الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الأيديولوجي وسرير بروكست

فارس إيغو

2019 / 8 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


إن المثقف أو المشتغل في الحقل الثقافي، فاعل اجتماعي من بين الفاعلين الاجتماعيين الكُثر في المجتمع، ولكن له دور خطير لأنه قد يحرك المياه الآسنة لو كانت بيده مطرقة نقدية تشبه مطرقة الفلسفة عند نيتشه، أي لو عرف كيف تكون أفكاره صاعقاً ومفجراً للسدود والجدران التي تحجز الأفكار وتمنعها من التطور والتجدد.
لكن، المثقف أو لنقل المفكر في عالمنا العربي والإسلامي ليس دائماً حامل فانوس النور مبشراً بزوال العتمة وإنقضاء الظلام، إنه أيضاً هذا الحامل لفكر الجمود والإنغلاق والمتصدي للتنوير، إنه يبني دشمته المصفحة على مدخل المدينة متسلحاَ بسرير بروكست الإغريقي ينتظر العابرين لدخول المدينة ليعلقهم على سريره الأيديولوجي، ومن يثبت أنه أطول من السرير تقص أرجله حتى تنطبق قامته مع سرير الثوابت، ومن يثبت أنه أقصر من السرير يشد ويسحب حتى تصبح قامته متطابقة مع السرير، وعندها تُفتح لهما أبواب المدينة بعد أن تمت فرمتتهما حسب "الأصول"، فمدينة (سلامان) لا تحب من يعكر صفوها من الذين يغوصون في بواطن المعاني من روحانيات مخفية خلف الحكايات والقصص والأمثلة والمجازات، أمثال إخوان (حي بن يقظان) وأخواته، بل تفضل من يكتفون بالمدلولات الظاهرة والمشغولين بالعالم المادي، بعيداً عن التأمل المثير للمتاعب والجدل.
إذن، يمثل سرير بروكست بحق المعيار الأيديولوجي لقياس الأفكار دون أي رجوع الى الواقع، لا بل هو يريد صياغة الواقع على معياره محاولاً إدخاله بالقسر لكي يكون ملائماً بالضبط لهذا المعيار الثابت، أي أن على الواقع أن يتحرك ليتأقلم مع الأيديولوجيا ومعاييرها الثابتة لا العكس وإلا لما كانت إيديولوجيا، لأصبحت فكرة مرنة تسمح من خلال الحوار مع أفكار الفاعلين المشاركين لها في المدينة عن أفضل ملائمة وتكيف مع الواقع، وكيفية التحويل للواقع بمعرفة الحركة الداخلية والخارجية له، لأن الواقع هو معادلة لحركة عوامل كثيرة منها داخلية وأخرى خارجية، وبهذه المنهجية التواصلية الديالكتيكية والتركيبية تستطيع الفكرة التي خرجت من حوار اجتماعي جدلي طويل أن تتآلف مع الواقع وتجعله يتحرك من ضمن إمكانيته ويتحول دون أن تقسره قسراً.
والواقع العربي لن يتحرك إلا في جدلية مركبة بين الإمكانيات الحُبلى داخله والتصورات المعقولة التي نضعها للمستقبل والإرادات الإنسانية للوصول الى تحقيق إمكانية ما من تلك الإمكانيات الممكنة، ومن هنا ندرك مأزق الأيديولوجيات القومية والإسلامية والماركسية التي تفكر فيما يجب أن يكون في معزل عن الإمكانيات الواقعية، لا فيما يمكن أن يكون في هذا الظرف التاريخي أو ذاك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين