الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-دور المتاحف الجماعية في التنمية المحلية المستدامة- (حول مشروع المتحف الجماعي للفضة بتيزنيت، نموذجا)

الحسين أيت باحسين

2019 / 8 / 7
الادب والفن


تمهيد:
في إطار فعاليات النسخة السادسة لمهرجان تيميزار للفضة بمدينة تيزنيت، المنظمة من طرف "جمعية تيميزار لمهرجان الفضة"؛ في الفترة الممتدة من 13 إلى 17 غشت 2015؛ من أجل إبراز جوانب الهوية الثقافية والتراثية للمدينة، والمساهمة في تشجيع الحرف اليدوية المحلية، وفي تحقيق التنمية الاقتصادية للمنطقة عامة وللمدينة خاصة، إلى جانب تعزيز الأنشطة السياحية والثقافية؛ وذلك تحت شعار : «الصياغة الفضية: هوية، إبداع وتنمية»؛ خاصة في هذا الموسم من السنة، حيث يتوافد عدد هائل، من الزوار، من داخل المغرب وخارجه، على المنطقة وعلى المدينة بصفة خاصة؛ أولئك الزوار المتمثلين، خاصة في الجالية المغربية المقيمة في الخارج والسياح الأجانب.
وفي إطار أنشطتها الثقافية المبرمجة برسم هذه الدورة السادسة ل"مهرجان تيميزار للفضة بتيزنيت"، عُقِدَت، يوم الجمعة 14 غشت 2015 مساءا بقاعة المحاضرات التابعة لمركز التكوين الحرفي التابع للمندوبية الإقليمية للصناعة التقليدية بتيزنيت؛ أطَّرَها كل من الأستاذ ابو القاسم الخطير أفولاي، من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي تناول موضوع: "تقنيات صياغة المجوهرات بالأطلس الصغير"،
(https://www.youtube.com/watch?v=KxYlIOifR-0)
والأستاذ الحسين أيت باحسين الذي تناول موضوع: "دور المتاحف الجماعية في التنمية المستدامة (مشروع المتحف الجماعي للفضة تيزنيت، نموذجا)؛
(https://www.youtube.com/watch?v=3zSW7T1jfFY)
وقام بتنشيط هذه الندوة الأستاذ أحمد بومزكَو الذي أغنى المداخلتين والنقاش الذي تلاهما بإبراز جوانب الهوية الثقافية والتراثية للمدينة، وما يوعد ذلك بتنمية اقتصادية وبتعزيز للأنشطة السياحية والثقافية، وبتشجيع الحرف اليدوية المحلية، وخاصة منها ما يتعلق بالصياغة الفضية وبإنتاج الحلي الفضية ذات السمعة الجيدة وطنيا ودوليا، وفي تحقيق التنمية الاقتصادية للمنطقة عامة وللمدينة خاصة.
(https://www.youtube.com/watch?v=DzuBEooxFlE)

أولا: منطلقات:
المدن مثل الأشخاص، تعتبر أسماؤها ونعوتها أو رموزها وأنشطتها عناوين لهوياتها ووسائل لاستنبات منابع تنميتها المستدامة.
فإذا كانت لكل المدن العتيقة في المغرب أسماء ونعوت ومهرجانات تفتخر بها، وتوظفها في محاولة خلق تنمية محلية مستدامة تمهيدا للتدبير الجهوي المقبل، فلتيزنيت أيضا اسم حاول مؤرخ للمملكة تغييره، بدون جدوى، ونعت يصطلح عليه ب"مدينة الفضة"، ومهرجانين هما: "مهرجان إمعشار" و"مهرجان تيميزار للفضة")؛ وكل ذلك بحثا عن هوية تؤسس لتنمية محلية مستدامة، ولخلق معادلة متزنة بين الثقافي والتنموي. هذا المشروع بدأه المرحوم محمد المختار السوسي، حين كتب كل ما كتبه عن "سوس العالمة".
فقبل 1980، سنة انعقاد الجامعة الصيفية بأكادير، أريد لمدينة أكادير أن تكون مجرد مدينة سياحية تعيش على المنافسة السياحية مع مدينة مراكش وغيرها من المدن الجنوبية؛ بعد ذلك أصبحت المطالب تتجه نحو إدماج الأنشطة الثقافية في نسيجها فاستحدثت الجامعة، وتشكلت جمعيات تهتم بالبعد الثقافي، وتبحث لها عن ربط الثقافي بالتنموي؛ وهذا ما يلاحظ بالنسبة لمدينة تيزنيت منذ بضع سنوات (إنشاء جائزة "الحاج بلعيد"، مهرجان إمعشار، ملتقى "إنمودا" الموسيقي، التنشيط الترفيهي الصيفي للمدينة، ملتقى "تودرت" الغنائي، إنتاج أفلام أمازيغية، وغيرها من محاولات لإنجاح نشاط ثقافي، سياحي، فني وتنموي، من شأنه جعل تيزنيت تتميز بهوية خاصة بها، مثل مهرجانات ومواسم وملتقيات خلقت هوية خاصة لكثير من المدن المغربية.
لكن، إذا اقتصرنا على البحث عن جدوى القيمة المضافة للبعد الثقافي، واكتفينا بظاهرة المهرجانات لمدينة تيزنيت، فإننا نلاحظ، مقارنة مع مهرجانات المدن الأخرى مثل مهرجانات الرباط (فيستيفال جائزة الحسن الثاني للغولف وكأس للا مريم للغولف بدار السلام، المهرجان الدولي لسينما المؤلف، مهرجان أسبوع الفرس بدار السلام، مهرجان موازين، المهرجان الدولي للتراث الشفهي، مهرجان مغرب المديح بالرباط، مهرجان الجاز بشالة، مهرجان أنديفيلم، مهرجان العرس التقليدي، المهرجان الجهوي للصناعة التقليدية بالرباط)؛ ومهرجان القنيطرة (المهرجان الجهوي للصناعة التقليدية بالقنيطرة)؛ وهرجان تيفلت (المهرجان الجهوي للصناعة التقليدية بتيفلت)؛ ومهرجانات سلا (المهرجان الدولي لفلكلور الطفل، المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، مهرجان موكب الشموع، مهرجان "قراصنة")؛ زمهرجانات فاس (مهرجان فاس للموسيقى الروحية؛ مهرجان فاس للثقافة الأمازيغية، مهرجان فاس لفن الطبخ، مهرجان فاس لطرب الملحون، مهرجان فاس للموسيقى الصوفية، المهرجان الوطني لفن المبدع والسماع، سباق فاس الدولي على الطريق، المهرجان الوطني للفيلم التربوي بفاس)؛ أزرو-إفران (مهرجان العالم العربي للفيلم القصير بأزرو وإفران)؛ ومهرجانات مكناس (المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، مهرجان مكناس لآلة القانون الدولي، مهرجان مكناس للدراما التلفزية، المهرجان الوطني للمسرح بمكناس، المهرجان الوطني للمسرح بمكناس، مهرجان وليلي الدولي، المهرجان الدولي لسينما التحريك بمدينة مكناس)؛ ومهرجاني إميلشيل (مهرجان إميلشيل للخطوبة / للزواج، مهرجان موسيقى الأعالي)؛ ومهرجانات مراكش (مهرجان الفنون الشعبية والفلكلور بمراكش، المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، مهرجان مراكش للضحك)؛ ومهرجانات الدار البيضاء (مهرجان جازبلانكا، مهرجان الدار البيضاء للمسرح، المهرجان الدولي لفن الفيديو بالدار البيضاء، مهرجان الثقافة الحضرية على المنصة، مهرجان الدار البيضاء للضحك، مهرجان روافد، مهرجان لبولفار بالدار البيضاء)؛ ومهرجاني سطات (مهرجان المسرح الفردي، مهرجان الخلخال لمسرح الشارع)؛ زمهرجان بن سليمان (المهرجان الوطني للزجل)؛ ومهرجانات الصويرة (مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، مهرجان الأندلسيات الأطلسية بالصويرة، موسم حمادشة بالصويرة)؛ ومهرجان أسفي (مهرجان العيطة)؛ زمهرجانات أكادير (مهرجان تيميتار، ملتقيات جمعية الجامعة الصيفية، مهرجان السينما والهجرة بأكَادير، المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بأكَادير، مهرجان الكوميديا بأكَادير، المهرجان الوطني للمسرح الأمازيغي بأكَادير، المهرجان الوطني لفن الروايس، مهرجان إسني ن ورغ الدولي للفيلم الأمازيغي بأكَادير)؛ ومهرجان تازة (المهرجان الدولي لمسرح الطفل بتازة)؛ ومهرجانات الجديدة (مهرجان التبوريدة مع معرض الخيول، المهرجان الدولي للحلقة والفنون الشعبية، مهرجان الجدران في أزمور،)؛ ومهرجانات أصيلة موسم أصيلة الثقافي الدولي، الموسم النسائي الثقافي الدولي الذي تنظمه الجمعية المغربية للمبدعات المعاصرات، مهرجان ماطا الدولي، مهرجان الفيلم الوثائقي)؛ ومهرجاني صفرو(مهرجان حب الملوك وانتخاب ملكة جمال حب الملوك ووصيفاتها، مهرجان فنون الجبال بتازوطة)؛ ومهرجاني بني ملال (مهرجان تاصميت للسينما والنقد، مهرجان عين أسردون للفنون التشكيلية)؛ ومهرجان عين اللوح (مهرجان أحيدوس)؛ ومهرجاني خنيفرة (مهرجان خنيفرة للمسرح التجريبي، مهرجان إزوران للثقافة الأمازيغية)؛ ومهرجان ميدلت (مهرجان فن الشعر والغناء الأمازيغي)؛ ومهرجانات زاكَورة (المهرجان ماجيك درعة الدولي للموسيقى الإفريقية بزاكَورة، الهرجان العربي الإفريقي للفيلم الوثائقي بزاكَورة، المهرجان الدولي للمسرح بزاكَورة، المهرجان الدولي للفيلم عبر الصحراء بزاكَورة، المهرجان الدولي للرحل بزاكَورة)؛ ومهرجانات قلعة مكَونة (الملتقى الدولي للورد العطري، وانتخاب ملكة دمال الورود ووصيفاتها، المهرجان الدولي للمظلات بقلعة مكَّونة)؛ زمهرجان أرفود (المعرض الدولي للتمور بالمغرب)؛ ومهرجان الرشيدية (ملتقى سجلماسة لفن الملحون)؛ ومهرجاني ورزازات (المهرجان الوطني للفيلم الأمازيغي، مهرجان أحواش)؛ ومهرجاني خريبكَة (مهرجان السينما الإفريقية بخريبكَة، المهرجان الوطني لعبيدات الرما بخريبكَة)؛ ومهرجانات طنجة (المهرجان الوطني للفيلم، مهرجان الفيلم القصير المتوسطي، المهرجان الدولي للشعر، مهرجان طنجاز)؛ زمهرجانات تطوان (مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، المهرجان الدولي للعود، مهرجان الأصوات النسائية، المهرجان الدولي للرسوم المتحركة)؛ ومهرجان القصر الكبير (المهرجان الدولي للمسرح)؛ ومهرجانات سيدي قاسم (مهرجان سيدي قاسم للفيلم الأمازيغي، مهرجان سيدي قاسم للفيلم المغاربي، مهرجان زكَوطة الربيعي)؛ ومهرجانات شفشاون (ملتقى الأندلسيات، مهرجان أليغريا، المهرجان الدولي لأفلام البيئة)؛ ومهرجان مشرع بلقصيري (ملتقى مشرع بلقصيري للسينما)؛ ومهرجاني الحسيمة (مهرجان الحسيمة، مهرجان البحر الأبيض المتوسط)؛ ومهرجان مرتيل (مهرجان الفيلم القصير)؛ زمهرجاني الناضور (المهرجان المتوسطي للناضور، المهرجان الدولي للسينما والذاكرة المشتركة بالناضور)؛ ومهرجانات وجدة (مهرجان الراي، المهرجان الدولي للمسرح، مهرجان الطرب الغرناطي، المهرجان المغاربي للفيلم الروائي القصير بوجدة)؛ ومهرجان الدريوش (المهرجان الثقافي لمدينة الدريوش)؛ ومهرجان فيكَيكَ (مهرجان ثقافات الواحات)؛ ومهرجاني العيون (المهرجان الدولي روافد أزاوان بمدينة العيون، مهرجان الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي والحساني)؛ ومهرجانات الداخلة (مهرجان الشعر والغناء الحساني، مهرجان البحر والصحراء، مهرجان أسبوع الجمل بالداخلة، المهرجان الدولي للسينما)؛ وغيرها من مهرجانات المدن العتيقة وحتى في المدن المحيطة بتيزنيت: مثل طانطان (مهرجان طانطان لثقافة الصحراء)؛ وتافراوت (فيستيفال تيفاوين، مهرجان اللوز، مبادرة الزواج الجماعي بمهرجان تيفاوين)؛ تارودانت (مهرجان الدقة والإيقاعات، ملتقى ربيع تارودانت للتبوريدة)؛ كَلميم (مهرجان أسبوع الجمل بمدينة كَلميم)؛ طرفاية (المهرجان الدولي لطرفاية)؛ إفني (مهرجان إفني الدولي لسينما الجنوب)؛ وإنزكان (مهرجان ببيلماون)؛ أنزا-أكَادير (المهرجان الوطني لمسرح الطفل)؛ فإننا نلاحظ أن مهرجان إمعشار بتيزنيت - رغم أن الظاهرة تتواجد في إفران الأطلس الصغير، ويعقد لها أيضا مهرجان في كلميمة بالجنوب الشرقي - لا زال انعقاده (انعقاد مهرجان إمعشار بتيزنيت) غير منتظم في دوراته، ولم يرقى بعد إلى مستوى التأسيس الذي يستجيب لطموحات تيزنيت، كمدينة عرفت لعقود ب"مدينة مهرجان إمعشار"؛ حيث يصبح جامعا بين الثقافي والتنموي والسياحي، ويكرس بذلك هويته المرتبطة بمدينة تيزنيت؛ خاصة وأن مهرجان بييلماون بإنزكان بدأ يحقق ذلك محليا ووطنيا، بل ودوليا، وسيصعب على مهرجان إمعشار منافسته مستقبلا لأسباب عدة، لا سبيل لذكرها هنا. وتبقى حظوظ كبيرة ل"مهرجان تيميزار للفضة" لكي يصبح مهرجانا مميزا لمدينة تيزنيت، بشرط العمل على إدماج البعد الثقافي فيه لكي يضاف الوعي للممارسة.

ثانيا: دور المتاحف الجماعية في التنمية المحلية المستدامة
في السياق، المشار إليه أعلاه، يندرج اختيار موضوع هذه المساهمة: "دور المتاحف الجماعية في التنمية المحلية المستدامة" (مشروع المتحف الجماعي للفضة بتيزنيت، نموذجا).
من بين ما حفزني على تناول هذا الموضوع هو؛ إضافة إلى انتمائي لجمعية وطنية مغربية تهتم بالمتاحف الجماعية (الجمعية المغربية للمتاحف الجماعية)؛ مجموعة أخرى من العوامل التي تراكمت جراء مشاركاتي في لقاءات ثقافية حول الموضوع وزيارات لمجموعة من المتاحف المتنوعة في بلدنا وما يتمتع به بلدنا من تنوع طبيعي وثقافي مع قلة المتاحف الجماعية.
لكن ما استفزني، ثقافيا، هو سؤال صديق خبير في التنمية ومهتم بالثقافة الأمازيغية؛ حين سألني، ذات يوم، قائلا:
- "أريد أن يدلني أحد المهتمين بالثقافة الأمازيغية، كيف يمكن للثقافة أن تكون دعامة للتنمية"؟
فبادرته بالجواب قائلا:
- "لست مهتما بالتنمية، وبدون تحليلات معمقة، يمكن القول أنّ مجرد توظيف المآثر التاريخية والمتاحف؛ في مداخل سياحة كل من إسبانيا ومصر واليونان وإيطاليا وفرنسا وغيرها؛ على سبيل المثال؛ يشكل عنصرا من عناصر دور الثقافة الفعال في التنمية المحلية بل والوطنية لتلك البلدان".
هذا ما لا يتحقق للتنوع الثقافي والطبيعي الكبير الذي يتمتع به المغرب، إذا أخذنا بعين الاعتبار قلة المتاحف العمومية والخصوصية، وإذا استحضرنا فقط عدد المتاحف الخصوصية بفرنسا التي يتجاوز عددها ال 40.000 متحف خصوصي، واستحضرنا، في نفس الوقت، انعدام المتاحف الجماعية مع أهميتها القصوى، ليس فقط، في الحفاظ والتعريف بتراثها الثقافي، بل وفي تطوير المعارف الأدائية للمبدعين في مختلف المجالات وكذا في التنمية المحلية ... .
لذلك كله لم أتردد حين اقترح علي الصديق الأستاذ أحمد بومزكو المشاركة في هذه الندوة، مؤكدا عزم المهرجان على إضافة المقاربة الثقافية اللصيقة بموضوع مهرجان الفضة، بأبعادها الرمزية والأنتروبولوجية والهوياتية والمعارف – الأدائية، ومختلف حرفها المتفرعة عن قطاع المعادن ومنتجاتها المتنوعة، وأدوات تلك الحرف، وغير ذلك مما يرتبط بتاريخ تلك المعارف – الأدائية... .

ثالثا: المتحف الجماعي ودوره في تطوير المعارف - الأدائية
ما يهمنا في إطار هذه المداخلة هو: كيف يمكن للثقافة أن تكون دعامة للتنمية؟ وكيف يمكن ل"متحف جماعي"، من جهة، أن يساهم في تطوير المعارف الأدائية لمنتجي صياغة الفضة عامة ومنتجي الحلي خاصة؛ ومن جهة ثانية، أن تستفيد منه مختلف الأنشطة الأخرى السياحية والتجارية وغيرها من أنشطة تنموية؟
لكن قبل الإجابة على هذه الأسئلة، علينا؛ من جهة، الإشارة إلى أن اليونسكو، كمرجعية أممية توكد على الوظيفة التنموية للمتاحف، حيث جاء في تعريفها ما يلي:
"لما كانت المتاحف تشكّل مركزاً للحفظ والدراسات والتأمل في التراث والثقافة، لم يعد بإمكانها البقاء بمعزل عن القضايا الأساسية المرتبطة بعصرنا ؛
(http://www.unesco.org/ar/movable-heritage-and-museums/museums) /
ومن جهة أخرى ضرورة التمييز بين المقصود ب "المتحف الجماعي" (أو "المتاحف الجماعية") وبين مختلف أصناف المتاحف الأخرى المتعارف عليها، ومن بينها بالنسبة للمغرب:
"المتاحف الخاصة" ((Musées privé التي ينشئها ويقوم بتسييرها أشخاص ذاتيين؛ "المتاحف العمومية" (Musées publics) التي تشرف عليها وزارة الثقافة أو المؤسسة الوطنية للمتاحف؛ "المتاحف الأركيولوجية" (Musées archéologiques)؛ "المتاحف الإثنوغرافية" (Musées ethnologiques)؛ "متاحف الفنون" مثل: "متحف الفن المعاصر" بالمغرب («Musée des Arts», catégorie : «Musée d’art contemporain» au Maroc) "المتاحف الصناعية" (Musées industriels)؛ "المتاحف البيئية" (Eco musées)؛ "متاحف الإدارات والوزارات" (Musées départementaux) التي تشرف عليها القطاعات الوزارية، مثل: مثل "متحف محمد السادس لحضارة الماء/ أمان" (Musée Mohamed VI pour la civilisation de l’eau-Aman) الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

رابعا: القيمة المضافة للمتاحف الجماعية:
إن البحث عن القيمة المضافة للمتاحف، في تثمين التراث واستثماره في التنمية، يجعلنا نتجه نحو تصنيف المتاحف كالتالي: متاحف عمومية (Musées publics)(تنشأ من قبل مؤسسات عمومية) ومتاحف خصوصية (Musées privés)(تنشأ من طرف أشخاص أو مؤسسات خاصة) ومتاحف جماعية (Musées communautaires)(تنشأ من قبل مؤسسات جماعية كالجماعات القروية أو الجماعات الحضرية).

أما المقصود ب "المتحف الجماعي" (أو "المتاحف الجماعية")، فهو بمثابة متحف تشاركي بين مختلف الأطراف التي يجمعها نشاط إنتاجي محلي مّا، وهو إذن بمثابة مشروع متحفي جماعي يرمي، من جهة، إلى الحفاظ على الذاكرة الجماعية المرتبطة بنشاط جماعي مّا، ويسعى إلى ربط العلاقة التماسكية بين وظيفة المتحف وبين نمو وتطور خبرات وممارسات ذوي ذلك النشاط الجماعي المحلي المشترك، من أجل تثمين النشاط ومن أجل إدماجه في التنمية المستدامة، وضمان استمراريته.
فهو إذن بمثابة تدبير سياسة تثمين التراث المحلي وربطه بالتنمية، والنظر إليه من خلال مقاربة ثقافية تربط التراث المحلي بالتنمية المحلية المستدامة. وفي نفس الوقت، وتمييزا لها عن مختلف أصناف المتاحف الأخرى المتعارف عليها، ترتبط بجماعة قروية أو حضرية أو مدينة مّا، وتعمل على تثمين ما تتوفر عليه تلك الفضاءات من تراث، من أجل خلق ثروة يستفيد منها كل الشركاء والمستهدفين.
فكيف يستفيد، مثلا، الحرفيون من معروضات المتحف الجماعي؟ من خلال التوفر على المتحف الجماعي يتمكن الحرفيون من معرفة أنواع وأشكال ما تم إنتاجه من طرف الرواد من قبل، ويطلعوا على أوجه تطور تقنيات وخبرات وممارسات وإبداعات أولئك الرواد، ويعملوا على الإبداع بشكل أفضل وبشكل أكثر راهنية، وأكثر قابلية للتوظيف في التنمية المستدامة. ومن جهة أخرى سيتمكن الزوار والسياح الذين يقومون بزيارة هذه المتاحف الجماعية من شراء منتوجات النشاط الحرفي المحلي المرتبط بالمتحف الجماعي؛ وبذلك يكون "المتحف الجماعي" أداة ميسرة لتسويق منتوجات القطاع؛ علما أن المعضلة الكبرى التي تعاني منها، خاصة، قطاعات الحرف التقليدية هو ضمان سبل التسويق. لأن زوار المتحف الجماعي، حين يطلعوا على معروضات "المتحف الجماعي، وعلى كيفية تطور المنتوج ونموه وتطور إبداعه، يقصدون محلات التسويق لاقتناء المنتوج، ويتحقق عبر ذلك تكامل بين وظيفة المتحف الجماعي وبين إنتاج الحرفيين، ويستفيد الطرفان، كما تستفيد التنمية المحلية من تلك العلاقة. ولكن تلك الاستفادة المتبادلة، وتلك التنمية المستدامة المنشودة، رهينتين بوعي ثقافي إيجابي.
لأن الفضة عامة، والحلي خاصة، في الثقافة الأمازيغية ليست فقط تراثا ماديا، بل تختزن رمزية غنية وعريقة، كما تختزن، أيضا، تراثا ثقافيا وحضاريا عريقا، وهوية ذات خصوصية لا يجهلها لا المتخصص ولا غير المتخصص، ويلمسها المواطن والأجنبي؛ خاصة حين يتمكن من الوعي بكيفيات الانتقال من الخبرات والممارسات المحلية المتوارثة إلى الخبرات والممارسات المحلية المتجددة، وإلى تطور أساليب تثمين القطاع على مختلف مستوياته.
فالمتحف الجماعي، الذي ينبغي أن يستند إلى التكامل بين مبادرات ما هو إداري (إشراك مختلف الإدارات التي تضمن الحفاظ على المنتوج كالعمل على الحصول على العلامة التجارية، والبحث عن سبل إدماج هذا التراث في التنمية المستدامة)؛ وما هو شراكتي (عقد شراكات مع ذوي نفس الاختصاصات جهويا ووطنيا ودوليا)؛ وما هو أكاديمي (مراكمة أبحاث ودراسات حول الفضة، وصياغة الفضة، وصناعة الحلي، وحول المعارف-الأدائية المرتبطة بالقطاع، وذلك في مختلف مجالات توظيفها، قصد فهم هذا التراث وصونه والحفاظ عليه، وإدراك قيمة صياغة الفضة وإنتاج الحلي، وإدراك عراقة أساليبه وتقنياته البالغة في الدقة والتنظيم المحكم على مدى تاريخ عريق).

خامسا: المتاحف الجماعية، التنمية المحلية ومهام الجماعات المحلية:
إذا كانت الخصوصيات الطبيعية، والمعمارية، والتاريخية، والاجتماعية، والثقافية، والفنية، لمنطقة مّا أو جماعة قروية مّا أو حضرية مّا، هي مهمة "المتاحف الجماعية"؛ فإن من أولويات ما ينبغي تشخيصه وإبرازه، من خلال معروضات هذه "المتاحف الجماعية"، هو تصحيح وتسويق الصورة الحقيقية لكل ما هو محلي، وخصوصي محليا. لأنه سيكون عامل استجلاب السياحة، وتحقيق التنمية المحلية المستدامة.
وذلك، لأن السائح يبحث عن المنتوج المحلي، لا عن المواد الآتية من الأسواق العالمية بأثمنة بخسة، وإلا فلا حاجة له للتنقل بعيدا من أجل التزود بمواد آتية من الأسواق العالمية بأثمنة بخسة، يؤتى بها من كل فج عميق لتُعْرَضَ أمام بيته، أو من أجل التزود بما تركه خلفه من حيث هو قادم؛ فلقد سبق لي، أثناء زيارتي الصيفية لمدينة مغربية، أن بحثت في معرض للكتب، أقيم فيها بمناسبة توافد الزوار عليها، عن كُتُب حول تلك المدينة أو عن منطقتها، فلم أجد سوى كتب عن الرباط، معروضة من طرف كُتُبِيّ قادم من الرباط للمشاركة في المعرض، فهل أشتريها أنا القادم من الرباط ؟ !
إن المنطقة (منطقة سوس عموما، ومنطقة تيزنيت خصوصا) تستحق "استراحة المحارب"، بعد كل ما قدمته من نضالات ودفاع عن المنطقة وعن الوطن، وضمان مستقبل واعد من الرفاه والأمن الثقافي والسلم الاجتماعي للأجيال القادمة. وبذلك، تجدر الإشارة إلى أن تدبير وحماية الأملاك الجماعية؛ خاصة الممتلكات الثقافية والتراث الطبيعي؛ يعتبر من أهم مقومات عمل الجماعات المحلية؛ ليس فقط من أجل تدعيم مواردها، ولكن من أجل تنمية عقارية شاملة محلية ومستدامة، ومن أجل حفظ التراث لتنتفع وتستفيد منه الأجيال اللاحقة؛ كما تنص عليه وتدعو إليه كل المؤسسات الأممية المختصة بحقوق الإنسان، بمختلف أجيالها، وخاصة منها الثقافية والبيئية، وكذا "الحق في التملك التراثي" القادم: (Droit à la patrimonialisation).

الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية
مهرجان الفضة بتيزنيت، الدورة السادسة،
14 غشت 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اللحظات الأخيرة قبل وفاة الفنان صلاح السعدني من أمام منزله..


.. وفاة الفنان المصري القدير صلاح السعدني عن 81 عاما




.. سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز.. ما الرواية الإيرانية؟


.. عاجل.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدنى عن عمر يناهز 81 عاما




.. وداعا العمدة.. رحيل الفنان القدير صلاح السعدنى