الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الختان هو الشر الأكبر؟

سامي الذيب
(Sami Aldeeb)

2019 / 8 / 6
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


سؤال من أحد متابعي: هل الختان هو الشر الأكبر؟

لماذا تضع كل اعمالك وماضيك العظيم في قارب يغرق. هل الختان هو الشر الأكبر والتهديد الأعظم على البشرية الآن؟ أم انها الأديان وبالأخص الإسلام؟ ارجو ان تعيد توجيه دفة قاربك قبل فوات الأوان وقبل ان تفقد كل متابعيك المثقفين الإنسانيين. ارجوك أن لا تبحث عن رد مناسب لرسالتي، إنما ابحث عن الأسباب التي دفعتني للكتابة لك. أنا ملحد من خلفية مسيحية. مازلت عظيما في وجداني. تحياتي.

جوابي
-------
شكرا على رسالتك الكريمة. الختان يمس اللبنة الأولى للمجتمع. وإذا لم تكن سليمة، فلا يمكن للمجتمع أن يكون سليمًا. وربما أنك لاحظت أني وضعت الأطفال فوف كل اعتبار ديني أو طائفي أو قومي أو جنسي. وكقانوني، أرى أن من واجبي الدفاع عنهم عندما يسكت الجميع. واليوم سوف اسجل آخر حلقة من حلقاتي عن الختان. وبعدها انتقل إلى برنامجي "صندوق العجائب" الذي حددت مدته ما بين 10 و 20 دقيقة، والذي سجلت منه قبل بضعة أيام الحلقة التمهيدية: https://youtu.be/rvyc_LoUU6g

خاتمة حلقاتي
---------
لا يستطيع المجتمع أن يعيش في فوضى تاركاً أفراده يتصرّفون كما يشاؤون ليس فقط في علاقتهم مع المجموعة بل أيضاً في علاقتهم مع أفراد العائلة أو حتّى في تصرّفهم الذاتي. فالإنسان لا يعيش منعزلاً عن مجتمعه وعليه أن يخضع لقواعد تضمن التعايش السلمي داخل هذا المجتمع. وإلاّ فأن هذا المجتمع يتعرّض للتحلّل الداخلي.
وتفادياً لهذا التحلّل الداخلي، قام المجتمع بسن قواعد ذات طابع قانوني أو طابع أخلاقي تفرض احترام حياة الفرد وسلامة جسده، وتحدّد الحالات التي يمكن فيها التعدّي على هذا الحق المقدّس، إذا كان ذلك لصالح الفرد، كقطع يد مريضة للحفاظ على باقي الجسد، أو كإعدام مجرم اقترف ذنباً خطيراً يهدّد الأمن العام. وضمن هذا الإطار منعت القوانين الضحايا البشريّة كقرابين للآلهة، كما حدَّت من حق رب البيت في التعرّض لحياة أو سلامة جسد أبنائه أو حتّى عبيده. ويدخل في ذلك الحق في سلامة أعضائه الجنسيّة. فتم منع الخصي في العصر الروماني.
إلاّ أن البشريّة ما زالت متمسّكة بعاداتها وغرائزها القديمة، بشكل أو بآخر. فرغم تقدّم العقل البشري في مجالات جمّة حتّى استطاع أن يصل إلى القمر، ويخترق الذرَّة، ويحوّل العالم إلى قرية صغيرة من خلال نظام شبكة الأنترنيت العملاقة، إلاّ أنه ما زال مُصِرّاً على التعدّي على الأعضاء الجنسيّة للأطفال، ذكوراً كانوا أو إناثاً. فشرعة الغاب التي كانت تتحكّم في المجتمعات الهمجيّة في العصور الغابرة ترمي بظلالها على عصرنا هذا، فتذهب ضحيّتها ما لا يقل عن خمسة عشر مليون طفل سنوياً، منهم ثلاثة عشر مليون ذكر، ومليوني أنثى. وكما يذكر المثل: «الطبع غلب التطبع». فلك أن تعلّم القط القراءة والكتابة وركوب المركبات الفضائيّة والتحكّم في أكثر الآلات تعقيداً، إلاّ أنك لن تستطع أن تمنعه من أكل الفئران. وما زال حتّى يومنا هذا قول النبي أشعيا السابق الذكر حلماً صعب المنال.
إلاّ أن البشريّة لا يمكنها أن تعيش بلا أحلام، ولا أحد يستطيع أن يمنعها من أن تحلم بعصر يعيش فيه أطفالها ذكوراً وإناثاً في سلام، دون تعدّي على أعضائهم الجنسيّة، رافضة التحجّج بيهوه أو بالله، برجال العلم أو برجال الطب. وقد بدأ فعلاً بعض ذلك الحلم يتحقّق، خاصّة فيما يتعلّق بالإناث. إلاّ أن الطريق إلى تحقيق هذا الحلم ما زال طويلاً فيما يتعلّق بالذكور. فختان الذكور تحيط به أسوار منيعة من الكذب والتدجيل والتحايل والمصالح الماليّة والدوافع السياسيّة التي لا يمكن كسرها إلاّ بعد جهد جهيد.
وإذا ما قَبلنا بحق البشريّة في الحلم، فلا بد من أن نعترف بأن حركة معارضة ختان الذكور والإناث دون تمييز تعتبر إحدى قوى الإصلاح الاجتماعي في عصرنا، إن لم تكن أهمّها على الإطلاق. والمشاركون في هذه الحملة يعرفون ذلك حق المعرفة. ففي المؤتمر الثالث الدولي للختان الذي عقد في جامعة مريلاند عام 1994، وقف القس «جيم بيجلو» خاطباً: «نحن الروّاد. من قَبلنا الهمجيّة، ومن بعدنا تبدأ الحضارة». فالهمجيّة تتصدّى للأطفال الأبرياء وتبتر أعضاءهم الجنسيّة، أمّا الحضارة فترفض مثل هذا التصرّف.
ولا تتخيّل هذه الحركة الإصلاحيّة بأنها سوف تغيّر الوضع بين ليلة وضحاها. فنظام العبوديّة تطلّب مئات السنين لإلغائه، وما زال له بعض الرواسب في دول مثل موريتانيا والسودان، إضافة إلى بعض مظاهر الرق في الدول المتقدّمة ودول العالم الثالث. وإلغاء ختان الذكور أكثر صعوبة من إلغاء نظام العبوديّة لأن وراءه قوى دينيّة كبرى متمثّلة في اليهود والمسلمين والمتعصّبين بين المسيحيّين، كما وراؤه المستفيدون ماليّاً بين الأطبّاء. والأطفال الذين يجرى عليهم الختان لا يمكنهم أن يثوروا كما ثار العبيد. فهم لا يملكون إلاّ الصراخ أمام أهلهم والجماعات الدينيّة وأصحاب المهن الطبّية. ولا بد لهم من مدافع جسور لا يلعب الدين في دماغه، ولا ينبهر بهالة الأطبّاء، ولا يدخل مال الختان وثمن الدم في حسابه.
إن كل شخص يقوم بمجهود يأمل أن يتوّج مجهوده بالنجاح. والأمل الذي أود أن أعبّر عنه في نهاية هذا الكتاب أن يؤدّي مجهودي ومجهود المناضلين قَبلي وبعدي في القضاء على كل من عادة ختان الذكور وختان الإناث. ولكن متى يمكن الوصول إلى مجتمع يحترم أطفاله ولا يعرّضهم للبتر نتيجة الهوس الديني والطبّي والاجتماعي؟ الجواب سهل: بقدر الجهد والمجاهدين يتحقّق الهدف. لذا أهيب بالقارئ الكريم إلى ضم صوته إلى صوتي هذا. ولنتذكّر أن رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. ومهما طالت الرحلة ومهما طغت القوى الظلاميّة، فإن الأجيال اللاحقة سوف تحتفظ في ذاكرتها في أن هناك من لم يوافق على ما يتعرّض له الأطفال من معاملة سيّئة فرفع صوته عالياً لكي تكف تلك المعاملة.
وخير ما تختتم به هذا الكتاب ما جاء عن النبي الكريم في حجّة الوداع:
«ألا إن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلّغت؟» قالوا نعم. قال: «اللهم فاشهد» .
.
شاهدوا حلقاتي: مؤامرة الصمت: ختان الذكور والإناث
https://www.youtube.com/playlist?list=PLzMT3msR0dRkVd6jq77oUWEDBl6_dICq8
.
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى، بما فيها كتابي عن الختان: https://sami-aldeeb.com/livres-books
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb
https://www.patreon.com/samialdeeb








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يحل مجلس الحرب بعد أسبوع من تقديم غانتس استقالته


.. كأس أمم أوروبا2024: مواجهات مثيرة في الجولة الأولى ورهانات س




.. هل تريد أن تتقدم في السن بطريقة صحية؟ ابتعد عن التلفاز


.. بعد سيطرتها على الجانب الفلسطيني.. إسرائيل تحرق معبر رفح




.. تقارير أميركية تتهم إسرائيل بتعطيل صفقة تاريخية مع السعودية