الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة// تقمّص

عماد نوير

2019 / 7 / 30
الادب والفن


تقمّص
ارتمى بأحضان مكتبته، ينوء بحمولة أفكاره، تداعبه ذكريات من أوقات مختلفة، لكنها متشابهة، ذكريات معتّقة لا يقوى العقل على الصمود أمام انسكاب مدامها في كؤوس انهياراته.
تبتسم خواصر الألم المُعدّة للطعن كل ليلة من قراءة رسالة ما، أو تذكّر كلمات تخلد في أعماق الذّاكرة، يلبس بدلته الحمراء و يستعد للإعدام رميا بالشّوق، يقسو أحدهم، فيعانق رقبته حبل مفتول بلوعات الندم.
يعاتبها حينا، يناغمها حينا، يستجمع كل الهذيان عسى أن يجد فيه ترياقا بين الكم الهائل من الفوضى و الهلوسة.
أحسّ بأن الغرفة تضيق عليه شيئا فشيئا، كائنات خانقة ذات سلطة غبية فتّاكة، تدفع به نحو أي مكان، لا يهم خطره من أمانه، في لجّة الضيق تذكّر حين يخسر بلعبة البوبحي أثر برق أزرق معربد يسميه الزّون، الزّون يحاصره في غرفته، يصل إلى رزمة أوراق حشتها أدمغة طلّابه بأفكار غثّة و ساذجة و قليل منها هادفة و جميلة، كان الموضوع كتابة قصة عن العلاقة بين الجنسين، قالت إحدى طالباته:
- هل يجب التّقيّد بضوابط المجتمع، أم تترك لنا حرية الفكرة!!!
قال على الفور:
- الاختلاف مسموح به، اخترقوا القواعد، و أروني قدرتكم في وضعها بإطار محترم لا يخدش الحياء.
بدأ تنفسه يستقرّ، كأن الانفراج قد أعلن قراره فيه، بدأ يقرأ قصص الطلاب واحدا واحدا، كأنه يحجم و يبتعد عن قصة معيّنة، لا يود إعادة قراءتها من جديد، مم يخشى!
كان يخشى أن يحذف تعقيبه عليها، تذكّر وعوده بالسماح لهم بأية فكرة، فما باله الآن يعود للمنطق الجاهز، المنطق غير القابل للتحديث أو حتى المناقشة فيه من جانب مختلف عن الآباء.
تعود الذّات الرقيقة المتسامحة لتقضي على حالة الصراع:
- قل لنا ما الذي يعيق الفكرة في هذه القصة؟
- سأقرأ لك هذا المقطع منها، و احكمي!

((كثيرا ما يحادثني شخص لا أعرفه، لكنه يصر على علاقتنا الوطيدة، يعتقد أنه مقرّب لي جدا، لستُ غبيّة لأنكره هكذا دون مراجعة ذاتي، و هو كذلك ليس أحمقا ليدّعي أنه جزء من حياتي!
يحدّثني بلا تكلّف، يدخل كل جزئيات حياتي، كل أزمانها و أماكنها، يغار عليّ، ينصحني، يقدّم لي يد العون المادي و المعنوي، ينتظرني عند عودتي من الدوام، يرافقني رحلتي إلى التسوّق الأنثوي، يدخل غرفة نومي، يتصرّف بلا وجل، يخلع ملابسه، يداعبني، ينسلّ إلى مخدعي الذي سرعان ما يمتد ليسع شخصين حميمين.!
حينها لا مجال لأستدرك من يكون، الشعور الداخلي يخبرني أنني بلهاء، فهو حتما زوجي، حبيبي، رجلي المفضل، لا يهم أن يكون له شكل يشبه رجل رأيته يوما في أحد المراجعين، مدير جذّاب له نظرة تخلد في اللاوعي، في فيلم ما، أي شيء، هو حتما يحمل مؤهلات رضيتها فاستسلمت له و أنا أغبط نفسي!
أنا أعرف إن المتشدّدين سوف يقذفونني بالحجارة، أعرف إن المحافظين سوف يقدّمون النّصح و الإرشاد، أعرف أن الكثير سوف يكيل الشتم و السّب و منحي ألقابا في طعن العرض، هكذا حين يغضبون من المرأة.
و أعرف أيضا هناك من يعرف كيف أبني حياتي السعيدة الجميلة بطريقة جنونية لذيذة، دون التّجاوز على أرض الواقع و الحياة المفروضة بظروفها و عقليتنا في تلك الظروف، و أعرف أيضا كيف يشعر هؤلاء بذاك الشعور لأنهم بكل بساطة قد شيّدوا قصورهم التي تشبه قصور الله في جنانه، فقد أنفوا خرائب الواقع المهين، أعرف أنهم يكابرون و لا يصرّحون، أعرف أنهم يباركوني بسرّهم!).
الذّات تصفّق و الابتسامة تعلو محياها، الاستنكار يحضر الجسلة:
- و أين المشكلة في ذلك؟
- طابع الحياة التي نشأنا عليها منذ آلاف السنين له قواعد تحكمنا و إن صرّحنا خلاف ذلك.!
تنبعث من بين ثنايا الذّات روائح السخرية و الازدراء، تقترب منه و عيناها تسيل توبيخا و تحقيرا:
- هل تستطيع أن تكون شجاعا بما يكفي!
هل تصدق نفسك! هل تشعر بالحرية!
أنت لا تمارس طقوس الرذيلة في الخلوة و تتأنق بالمثالية تحت أشعة الشمس!
أنت تحاول أنت تكون أنيقا و مثاليا في كل العوالم.
هل نكشف أسرارنا على الملأ!
هل ننشر كل غسيلنا يا صاح!

لم يرقه المقال و الخطبة العصماء في حضرة الأستاذ، فهو حتما أدرى كيف ستؤول الأخلاق لو ثُنيت لها الوسادة و أرخي لها العنان.
أعاد كل شيء إلى مكانه، أمسك أنفاسه، استشعر بهدوء الذّات المشاغبة، شعرَ بخدر يسري بكيانه، لهفة للقاء، رغبة في عناق، شغف لرؤية شخص، ربما أكثر من ذلك، اشتياق لمخدع مجنون، عرّج على صورة كُتب عليها (هل يساعدني الله)، استنشق عبيرها بقوة!
- لا أثر لروح الإيمان في وجهك!
الذّات مرّة أخرى ترفس الأرض بقوة!
- لكن....
- لكن الصورة التي ترافق الدعاء، إنها تشبهها..تحتفظ بصورة إعلان فقط لأنها تشبهها، تلك التي لم تنسَها أبدا!
أطفأَ الأنوار و انسلّ إلى مخدعه بهدوء يملأه الحياء.
عماد نوير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا