الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض من بعض الذي كان .. 4..عبقرية نوري السعيد أم تبعيته

جعفر المظفر

2019 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


بعض من بعض الذي كان .. 4..عبقرية نوري السعيد أم تبعيته
جعفر المظفر
وبعد ذلك فإن دخول عبدالناصر في ميدان العمل القومي وسَعْيه لتصدر الزعامة القومية قد كلف مصر بشكل أساسي خسائر كبيرة. والحال إن ذلك لم يكن بسبب قصور ذاتي كامن في تكوين ونهج تلك الزعامة, مع الإقرار بوجوده وذلك بمستويات وأشكال متعددة, وإنما بسبب الصدام بين المشروع العربي القومي الذي بات يمثله ويقوده عبدالناصر, وبين منظومة القوى العربية والإقليمية والدولية المتضررة من ذلك المشروع أو المتنافسة مع قيادته.
في الخانة الأولى كان هناك عراق نوري السعيد, غير القادر على الخروج من المشروع البريطاني الذي وضعه في خانق الحرب الباردة المتصاعدة حينها بين الإتحاد السوفيتي والغرب وذلك بعد إنهيار ألمانيا في الحرب العالمية الثانية وإنضمام العراق إلى حلف بغداد مع ثلاثة دول كانت محسوبة تماما على المعسكر الغربي وهي إيران وتركيا وباكستان إضافة إلى بريطانيا نفسها.
والحال إن مستحقات إنضمام العراق إلى ذلك الحلف كانت باهضة جدا, فالذين يؤكدون على حِكْمة نوري السعيد ونباهته السياسية بحجة أنه إستطاع من خلال إنضمامه لذلك الحلف تخليص العراق من فكي الكماشة الإيرانية التركية وذلك من خلال حيلة إنضمامه معهما في حلف واحد, سوف تتهافت نظريتهم تلك حالما تواجههم حقيقة أن نوري السعيد لم يكن هو الذي وضع مشروع الحلف أساسا وإنما كان قد إنضم إليه تبعا لأوامر لندن التي وضعت نفسها بإمرة أمريكا.
وبعد ذلك فإن الإقرار بحقيقة أن نوري السعيد كان قد إستفاد من ذلك الحلف من خلال حكمة تحييده لكل من تركيا وإيران, العضوتان معه في الحلف, اللتان كانتا تهددان أمن العراق القومي وسيادته وجغرافيته, لا بد وإن يراعي حقيقة أن الفوائد التي حصل عليها العراق بهذا الإتجاه كانت أقل بكثير من الأضرار التي أصابته.
فلنستدعي أولا حقيقة أن نوري السعيد لم يكن في واقع الحال مُخَيراً بين الإنضمام للحلف أو البقاء خارجه, فالعراق حينها لم يكن صاحب قراره السيادي خارج منطقة الإسترليني, عُملةً وسياسة, بل لعله كان يتمتع بصيغة إستقلال شكلي لم تكن لتمنحه قوة وحق القرار السياسي المستقل بمعزل عن الإرادة البريطانية.
من هنا فإن إنضمام العراق لذلك الحلف لم يكن مرتهنا بإرادته حتى تُجيّر الفوائد العَرَضية المفترضة لسعة تفكير نوري السعيد وعبقريته وحكمته.
و كما ذكرنا سابقا فإن الغرب الذي كان وراء تأسيس ذلك الحلف (بريطانيا وأمريكا بالدرجة الأساسية) كان قد شكله لتحقيق غايتين, أولهما تلك التي إنصبت على تحشيد كل الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة الإتحاد السوفيتي فيما كان سمي وقتها بالحرب الباردة, أما الثانية فقد كان غرضها تعطيل سرعة إنطلاق نفوذ الشيوعية في الشرق الأوسط وبعدها أيضا تعطيل أخطار الزعامة الناصرية في المنطقة العربي.
وأظن أن الغرب كان إعتبر هذا التحدي, أي الناصري, ليس أقل خطرا عليه من التحدي السوفيتي, فالعنقاء المصرية الخارجة من رماد حرب السويس لم يكن قد وَسَعَها الفضاء المصري فراحت تبحث عن فضاء قومي أوسع لكي تمارس فيه حق الطيران دون مصداتٍ قُطْرية.
والحق أن مصر كانت قد إكتشفت قدرها العربي ودورها القومي بشكل أوضح بعد حرب السويس حتى كأنما صار المشروع الناصري بمثابة تجديد لمشروع محمد علي الكبير ولكن من خلال زعيم عروبي الأصل والنزعة القومية وفي منطقة عربية كانت تحاول أن تجد هويتها السياسية وجغرافيتها الجديدة التي كانت قد قطّعتها إتفاقية سايكس بيكو ووزعتها على بريطانيا وفرنسا المنتصرتين في الحرب العالمية الأولى.
ولم يكن العقل البريطاني والأمريكي عاجزا عن رؤية وتقدير حجم الأخطار المتأتية نتيجة للطموحات الناصرية وإتساع مساحة النفوذ الشيوعي, فالمنطقة العربية العائمة على بحر من النفط ,الذي كان وما يزال يشكل مصدر الطاقة الأول في العالم, باتت مهددة بالوقوع في أحضان النفوذ الناصري المتصاعد بسرعة صاروخ عابر للحدود.
ولم تكن إيران وتركيا بعيدتين عن مرمى هذا الخطر وتداعياته وهما المعنيتين بشكل رئيسي بصراع النفوذ التاريخي على المنطقة العربية, لذلك كانتا هما أيضا بحاجة ماسة إلى منظومة دفاع تمتلك قدرة إسقاط ذلك الصاروخ ذا الرأسين القومي العروبي والشيوعي الأممي, فإذا بمشروع حلف بغداد يأتي بالنسبة لهما, وبلغة هذا العصر, أشبه بمنظومة لصواريخ الباتريوت الأمريكية أو أل أس أربعمائة الروسية, المصممتان أصلا لإسقاط الطائرات والصواريخ المعادية, ولكن هنا بالمعنى السياسي.
معنى ذلك أن تركيا وإيران كانتا قد ربحتا من وجودهما في ذلك الحلف وذلك على مستويين, أولهما أنهما صارا تحت الحماية الغربية الضرورية لهما كمصد في وجه الأخطار السوفيتية المتطلعة للإمتداد إلى حيث المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط ومياه الخليج, وثاني المستويين أنهما إستطاعا أيضا أن يستفيدا سياسيا على الأقل من وجود العراق العربي لصد أخطار الزعامة الناصرية القومية التي تهدد أطماعهما الجغرافية والإقتصادية والسياسية في محيطهما العربي.
أما مكاسب العراق فقد كانت وقتية ومحصورة بقضية تجميد مفاعيل الصراع بينه وبين تلك الدولتين الأكثر تنافسا على أراضيه, أي أن وجود العراق في ذلك الحلف لم يرتب له معاهدات أو إتفاقات جديدة مع جيرانه الإتراك والإيرانيين بحيث يمكن حسابها كمكاسب إستراتيجية تاريخية ممكنا الإعتماد عليها لتقديم نوري السعيد كحكيمٍ لزمانه, فلقد كان متوقعا أن تعود الجارتان إلى سابق عدائهما للعراق في حال إنتهاء العمل بميثاق ذلك الحلف الشؤم على العراق ونظامه الملكي.
إن العراق كان هو الخاسر الأكبر نتيجة إنضمامه لذلك الحلف. إن الخطر السوفيتي العسكري لم يكن يشكل تهديدا مباشرا للعراق الذي وضعته الجغرافية بعيدا عن حدوده, والتي لم تكن حالته مثلما كانت عليه حال جيرانه الأتراك والإيرانيين اللذين كانا على تماس مباشر مع ذلك الخطر.
أما على صعيد وضعيهما الداخلي فلم يكن صعود عبدالناصر يشكل لهما أي خطر يذكر إذا ما تمت مقارنته بالأخطار التي جابهت العراق يوم حمَلته بريطانيا, حينما وضعته في مجابهة عبدالناصر, أثقالا أكبر من طاقته, وخارجة على مصالحه, ومتجاوزة لمتطلبات أمنه القومي والوطني.
الواقع أن نوري السعيد كان وضع العراق في فم الصاروخ بدلا من أن يخرجه منه كما يدعي سعيديو هذه المرحلة المصابون بداء العودة الإسقاطية لقراءة التاريخ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الزمن الامريكي السوفيتي
منير كريم ( 2019 / 8 / 9 - 17:54 )
تحية للاستاذ جعفر
اسمح لي ان ابدي بعض ملاحظات تختلف مع تقييمكم
حلف بغداد كبقية الاحلاف العسكرية المناطقية في العالم اسسها الغرب لتطويق النفوذ السوفيتي والشيوعي في اعقاب الحرب العالمية الثانية , ولما بدات حقبة احلال الاستعمارين الامريكي والسوفيتي في الشرق الاوسط قلت حماسة الغرب لهذا الحلف وتركوه يسقط بسهولة اثر انقلاب 14 تموز في العراق
كان التيار القومي العربي وخاصة عبد الناصر عراب الاستعمار الامريكي وكانت الاحزاب الشوعية تمهد للاستعمار السوفيتي , ومن علائم الزمن الامريكي الروسي هو اقامة الانظمة العسكرية وجر المنطاقة لحروب عبثية فاشلة مهدت الطريق لتوسع اسرائيل وتدمير المنطقة اقتصاديا وسياسيا, الى ان سلمت الراية للاسلم السياسي الراهن
شكرا لك وشكرا للحوار المتمدن

اخر الافلام

.. استدعاء الهيئة الناخبة في الجزائر للانتخابات الرئاسية


.. الانتخابات الأوروبية: أي تداعيات لفوز اليمين الفرنسي المتطرف




.. الانتخابات الأوروبية: كيف استهدفتها حملات التضليل الروسية؟


.. مجلس الأمن يقر مشروع قرار أميركي بشأن التهدئة في قطاع غزة بـ




.. القيادي بحماس محمود مرداوي لسكاي نيوز عربية: نرفض أي حل يجتز