الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحرب - معركة الصور

مصطفى علي نعمان

2003 / 4 / 3
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

 

اليوم الرابع عشر، الأربعاء، 2 نيسان، 2003.

معركة الصور:

لكل صورة معنى معين! بعض الناس يفلسفون المعنى، يقرؤون ما في داخل الصورة قبل مظهرها، ماذا تعنيه، كيف تفسر الآن وفي المستقبل!

أمس نشرت جريدة أمريكية صورة جنود أمريكان واقفين قرب بضعة جثث لجنود عراقيين، استشهدوا في أحدى المعارك، واليوم انتقد غير واحد من المحللين نشر تلك الصورة، أما أهم استنكار لنشر الصورة وما تعنيه، فكان على صورة سؤال:


لماذا تظهروننا كقتلة!

يبدو أن المحلل المحترم يتصور جنوده ملائكة الرحمن! لم يدر بخلده أنهم قتلة قط! لذا صدمته الصورة.

اقترحت مسؤولة كبيرة صورة أخرى، بضعة أطفال يقفزون مرحاً، ووراءهم جنديان أمريكان يشرعون أسلحتهم.

ثم نشرت صورة أخرى لامراة ملفعة بالسواد، اصيبت بفخذها، مطروحة على صفحتها، قرب جسر الهندية، معللة إصابتها بالمعركة التي جرت للسيطرة على الجسر، لكنها لم تذكر أي جهة أصابتها، وأغلب الظن أنها ضحية للجيش الأمريكي، وإلا كانوا اتهموا مرتزقة البعث.

ثم نشرت صورة المرأة نفسها، "صورة كبيرة" يحملها جنديان على نقالة، إلى المستوصف، وهكذا ملأ الله قلوب الأمريكان رحمةً وشفقةَ، على حين غرة‍‍! فياليته يجعلهم يتوقفون عن قتل الناس عشوائياً، فقد ملّ الشعب العراقي المسكين القتل، والذبح، منذ أربعين سنة وإلى حدّ الآن، عسى أن يسمع الدعاء، إذ لم يبقَ لدينا غيره!

ملحمة نقطة التفتيش:

روت الصحف الأمريكية قصة استشهاد النساء والأطفال الأبرياء، الذين مرّوا، بسيارة "الفان" (ويطلق عليها العراقيون "الصاروخ لسرعتها قياساً بحافلات النقل العام،)

حدث ذلك قرب نقطة تفتيش أمريكية ولم يتوقفوا، وحسب رواية الجيش الأمريكي، أشاروا لهم بالوقوف، لكن سيارة "الفان" لم تتوقف، حينئذ أطلق جنود نقطة التفتيش النار على عجلاتها، ولم تتوقف أيضاً، ثم على الماكنة، ولم تتوقف! ثم على من في السيارة، وهكذا استشهد من كان فيها، كلهم كانوا نسوة وأطفال، ولست أدري ماذا حل بعقل السائق، ولماذا لم يتوقف! ولماذا عرض هؤلاء الأبرياء المساكين للموت!

الضابط الأمريكي المسؤول عن نقطة التفتيش، دافع عن تصرف جنوده، معللاً ذلك أن معظم ضحايا الجيش الأمريكي قتلوا على يد مدنيين، أو عسكريين متزيين بالزي المدني، ولو وقفت سيارة "الفان" لما حصل شيء، قال ذلك من دون اهنمام! ليلقي لوم إهراق الدم البريء على عاتق صدام مرة أخرى، فهل يهم صدام ذلك؟

تيتي تيتي، مثل ما رحت جيتي:

العراق مستعمر، محتل، أرض بلا حكومة، بلا مسؤولين، بلا سلطة، فالحكومة الحالية زائلة، هي ومسؤوليها، وسلطتها، وكل ما تستند عليه، والقضية قضية وقت ليس إلا، وليس الغد لناظره ببعيد.

هذا ما تفكر به الإدارة الإمريكية، وهو بالنسبة إليها يقين لا يمكن أن يتطرق إليه شك! ويشكل هذا اليقين أرضية، تستند عليها كافة القرارات التي تتخذها بشأن العراق، مهما تبدو غريبة! وعجيبة!

ومن هذه القرارات الغريبة العجيبة ما روته أجهزة الإعلام "المحتلة" من أنها وافقت على اقتراح الجنرال المتقاعد "جي غاردنر"، يقضي الاقتراح:


1-تقسيم العراق إلى ثلاث ولايات: بغداد، موصل، بصرة.


2-يُعين الجنرال المتقاعد "جي غاردنر" حاكماً فعلياً للعراق.

3-يتولى مسؤولية إدارة كل ولاية موظف أمريكي لمساعدة الجنرال المتقاعد "جي غاردنر".

4-يعين مجلس استشاري من العراقيين، لا يتمتع بصلاحيات تنفيذية، يعني "خراعين خضرة" كما يقول العراقيون.

لاشك أن من وافق على أن يكون الجنرال المتقاعد "جي غاردنر" حاكماً، عسكرياً، شبه مطلع على تاريخ العراق، ويؤمن بأن التاريخ يعيد نفسه! فقد كان العراق مقسماً في زمن الدولة العثمانية إلى ثلاث ولايات، هي نفسها: الموصل، بغداد، بصرة، فلما لا يرجع التاريخ كما كان؟ يعني، كما يقول المثل العراقي: تيتي تيتي، مثل ما رحت جيتي.

إضافة إلى ذلك، فقد رضي العراقيون من قبل بفيصل ملكاً عليهم! فلم لا يقبلون بالجنرال المتقاعد "جي غاردنر"؟ وهو في كل المقاييس أفضل من فيصل، فهو في الأقل يعرف القراءة والكتابة! وفيصل شبه أمي، ويشرب الويسكي علانية، بينما يشربها فيصل سراً، ورضي العراقيون، كذلك بعفلق حاكماً غير علني، تساعده مجموعة من القتلة والمجرمين، أطلقوا على أنفسهم القيادة القومية، للجريمة والتدمير!

نعم من اقترح ذلك شبه مطلع على التاريخ، فلو كان مطلعاً على التاريخ بتعمق لعرف أن العراقيين يحنون رؤوسهم أمام العاصفة، فترة قصيرة، لكنهم يثورون، ويحطمون، ويقتلون، وما تاريخ ثورة العشرين ببعيد! وأنهم ما سكتوا على حكم البعث قط إلا بعد أن أثخن بهم، وفعل بهم ما لم يفعله المغول!

ولكي يعرف المحتلون رأي الشعب العراقي، فعليهم أن ينتظروا بضع سنين فقط، بضع سنين يرتاح فيها، يداوي بها جراحه، يدفن قتلاه، بعدئذ سيرون ما لم يروه عند الشعوب الأخرى! وسيكتشفون أي أصالة يتمتع بها هذا الشعب الذي علم الإنسانية ما لم تعلمه من قبل، أول ما علمها: كيف تكتب بالقلم.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة