الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحزاب . . الأوليغارشية و التنمية.

كريم شانا
(Karim Chana)

2019 / 8 / 4
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


لمصلحة من تدار الحرب ضد الفكر الحزبي؟
معرض السؤال هو حملات التشويه و التشهير الواسعة التي يتعرض لها الفعل الحزبي بالعالم ككل. و بشكل أكثر تجليا في دولنا التي تحكمها الأوليغارشية العربية.
قد لا يمر يوم دون أن تظهر تدوينة أو تقرير أو تصريح أو فيديوا محوره الرئيسي فساد الطبقة الحزبية و أن السياسيين هم أصل الداء و منبع الكساد.
انتشار هذا (التوجيه) الفكري نتج عنه استياء عام في الشارع و مطالب بإجراء محاكمات شعبية ثم توجه عام بأن العمل الحزبي لم يعد مجديا و وجب التفكير في بديل جديد له باعتبار الأحزاب استنفدت أدوراها...
خطورة هذا الفكر هو أنه ليس نتاج دراسة متأنية و لا مقارنة عقلانية بل فقط نتيجة لشحن النفسي للجماهير التي رغم التقدم العلمي و التكنولوجيا مازالت تبحث عن (كبش المحرقة) تنفس فيه غضبها و إحباطها ...
هذا الواقع كما قلنا تعيشها دول العالم و على رئسها الدول التي تحكمها الأوليغارشية العربية بقبضة من حديد بكل من الخليج و شمال إفريقيا و تحمل مسميات من قبيل ( عجز الأحزاب عن إبداع الحلول) أو (ضرورة إفساح المجال للكفاءات ) أو غيرها من الشعارات الرنانة المغلفة بمسحة الوطنية و الخوف على المواطن الذي أضحى مهدد في قوته اليومي و غيرها من الكلمات التي تخاطب مشاعر المواطن قبل عقله.
إذن هل فعل فكرة الأحزاب لم يعد لها طائل خصوصا بعض سقوط جدار برلين؟ أم العكس هو الصحيح؟
باستقراء مؤشر التنمية البشرية الذي أحدثته الأمم المتحدة منذ سنة 1990 أي بعد سقوط الجدار فإننا نجد بما لا يدع مجال للشك أن مستوى التنمية في تزايد مستمر منذ إحداثه إلى غاية اليوم في كافة أنحاء العالم بما فيها الدول التي تحكمها الأوليغارشية العربية استثناء تلك التي تعرف حروبا كما هو حال سوريا و ليبيا التي يتراجع فيها المؤشر بشكل مهول في العشرية الأخيرة. إذن هذه الدول في ظل حكم الأحزاب تمكنة من ترقية مؤشراتها رغم أنها لم تحسن ترتيبها (كمثال المغرب قابع في المرتبة 123 في مؤشر التنمية رغم أن هذا الأخير يعرف زيادة سنوية بمعدل 1.41 بالمائة)
إذن إذا كانت مؤشرات التنمية تعرف تحسنا فعليا فلماذا التسويق لفشل المنضومة الحزبية؟ الجواب لا يمكن إلا أن يكون مرتبط برؤس الأموال العالمية أو الشركات المتعددة الجنسيات! كيف ذلك؟
هذه المؤسسات المالية تفضل الموظفين الإداريين على المنتخبين و ذلك لسببين رئيسيين
1) الموظف الإداري (التيكنوقراطي) لا يهمه التوجه الاجتماعي بل فقط تحقيق أحسن النتائج بمعنى أن قراراته متسمة بالبرغماتية و المنطقية و لا تتحكم فيها العاطفة و التوجه الفكري فإذا كان التعليم مثلا يكلف الدولة ميزانية مهمة فهو مستعد للتخلي عن هذه القطاع للرسمال الخاص ليدبره و يخفف الضغط عن موارد الميزانية. أما المنتخب فهو ملزم بتوجه فكري معين فالاشتراكي مثلا لن يتخلى عن المدرسة العمومية لفائدة القطاع الخاص و إن كلفته تحملات زائدة على الموازنة العامة.
2) الموظف الإداري مرتبط بعقد عمل و في أقصى الحالات بعقد أهداف و ليس له تخوف من المحاسبة الشعبية عكس المنتخب الذي يدرك أنه في مدة معينة لابد له من إعادة اكتساب ثقة المواطن ليستمر في التسيير.
من هذا المنطلق فإن هذه المؤسسات المتعددة الجنسيات من صالحها أن يكون المسييرين من طينة الموظفين و ليس المنتخبين و هنا تلتقي هذه المصالح من مصالح الأوليغارشية الحاكمة في الدول النامية أو ما يسمى (حكومة الظل) فهذه الأقلية الحاكمة تدرك أن تواجد أشخاص منتخبين و مشبعين بفكر حزبي معين سيكون عائق لها لتمرير القرارات التي تصب في مصلحتها بشكل سلس. و يمكن أن يؤدي إلى سقوطها من سدرة التسيير.
من هذا المنطلق فتحالف المؤسسات المالية العالمية و الأوليغارشيات المحلية يسعى بكل ما يملك من قوة إلى هدم أسس الأحزاب و اقناع المواطنين أن السبيل الأمثل لتحقيق الرخاء الاقتصادي هو تسليم الأمور لموظفين (تقنوقراط) غير مرتبطين بأجندات حزبية أو سياسية. و لتحقيق هذا الهدف تلجأ هذه المؤسسات لمجموعة من العمليات الاحتيالية التي يمكن أن نوجز أهمها في:
- المساهمة في وصول الأشخاص غير المناسبين لمقاليد تسيير الأحزاب (مثلا دعم شخص إسلامي لرئاسة حزب شيوعي).
- القيام بحملات تشهير واسعة و مدروسة بكل المخالفين للتوجه العام للأوليغارشية (من قبيل ضبط مسؤول حزبي بنادي للقمار أو بدور الدعارة أو باستغلال الممتلكات العمومية في قضاء المصالح الشخصية ...)
- القيام بإصدار تقارير موجهة تركز على الجوانب السلبية للتسيير الحزبي للشأن العام. ( تقارير تصدر عن مؤسسات وطنية موسومة بالرزانة لكن تظهر فقط النصف الفارغ من الكأس)
- إصدار تقارير و دراسات عن الرهنية الاقتصادية للدول مع التركيز على النقط السلبية المرتبطة بالتدبير السياسي ( مثلا تقارير البنك الدولي التي تدق ناقوس الخطر بسبب مستوى الديون تم تدني مستوى الخدمات العمومية رغم أنه هو من يشترط على الدول المستدينة تخفيض الانفاق العمومي على المجالات الاجتماعية كالصحة و التعليم)
- منح امتيازات مالية مهمة من الموازنة العامة للمنتخبين ثم إظهارهم على انهم اشخاص لا يهمهم إلا الاستفادة من المال العام لا غير.
- تقييد ممارسة المنتخبين لحقوقهم الدستورية و القانونية بمجموعة من الأعراف و العادات تفرغ هذه القوانين من جوهرها.
- رهن و تجميد القوانين و الانظمة الصادرة عن المنتخبين (مثلا مصادقة البرلمان على قانون لكن يبقى تنفيذه مرهون بمجموعة من النصوص التنظيمية التي تصدرها الإدارة)
- إشاعة نوع من الإحباط العام لدى المواطنين و إقناعهم أن ماضيهم كان افضل من حاضرهم و أن الأمر مرده كله تفويض السياسيين تسيير الشأن العام.
- تسفيه العمل السياسي و تكريه الشباب في ممارسته بشكل مبطن
- تشجيع سياسة الأجهزة الموازية (مثال المجالس الاستشارية و اللجان المختصة و غيرها من الأجهزة التي دورها الأساسي ممارسة مهمة الأحزاب في التنظير و التخطيط)
إذن هي تصرفات الهدف الأول و الأخير منها إضعاف قوة الفعل السياسي الحزبي الذي كان على مر التاريخ حجر العثرة في طريق الرسمال المتوحش و سبب في القضاء على عديد الطبقات الارستقراطية و الأنظمة الأوليغارشية.
لكن يبقى للسياسي دور كبير في تدعيم هذا التصور و المساهمة في قتل فكرة التسيير الحزبي لفائدة فكرة التسيير التقني و ذلك بسبب خضوعه لقواعد اللعبة. لأغراض مختلفة. لكن دون أن يدرك انه بذلك يجعل نفسه جزء من الرقعة. و بالتالي قطعة يسهل التخلص منها في سبيل حماية رموز الأوليغارشية.
شيء أخر هنالك توجه لإحلال المنظمات الأهلية أو المدنية محل الأحزاب في تعبئة الجماهير و انتاج حلول التنمية إلا أنه يجب على هذه المنظمات غير الحكومية ان تدرك أنها إذا رأت الأمر فرصة لتنزيل تصوراتها للتنمية البشرية و قبلت أن تلعب دور الاحزاب السياسية فإن مصيرها لن يختلف عن هذه الأخيرة لأنه كما يقول المثل
انما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. وقفة احتجاجية لأنصار الحزب الاشتراكي الإسباني تضامنا مع رئيس


.. مشاهد لمتظاهرين يحتجون بالأعلام والكوفية الفلسطينية في شوارع




.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد