الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنت ناصرياً ذات عهد ...عن 23 تموز- يوليو واشياء أخرى

مصطفى الدروبي

2019 / 8 / 2
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


حين أعلن مجموعة الضباط المصريين الشبّان صبيحة يوم 23 تموز – يوليو 1952 وضع يدهم على السلطة في مصر وانهاء حكم أسرة محمد على والذي استمر لما يقرب من 150 عام (1805-1953) وذلك من خلال اسقاط آخر رموزها الملك فاروق حيث كانت مصر قد سلكت منعطفاً جديداً في تاريخها بعد أن وصل القصر إلى فساده الأعظمي وفقدان مصر لإرادتها الوطنية بفعل سطوة الإنكليز وهيمنتهم الواسعة وتردي وضع الاقتصاد المصري والفوارق الطبقية الحادة خاصة في الريف والذي وصلت فيه أوضاع الفلاحين إلى وضع صادم حيث الحياة عسيرة والإملاق والجهل والمرض هو السمة الغالبة على عموم أبناء الريف المصري إلى جانب تردي وضع الطبقة الوسطى في المدن وتمركز الثروة بيد البرجوازية المصرية الناشئة والمتحالفة مع الإقطاعيين وكبار باشواتها والعاجزة في الوقت نفسه عن حسم موقفها الأيديولوجي وانحيازها لمصالح الحركة الوطنية بكل طبقاتها وشرائحها والتّواقة حينها للتخلص من هيمنة الإنكليز وتحقيق استقلالية القرار الوطني وإجراء إصلاحات جدية في الريف المصري تكون في صالح الغالبية العظمى من أبناءه والذين كانوا يتعرضون لأسوأ استغلال واضطهاد وهذا ما كان يهمس به الأمريكان للملك وبطانته وكذلك لحزب الوفد وقيادته كونهم كانوا يرقبون الأوضاع في مصر عن كثب ويخشون انقلاباً أحمراً على حد وصف بعض ضباط مخابراتهم حينها حيث أفل نجم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وبدأ العصر الأمريكي يبحث عن مواقع نفوذه على مستوى العالم وحين انسدت الآفاق كان لابد من حدوث التغيير ..التغيير الذي جاء عبر المؤسسة العسكرية وضباطها الصغار والذين انحدروا من منابع فكرية شتّى والمنتمين طبقياً للفئات الوسطى وما دونها والمتململة من أوضاع بات لابد من وضع حد لها فسمّوا ما قاموا به بداية بالانقلاب ثم حركة ..فحركة مباركة ثم ثورة على حد وصف اللواء محمد نجيب والذي كان أول رئيس مصري بعد اعلان الجمهورية وأول ضحايا انقلاب يوليو كونه قد طالب بعودة العسكر إلى ثكناتهم وتسلم الحكم لسلطة مدنية من خلال الدعوة لعقد جمعية تأسيسية لها سلطة البرلمان وعليها أن تَنتخِب رئيسا للجمهورية فور انعقادها إلا أن مياهاً كثيرة جرت بعد ذلك من تحت الجسر فدانت السلطة إلى جمال عبد الناصر ذو الكارزما المتميزة والخطب الحماسية التي الهبت العواطف قبل العقول في زمن عربي كانت الشعوب العربية تبحث عن مخلّص لها مما هي فيه خصوصاً بعد القرارات التالية التي صدرت عن السلطة الجديدة كـ التوقيع على اتفاقية الجلاء بعد أكثر من سبعين عاما من الاحتلال الإنكليزي لمصر و الإصلاح الزراعي والتعليم المجاني والتوسع في التعليم العالي وبناء المشاريع الكبيرى وتحسين الوضع الصحي وإحداث مراكز أبحاث متخصصة وتمصير التجارة والصناعة التي استأثر بها الأجانب في العهد الملكي والانتقال بمصر إلى دولة داعمة لحركات التحرر الوطني في أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية مما جعل كل هذا أن امتلك عبد الناصر أفئدة الشعوب العربية وحبها له.
اليوم وفي الذكرى الـ 67 لـثورة 23 يوليو- 1952 المصرية لابد من امتلاك الشجاعة والموضوعية والحيادية بتقييم التجربة الناصرية في الحكم انطلاقاً من الإنصاف التاريخي لثورة غيّرت الكثير في الواقع العربي بعد قيامها وآلت للسقوط بعد هزيمة العرب أمام جيش العدو الإسرائيلي حيث كانت هذه الهزيمة مرة وقاسية ومزلزلة لأنها كشفت هزالة النظام الذي قام على التسلط والاستبداد والعداء للديمقراطية واطلاق يد الأجهزة الأمنية وحراس الفجر بدل أن يعتمد على الجماهير التي هفت قلوبها نحو رئيسه مما مهد كل ذلك لجحافل الثورة المضادة من الانقضاض على صاحب التجربة نفسه وعلى الانجازات التي تحققت حيث تم التفريط بها والعودة بمصر لاحقاً نحو التبعية وضياع الدور الذي ظهرت به إبان قيادة عبد الناصر ثم سقوط هذا الدور بشكل مدوٍ إثر توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد وربط مصر بالحلف الأمريكي الإسرائيلي.
أما على الجانب السوري فلقد ألحقت الوحدة المصرية السورية عام 1958 الأذى الكبير بالتجربة الديمقراطية السورية الرائدة التي كانت تعيشها سوريا والتي لو قيّض لها الديمومة والنجاح لكانت اليوم سوريا منارة للشرق وأنموذجاً ملهماً للكثير من شعوب المنطقة ..بل أجزم القول أنه لكان حال العرب عموماً اليوم على أحسن حال وهذا لا يعني أن العرب من المحيط إلى الخليج لا يريدون الوحدة بل أن الحلم بتحقيقها باق وسيظل لكن ليس بالطريقة التي تمت بالأمس..فالوحدة كأي انجاز لا بد من حمايتها من قبل الجماهير عبر مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية لا من قبل دولة المخابرات والعسس وتعميم ثقافة الخوف بين الجماهير حيث كان حريّاً بعبد الناصر أن ينهل من التجربة السورية ويسحبها نحو مصر بدل أن يسحب النموذج الشمولي الذي أسس له إلى سورية.
إن ما تشهده منطقتنا اليوم يؤكد من جديد أن لا مخرج من أزماتنا الطاحنة ومن المخاطر الوجودية التي تحيق بكل دولة عربية على حدى إلا بالعودة إلى الجماهير وبناء دول المؤسسات التي تحترم كرامة الإنسان وتحقق العدل الاجتماعي ومبدأ تكافؤ الفرص وسيادة القانون والمواطنة الحقّة وانجاز الديمقراطية في كل قطر عربي أولاً قبل العمل على انجاز وحدات لا تعمّر وهذا ما أكدته ثورات الربيع العربي ومخاضاته الدّامية والتي لابد أن تتكلل بالنصر رغم حراب الثورة المضادة ورؤوسها المتآمرة.
مصطفى الدروبي
فرنسا - ستراسبورغ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا