراقية الخاصة بهذه المرحلة, وحتى لا يجري البحث عن النظام البديل في ساحة تمني عودة النظام القديم .
بهذا الإتجاه أعتقد أن لدي ما أقوله. وستعتمد طريقة إستدعائي للحدث على صلاحيته كمدخل, إذ قد يحتل الأول في التسلسل التاريخي مقاما متأخرا, في حين قد يأتي الأخير أولا.
وتأسيسا على ذلك سوف تبدأ أول مقالاتي بالحديث عن مجزرة قاعة الخلد عام 1979 ومنها سأذهب إلى ما سمي بمؤامرة ناظم كزار, ومن ثم مؤامرة الغدر بعبدالخالق السامرائي, نزولا إلى غزوة القصر في السابع عشر من تموز والثلاثين منه, وقبلها إضراب الطلبة في بداية عام 1968 ثم العودة إلى بواكير الحرب العراقية الإيرانية ومسلسل التدهور الذي تم من خلاله إلقاء القبض على العراق بعد إرتكاب صدام لأم الهفوات والأخطاء والجرائم حينما قرر بليلة سايكوباثية سوداء غزو الكويت فدمر أمة وأضاع وطن.
وستكون مقالتي القادمة التي تتحدث عن مجزرة قاعة الخلد عام 1979 بعنوان (قطة ليلة الدخلة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السر وراء السعر الباهظ لحلوى الماكرون الفرنسية الشهيرة.. ما


.. حرب كلامية مشتعلة في إيران بين علي لاريجاني وسعيد جليلي.. فم




.. نشرة 8 غرينتش | إسرائيل تجدد رفضها وقف النار الدائم.. و-العر


.. مستشار نتنياهو يقر بـ-تقديم تنازلات- في صفقة التبادل من أجل




.. جملة عليك الهرب من العلاقة عند سماعها.. تعرف عليها