الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(5) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف

أسماء غريب

2019 / 8 / 5
مقابلات و حوارات


كم من الأنبياء والقدِّيسين والأديان جاؤوا ولم يتحقَّق السَّلام على الأرض، على مَن يقع الحق؟!
*
الأديان مؤسّسات ناموسيّة، قائمة على منطق القانون، والثَّواب والعقاب، وهي لأجل هذا لمْ ولن تستطيعَ أن تنجح أبداً في تحقيق السّلام على الأرض وفي قلوب النَّاس. إنّ كلّ شيء يقوم على القانون ينبعُ من منطق الخوف، وكلُّ شيء يقوم على الخوف لا يمكنه أن يعرف الطّريق إلى الحبّ أبداً. معظمُ المعتقدين في الأديان والمؤمنين بها، تتعلّقُ قلوبهم بالجنّة وتخشى النّار: لا يوجد أحدٌ يحبّ الله من كلّ قلبه ومن كلّ نفسه، لأنّه يفتقرُ إلى منطق الحياة الّذي تكبته الأديان في قلوب النّاس. الدّين كالقانون، يفرض الخوف، والحبُّ تعبير واضح وصريح عن عدم الخوف. كثيراً ما نسمعُ في حياتنا اليوميّة أنَّ القانون هو سيّد المجتمع، لكنّنا لا نتساءل أبداً عن المعنى الحقيقي لهذه العبارة، ولو تأمّلناها للحظة واحدة سنجدُ أنّها تعني أنّ كلّ المجتمعات تعيشُ في خوف مستمرّ من العقاب، لكن لك أن تتخيّل معي كيف لو كان الحبّ هو سيّد المجتمع، لا شكّ أنّ حياة النّاس ستكون آمنة وسالمة من كلّ المنغّصات والآلام.
مشكلة النّاس اليوم أنّهم يكثرون الحديث عن الحبّ دون أن يعرفوا ماهيته وحقيقته أبداً: الطّفل في البيت يجد أمّه صباح مساء توصيه بأنْ يحبَّ أباه وأقاربه، كذلك في المدرسة يحدثُ الشَّيء نفسه، لكن لا أحد يقول لهؤلاء الأطفال إنّ الحبّ لا يحتاجُ إلى تعليم، فهو إمّا ينبعُ من داخلك وإمّا لا. من يعلّمُكَ الحبّ يجني عليك دون أن يدري، لكن من يتركُ لك حرّيّة الإحساس بالحبّ والاطّلاع على نبعه الفيّاض في داخلك، يكون حقّاً قد دلّك على الطَّريق السَّليم. الحبّ لا يحتاج إلى وصايا، أو تعاليم أو نواميس وقوانين، وإنّما يحتاج إلى حلول السّلام في القلب، وهو السّلام الّذي لم تستطِع الأديان أن تحقّقه لأنّها حينما شغلتِ النّاسَ بالجنّة أنتجتْ لنا جماعات هائلة من الطّامعين، فظهر من يعلنُ الحروبَ ويشعلُها من أجل هذه الجنّة، وحينما شغلهتم بالنّار أنتجتْ لنا جموعاً غفيرة من الخائفين والمرعوبين! أرأيتَ عيسى يا عزيزي القارئ؟ هل وصلكَ خطابُه؟ هل تعرف من هو حقيقة؟ دعني أعرّفكَ به إذن: إنّه الرّجل الوحيد الّذي جاء ليقلبَ نواميس الأديان رأساً على عقب. لأنّه لم يأتِ بقانون أو شريعة أو ناموس، وإنّما جاء فقط بالمحبّة، لأجل هذا لم يتقبّله تُجّارُ الدّين حينما ظهر، وحاكموه بمنطق القانون واعتبروه مجرماً وعاقبوه على درس المحبّة، ولعلّ طريقته في تعامله مع تلك المرأة الزَّانية أصدق مثال ودليل على ما أقول: إنّه لا يُدين أحداً، لأنّ الدَّيّان الحقيقي هو الله ولا أحد غيره. ألّا تُدِينَ أحداً يعني أنّكَ أصبحتَ مُعلِّماً، وليس رجلَ دين متنوّر فقط، لأنّ الفرقَ بين الاثنين شاسع جدّاً. من الممكنِ أن تُصبح متنوّراً، لكنّه من الصّعب جدّاً أن تكون مُعَلِّماً، لأنّ مسار الحالتيْن أو الصّفتيْن مختلف تماماً. المتنوّرُ وإن كان رجل دين مقيّدٌ بالأطماع، والمُعلِّمُ متحرّرٌ بالحبّ والعطاء والكرم. وسأعطيك عزيزي القارئ مثالاً على هذا الفرق بين المتنوّر والمُعلّم، فالرّاهبُ الشّابّ مثلاً قد يكون مجرّد متنوّر يحفظ الطّقوس، ويحافظُ على العبادات، ويحرِمُ جسدَه وعقلَه من المغريات، لكنّه على الرّغم من ذلك لم يحدث بداخله التَّنوّرُ الحقيقي الَّذي يرفعُه إلى صفة المعلّم، لأنّ الطّاقة الّتي بداخله قد تحوّلتْ إلى كبتٍ يستحيل معهُ أيّ تحوّل أو تفتّح صادق وفعّال.
الرّاهبُ أو السّالكُ (بغض النّظر عن عقيدته أو ديانته) الّذي لا يتزوّج مثلاً، أو لا يعرف النّساء أبداً، قوّتُه أو نارُه الجنسيّة تتحوّل إلى كبتٍ يعوقه عن العروج إلى سماوات الملكوت، لأنّ الأنثى ضرورية جدّاً لهذا النّوع من العروج، إنّها المرآة الّتي تُحقِّقُ التَّعرُّفَ على النّفس، والشَّيء نفسه ينطبق على المرأة "الرّاهبة" أو العارفة أو السّالكة في الطَّريق. واسألْ عزيزي القارئ أهلَ الفيزياء عن هذا الأمر يخبرونَك بأنّ كلّ طاقة لا تنتهي أبداً وإنّما تتحوّلُ، والطَّاقة الجنسيّة الَّتي أنا بصدد الحديث عنها الآن، إذا لم تُوَجَّه بالشّكل السّليم فإنّها تتحوّلُ إلى كبتٍ، وكلّ كبْتٍ هو مدمّر للطبيعة البشريّة، وثمّة من رجال الدّين من يستخدمُ هذا الكبتَ في الدّخول إلى باب الطّمع وتحقيق الغايات القصوى من الحياة الكهنوتيّة أو العرفانيّة، وهذا ما يُفسِّر ما سجّله تاريخ الدّيانات من تطاحنات دمويّة قاتلة في جيراركيات الكنائس والمعابد والمؤسّسات الدِّينية الأخرى، وما قام به بعد ذلك المتصوّفة من تصفيات لبعضهم بعضاً بدافع من الغيرة والحقد والحسد.
أن تتحوّل من درجة المتنوّر إلى درجة المعلّم يعني أن تحترق بنار الحبّ، ولا يكفي أن تكون من أهل العمل فحسب، أو من أهل العِلم فقط. لا بدّ أن تجمع في طريقك بين جهادك للنّفس والجسد، وبين عملكَ على العقل وناركَ المقدّسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ