الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما يبحث التائه عن منطقة آمنة

فيصل بلوش

2019 / 8 / 8
السياسة والعلاقات الدولية


حينما يبحث التائه عن منطقة آمنة خارج حدود بيته المليء بالألغام الموقوتة
أو حينما يلعب أردوغان لعبة الغميضى مع فوهات القناصة وأزيز الخنادق ..

قد يليق هذا التوصيف لقراءة الاتفاق التركي الامريكي لإقامة منطقة آمنة في شمال سورية ،فبقدر ما يشكل الاتفاق هو انتهاكا لسيادة الدولة السورية وللقانون الدولي ،بقدر ماهو تعزيز مرحلي للتموضع الامريكي بالشمال الشرقي لسوريا ، وللتموقع التركي بقطعة من الشمال الغربي ،ضمن تحالف ثنائي لشرعنة الاحتلال ولقضم الحصة الممكنة من الكعكة السورية في مجالها الكردي .

فامريكا تبتغي من الاتفاق ضمان الحماية الوجودية والمعنوية للوحدات الكردية الموالية لها، من الاستهداف العسكري التركي والسوري ، وفرصة آمنة لاعادة تقوية الاكراد الانفصاليين بشرق الفرات وتكوينها عسكريا واستخباراتيا وامكانية توظيفها شرقا على واجهة الحشد الشعبي بالعراق ،وضد داعش و النظام السوري جنوبا وغربا ، وحتى ضد تركيا نفسها شمالا عندما يتطلب الامر تأذيبها ووخزها في الخاصرة..

واهم انجاز امريكي بهدا الاتفاق هو تزكية التموضع الامريكي المباشرة على الحدود التركية و السورية / العراقية بما تعنيه من رصد وتقب لخط الاتصال بيروت- طهران ...وبما يسمح بالاشراف المباشر على المتغيرات الاقليمية بمنطقة تتسارع فيها المستجدات وتقلبات المناخ الدولي ..

في حين تركيا تستقوي بهدا الاتفاق كغطاء لحماية جبهة النصرة واحرار الشام الموالية لها و المصنفة امريكيا بالارهابية ،بهدف تخفيف التدخل الروسي السوري بإدلب حيث منطقة تجمع هذه الأدوات المسلحة التي تستخدمها تركيا ضد النظام السوري ضمن عملية إلهاء عسكري له ريتما يكتمل مشروع المنطقة الآمنة والذي تراهن فيه تركيا على الامريكي لظبط سلوكات الاكراد شرق نهر الفرات ...ولتستأنف هي بغرب الفرات بناء المكون التركستاني السوري الدي تراهن عليه كبديل للمكون الكردستاني السوري المتمرد بمناطق عفرين ومنبج والباب وجرابلس وتل ابيض...

ومن ناحية ،الاتفاق هو ترتيب رمزي لإعادة إنتزاع امريكا لتركيا من القبضة الروسية، وإفراغ لإتفاقيات أستانا تركيا-روسيا-ايران من مضمونها ومن اطرافها ، بما يعني الاستبعاد الرمزي للايراني والروسي من معادلة الحل السياسي بالشمال السوري ..

كما ان هذا الاتفاق هو توقيع تركي بتجديد البيعة والولاء لحلف الشمال الاطلسي الذي خدلها في مناسبا عدة ،لتعود له بعدما تمردت عليه في عملية رِدّة تجارية قادتها لاسواق ال إس400 والميغ الروسية ..ويتأكد هذا الولاء التركي للناتو مع اعلان اردوغان يوم امس امام الرئيس الاوكراني ،عدم اعترافه بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم ..

وهنا يمكن ان تتفرخ عدة تساؤلات تتعلق بتداعيات هذه الانقلاب و الخيانة التركية المتعددة الابعاد لروسيا ،على مستقبل العلاقة الثنائية وعلى مستوى سؤال اين وكيف ومتى يمكن ان توجع روسيا الطرف التركي ،خصوصا ان الروسي لا يستهويه الصبر التكتيكي بقدر ما يميل لحظة تُمس كرامته لدبلوماسية العقرب ؟ فهل ستكون إدلب هي الجهنم التي سيبعثر فيها الروسي المِقلمة التركية بمن تتضمنه من ادوات الهدم و الهندسة واقلام الحبر والرصاص ؟؟

يظل السلوك التركي المتقلب والمضطرب والفجائي في علاقته بشبكة الاحذاث وصناع القرار الاقليمي ،مؤشر على كون مفعول فوبيا الامن القومي والوسواس القهري الذي كان وراء ابداع كتاب العمق الاستراتيجي لداوود اوغلو ، قد اعطى مفعوله السلبي في شريان السياسة الخارجية والدفاع التركية ، بعدما انقلب عليها اردوغان وعلى نظرية صفر مشاكل وعلى صاحبهما داوود اوغلو القائل في كتابه "لكي تكون الدولة ناجحة يتعين على نظامها ومسؤوليها مراعاة التوازن الدقيق بين قوة الأمر الواقع وقوة الحق الأصيل ..

مع حكومة ورئاسة آردوغان سجلت تركيا محاولات عدة لتجاوز هذه الحكمة الاستراتيجية القائمة على الموازنة والتوازن ، في مسعى أتوقراطي مجنون و متهور لحيازة المجد والعظمة ،وهي نفس الاسباب التاريخية التي سرّعت بسقوط الرجل المريض وأدت لتفكك الامبراطورية العثمانية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يقدمان التعازي -للشعب الإيراني-


.. كيف ستنعكسُ جهودُ الجنائية الدولية على الحرب في غزة؟ وما تأث




.. حماس: قرار مدعي -الجنائية- مساواة بين الضحية والجلاد


.. 50 يوما طوارئ تنتظر إيران.. هل تتأثر علاقات إيران الخارجية ب




.. مقتل طبيب أمريكي في معتقلات الأسد