الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بائع اللبن يطرد المحتل

حسين التميمي

2006 / 5 / 11
كتابات ساخرة


بعد أن تناولت قدحا من اللبن البارد سألت البائع عن الثمن فذكر مبلغا يفوق ثلاثة أضعاف سعره ، فسألت البائع بشكل مفاجئ ودون مقدمات : هل تحب ان يبقى بلدك محتلا . فأجاب بغضب : ماذا تقول .. أنا أكره المحتل كره العمى ، ثم استرسل بكم هائل من الشتائم وبصوت مرتفع ليسمع من حوله بطريقة استعراضية ، شعرت من خلالها بأنه تعمدها كي يثبت لمن حوله بأنه مواطن شريف يحب وطنه ويكره المحتل . فقلت له وبهدوء متعمد : لكن سعر بضاعتك المرتفع يدل على أنك ترغب ببقاء بلدك محتلا ، وقبل أن يواصل هتافه الفارغ ، رفعت يدي بوجهه بطريقة اردت منها ان يفهم انني قادر على استخدام لغة تفوق لغته أو اسلوبا يفوق اسلوبه الاستعراضي ان هو لم يستمع لي .. ثم بدأت اشرح له وبهدوء – كيف يساهم هو وأمثاله ببقاء المحتل دون أن يعلموا ، فحدثته أولا هن النبي محمد وأحاديثه الكريمة عن البنيان المرصوص الذي صور المسلم كحجارة في بناء لا يستقيم اذا ماتخلت حجارة عن دورها في البناء وعن مكانها المرصود لها ، وتحدثت له عن المؤمنون وعن توادهم وتراحمهم ، وبينت له فضل التواد والتراحم الذي يتقدم الايمان ، لأن الإيمان لا يكون مابين أمة تبغض بعضها بعضا ، ثم عرجت على دور المواطن المتحضر ، ومايتركه تصرفه وسلوكه الانساني من أثر يساهم رأب الصدع ووصل اللحمة التي انفصلت عراها إثر المتغيير الآني الذي فرض علينا من قبل قوى مختلفة لم تكن تدرك أوهي لم تهتم أصلا بانعكاسات تلك التغيرات وتأثيرها على الانسان العراقي بمختلف تكويناته ومشاربه وألوانه (عرقيا واجتماعيا وثقافيا) وطبعا لن أكون متفائلا كي أقول بأن بائع اللبن قد فهم شيئا مما قلت ، لكن أحببت أن اوضح للقارئ الكريم بعض جوانب هذه الفكرة وله أن يحكم فيما اذا كانت معقولة أو هي من شطحات الخيال التي تنتابنا أحيانا ونحن في خضم ، الصهد والعطش والجوع لكل الأشياء التي حرمنا منها بدأ من الأمان والاستقرار وليس انتهاء بمشاكلنا مع الكهرباء والماء والوقود والحصة التموينية ، فضلا عن الأمور الأخرى التي يطول شرحها .. لذا لا أجدني مغاليا – حين أكون وجها لوجه مع ورقة بيضاء – أن أتحدث عن تفاصيل أخرى تخص كل الباعة الذين يبيعون بسعر أعلا من قدرة المستهلك على اقتناء احتياجاته مرورا ببائع النفط .. هذا العدو الأزلي الذي يتاجر باصطكاك أسنان اطفالنا في الشتاء ويتاجر بعقول نسائنا في الصيف حين يرغمننا على ابتياع صفائح النفط الأبيض في عز لهيب تموز بدعوى أن الشتاء القادم سيكون خال من النفط وإن وجد فبأسعار أكثر اشتعالا من كل انواع المواقد التي نحلم بها شتاء .. أي مفارقة مضحكة هذه ؟ فالمواطن .. وخوفا من وقوعه تحت طائلة أزمة قد تحدث بعد خمسة او ستة أشهر نراه يعمد الى صنع هذه الأزمة بيديه دون أن يعلم ، ولنتخيل مثلا أن ثمة بائع نفط يدور في الأزقة والشوارع وفي شهر تموز الذي سبق 9-4-2003 ترى كم سيكون وجوده مضحكا بالنسبة لنا آنذاك؟ .. بينما هو الآن يدور في أزقتنا ويفرض السعر الذي يريد والجميع يشترون منه بغير تردد .. لي ثقة بأن القارئ الكريم .. اذا كان ممن اشتروا النفط في الأيام الأخيرة من تموز أو آب سيرفض أن يبتسم لهذه النكتة ، لذا لن أحرجه أكثر من ذلك ، وبينما هو يستعيد لياقته ورباطة جأشه كي يعاود القراءة سأفترض أن ثمة فسحة من الوقت .. كتلك التي تعطيها دور السينما مثلا ، فأغتنمها لأقص عليه خبرا قديما كنت قرأته قبل أكثر من عامين عن ارتفاع اسعار اللحوم في دولة من دول اوربا ، ولم يكن ارتفاعا من نوع القفز الطويل كما يحدث لاسعار بعض المواد عندنا ، انما كان ارتفاعا طفيفا (بالفلسانات) كما يقال ، فماذا كان رد فعل المواطن هناك ؟ لقد امتنعت جميع النساء عن شراء اللحم ، ودون اتفاق مسبق ، فما كان من اصحاب السوق الا أن يعيدوا السعر لأقل مما كان عليه خوفا من الافلاس .. ترى كم امرأة عراقية تستطيع أن تتخذ مثل هذا القرار وكم رجل أيضا ؟
نعود الى موضوعنا ، فربما مايزال بعض القراء لم يصلوا بعد الى سر العلاقة بين بائع اللبن والمحتل ؟ ودعونا نتخيل اننا استطعنا التخلص من كل الجشعين والفاسدين ، بدأ من الباعة الصغار الذين لا يفقهون الأضرار التي يسببونها وانتهاء بأكبر الفاسدين من موظفين قد يصل منصب بعضهم الى درجة وزير او اكثر ، ولو استطعنا ايضا ان نثقف كل مواطن بأهمية هذا الفعل بالنسبة لوطنه ولوطنيته ، لما استطاع المحتل مواصلة البقاء على ارضنا ؟ لأن اسباب وجوده ستنتفي أو تتلاشى الواحدة بعد الأخرى ، فوجود شعب متآزر متعاون متواد ، يعني لا وجود لكل انواع الارهاب والتخريب و .. للحديث بقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه


.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان




.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو


.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف




.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول