الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قطة ليلة الدخلة .. 3 .. بعض من بعض الذي كان

جعفر المظفر

2019 / 8 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


قطة ليلة الدخلة .. 3 .. بعض من بعض الذي كان
جعفر المظفر
لقد بدا نصب سرادق مجزرة قاعة الخلد عام 1979 في اللحظة التي نزل فيها السادات من طائرته في مطار القدس ليصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي (بيغن) وذلك بتاريخ 19 نوفمبر 1977 ..
كيف حدث ذلك, وما الذي يربط بين حدثين يبدوان لأول وهلة أن لا وجود لأية علاقة بينهما ؟!
في معظم الأحاديث التي جرى تداولها عن مجزرة الخلد تم العبور على الصلة الكبيرة بين الحدثين, والتي يجب ان تكون في إعتقادي بوابة لأي حديث اسياسي عن مقدمات تلك المجزرة الشنيعة الذي ذبح فيها صدام حزب البعث مفتتحا بذلك عصر جمهورية القمع والحروب وممهدا لهزيمة العراق الساحقة في الكويت والكوارث التي حلت به بعدها. فلولا أن الرئيس حافظ الأسد, رئيس سوريا آنذاك كان قد شعر أن السادات قد غدر به ليذهب لوحده إلى الإسرائليين, تاركا إياه وحيدا بعد أن كان شريكه في حرب أكتوبر عام 1973, لما أضطر للإستدارة نحو إعدائه من بعثي العراق طالبا منهم نسيان الماضي والتوجه لبناء حالة رفض عربية لخطوة السادات تبدأ من وحدة الحزبين المتصارعين على الشرعية البعثية في كل من بغداد ودمشق وتتوجه إلى كل الأنظمة العربية لعقد مؤتمر قمة من شانه ان يضع الخطوط الأساسية لإجهاض مشروع السادات وعزل نظامه عربيا حتى لا يتمكن من إيجاد أنصار له على صعيد عربي من خارج مصر.
حقا كانت زيارة السادات إلى إسرئيل بعد حرب أوكتوبر عام 1973 بمثابة صدمة القرن. في تلك الحرب التي أسميت بحرب العبور الكبير نسبة إلى عبور قناة السويس, بخطة وجرأة كانت أقرب إلى الخيال, حققت مصر بالتحالف مع سوريا نصرا كبيرا على إسرائيل بعد هزيمة العرب الساحقة في الخامس من حزيران عام 1967 والتي جعلت إسرائيل تفخر بجيشها مؤكدة على أنه الجيش الذي لا يهزم داعية العرب حينها إلى رفع راية الإستسلام التاريخي.
في تلك الحقبة كان مجرد التفكير بشن تلك الحرب بمثابة كسرلإرادة الإستستلام التي أرادت إسرائيل أن تفرض ثقافتها وخطابها السياسي على العرب بعد أن كانت قد حققت نصرها الحزيراني الستيني الساحق. ورغم إن إسرائيل كانت قد حققت في حرب أوكتوبر السبعينية نصرا عبر ثغرة الدفرسوار حيث قامت بإحتلال أراضي مصرية جديدة إلا أن عبور المصريين إلى الجهة الغربية للقناة كان قد كَسَر إسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم. وأما المرحوم عبدالناصر الذي كانت قد أجهضت النكسة الحزيرانية زعامته القومية فلم يكن بعيدا عن ذلك النصر إذ كان هو الذي بادر بعد الهزيمة الكبرى إلى رفض آثارها السياسية حينما بدأ حرب الإستنزاف العسكري ضد إسرائيل على طول جبهة القناة المحتلة, وقد إستمد قوة قراره ذاك من التفويض الجماهيري العارم الذي حصل عليه بعد تلك التظاهرات الإسطورية التي خرجت لرفض إستقالته.
ما زلت أتذكر حينها, وبعد أن ألقى الرئيس عبدالناصر خطاب الإستقالة والذي أكد فيه على أنه المسؤول الأول عن الهزيمة, أنني لجأت إلى زاوية في بيتي لكي أنخرط في بكاء غير إرادي لم أفق منه إلا بعد ربت أخي على كتفي قائلا .. قم يا أخي وإمسح دموعك فأنا أيضا مثلك قد بكيت . حينها أحسست إنني لم أعد محتاجا في تلك اللحظة سوى إلى السير في الطريق الخالية والجلوس تحت أول نخلة حتى ألملم ألمي وضياعي.
لكن الضياع والدهشة والإحباط والخوف من المستقبل والقرف من الأكاذيب والمبالغات الذي قادتنا إلى تلك الهزيمة الكبرى كلها مشاعر لم تدم طويلا. في لحظة تاريخية عظيمة خرج شعب مصر كله لكي يطلب من رئيسه العدول عن الإستقالة والعودة إلى مواصلة تحمل المسؤولية فأحسست أن هذا النداء موجه لي في الوقت نفسه حتى كأنني اسمع المصريين يصيحون بي أيضا بنفس ما نادى به أخي .. قم يا أخينا فلقد بكينا نحن أيضا مثلك, أما الآن فإن علينا أن نعثر على طريقنا من جديد, حتى كأنهم إقتنعوا بنداء الرئيس الجزائري هواري بو مدين: أيها العرب لقد خسرنا معركة ولم نخسر الحرب.
نعم كان عبدالناصر مسؤولا أساسيا عن الهزيمة الحزيرانية الساحقة, وليس معقولا أن نلقي بثقلها كليا على نائبه في الرئاسة والجيش المشير عبدالحكيم عامر بزعم أنه كان المسؤول المباشر عن شؤون النظام العسكرية, وبسببه فقد تركت أجواء مصر مفتوحة بغياب الغطاء الجوي الذي كان من المفترض ان يصد أخطار الضربة الجوية الإسرائلية التي كانت قضت على معظم الطائرات العسكرية المصرية الجاثمة في المطارات فجر ذلك اليوم الحزيراني الأسود وتركت الجيش المصري مكشوفا تماما تحت وابل النيران الجوية الإسرائيلية التي راحت تصول وتجول لوحدها في ساحة مكشوفة.
إن النظام السياسي الذي يواجه هزيمة ساحقة على وزن ما حدث في نكسة حزيران يجب ان يكون كله مسؤولا عن تلك الهزيمة, وإن لم يكن المقصود بتحمل المسؤولية هنا المتابعة القانونية والإجراءات القضائية, على الرغم من أهميتها, فقد كان من اللازم الإعتراف أن طبيعة النظام نفسها لم تكن تتوافق مع طبيعة المهمات التي يتصدى لمواجهتها وخاصة على صعيد المعركة مع إسرائيل.
لقد صار النظام المصري هو رئيسه وفق قياسات إسطورة البطل العظيم التي من عادتها أن تجعل النظام مجرد ظل لشخصية قائده وتجعل بقية المسؤولين مجرد جوقة تصفيق في حضرته وليسوا مسؤولين أو قياديين يشاركونه مهمة صناعة القرار.
أما الرئيس عبدالناصر, الذي كان قد بنى مجده وشعبيته على الإنتصار في حرب السويس عام 1956 أو ما بات يعرف بالعدوان الثلاثي الذي شاركت فيه كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل, فقد صار هو الحاكم وهو الحكم وهو المفتي, أما الشعب فلم يكن يشارك في صنع القرار, بل كان عليه إنتظار إنجازات الرئيس وخطبه حتى أصبح الكثيرون من العرب يعيشون إنتظار الحدثين الأهم : يوم يخطب الرئيس ويوم تغني أم كلثوم.
لقد كان جلّ ما فعلته هذه الأنظمة العسكرية وأنظمة الزعماء الدكتاتوريين الوطنيين هو (أرشفة) الشعب, أي خزنه في غرفة الأرشيف, فهي لم تكن تحتاج إليه إلا حينما تشتاق إلى سماع تصفيقه وهتافاته, فتسحبه إذ ذاك من الرفوف وحتى إذا ما إنتهت منه فهي ستعيده إلى الرفوف ثانيةً, وحالها في ذلك مثل حال الموظف الذي يسحب من الأرشيف ملفا كان إحتاجه لحين إنجاز معاملة ثم يعيده إلى الأرشيف مرة أخرى بعد قضاء حاجته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الأمريكي يعلن إسقاط صاروخين باليستيين من اليمن استهدفا


.. وفا: قصف إسرائيلي مكثف على رفح ودير البلح ومخيم البريج والنص




.. حزب الله يقول إنه استهدف ثكنة إسرائيلية في الجولان بمسيرات


.. الحوثيون يعلنون تنفيذ 6 عمليات بالمسيرات والصواريخ والقوات ا




.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح ولياً