الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين والاتحاد الأوروبي ..بين التعاون والمنافسة

عاصم البرقان
(Asem Al-burgan)

2019 / 8 / 10
السياسة والعلاقات الدولية


قبيل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ مباشرة لكل من إيطاليا وفرنسا وقبل القمة التي جمعته مع بعض القيادات الأوروبية نشرت المفوضية الأوروبية في 12 آذار 2019 وثيقة بعنوان "الاتحاد الأوروبي- الصين: نظرة استراتيجية"، أطلق فيها الاتحاد الأوروبي ولأول مرة على الصين تسمية "المنافس المنهجي" الذي يروج بديلاً لنموذج الحكم، والمنافس الاقتصادي وبشكل خاص في قطاع التكنولوجيا. وأكدت الوثيقة على التناقضات بين الالتزامات والإجراءات التي تتخذها الصين، مثل الانتقائية في التعامل مع معايير القانون الدولي، ‏وسلطت الضوء كذلك على المشاكل الرئيسية التي تسببها الصين وذكرتها بشكل مباشر، وهو ما يعتبر خروج عن لغة وثائق الاتحاد الأوروبي المتعارف عليها.
وتعرض الوثيقة الإجراءات التي سوف يتخذها الاتحاد الأوروبي لإجبار الصين على تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل على نحو فعال. حيث شدد الاتحاد على فتح الأسواق وفقا لقواعد موحدة لجميع الكيانات الاقتصادية، وطالب الصين السماح بزيادة الوصول الى أسواقها بما في ذلك إلى العطائات العامة، وتحسين حماية الملكية الفكرية، والتخلي عن النقل القسري للتكنولوجيا ودعم الشركات الصينية.
‏وأعلن الاتحاد تسريع المفاوضات فيما يتعلق بالاتفاقيات الثنائية في مجال الاستثمار، والمؤشرات الجغرافية فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية والغذائية التي يجب حمايتها من التقليد واختلاس الحقوق. كما وأعلن الاتحاد أيضا تسريع العمل على إدخال أدوات جديدة تقيد وصول اطراف ثالثة للعطائات. وكذلك أكدت الوثيقة من خلال توصية طالبت فيها بموقف أوروبي مشترك فيما يتعلق بتكنولوجيا الجيل الخامس والتنفيذ الكامل للمراقبة من قبل الاتحاد الأوروبي EU screening.
وجاء تنظيم الرئيس الفرنسي للقاء ضم المستشارة الالمانية انجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر من جهة، مع الرئيس الصيني من جهة أخرى خلال زيارته إلى فرنسا في 9 نيسان لتشير إلى التغيير في السياسة الأوروبية اتجاه الصين، وإظهار وحدة الاتحاد الأوروبي، ودعم سياسته الجديدة من أهم دولتين في الاتحاد اللتين تعتبرا أكبر شركاء الصين الاقتصاديين.
ومن الأسباب التي تقف خلف تشديد سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين؛ قناعة دول الاتحاد بأن الصين لن تغير من نهجها الاقتصادي الذي بالأساس يحقق مصالحها. وكذلك قناعة الأوروبيين من التفوق التكنولوجي الصيني والذي يظهر بشكل واضح في تكنولوجيا الجيل الخامس، وأن ‏تخلي الاتحاد عن مشاركة الكيانات الصينية في بناء معايير الجيل الخامس سيقود إلى تباطؤ تطورها، ولأن الاتحاد لا يريد ذلك فإن الحل الوحيد أمامه هو الشراكة مع الشركات الصينية. إلا أن الضغوطات الأمريكية لاستبعاد الصين من الأسواق الأوروبية دون أي اقتراحات بديلة والمخاوف الأوروبية بشأن أمن التكنولوجيا الصينية قد قاد إلى تغيرات متسارعة من جانب الاتحاد الأوروبي.
وجاء الاجتماع كمحاولة من قبل الاتحاد الأوروبي لاختبار النهج الجديد، حيث تضمن البيان المشترك الصادر عن القمة قرارات تؤكد على القضايا المشتركة بين الصين والاتحاد، وفي نفس الوقت يمكن اعتبارها تقرير مشترك حول الخلافات مع الولايات المتحدة. حيث شملت القرارات التأكيد على تنفيذ اتفاقية باريس، والاتفاق مع إيران، والتعاون في إصلاح منظمة التجارة العالمية.
وطالب الاتحاد الأوروبي الصين بالكف عن الممارسات غير القانونية وتحديد مواعيد نهائية للمفاوضات الجارية حول الاتفاقيات الثنائية. وتضمن البيان المشترك بعض المطالبات التي وردت في وثيقة المفوضية الأوروبية وإن كان في شكل اكثر اعتدالاً. وتعهد الطرفان بتسريع المفاوضات التي تتعلق باتفاقيتين: اتفاقية الاستثمار حتى نهاية 2020 واتفاقية المعايير الجغرافية حتى نهاية العام الحالي. ولأول مرة اقر الطرفان أيضا بوجوب ألا يكون نقل الزامي للتكنولوجيا، وتكثيف النقاشات حول القواعد الدولية المتعلقة بالإعانات للصناعة كجزء من إصلاح منظمة التجارة العالمية. إلا أن البيان لم ينص على أي عقوبات في حالة عدم الوفاء بالالتزامات، فقط أشار إلى حالة واحدة وهي اتفاقية الاستثمار وضرورة أنشاء آلية لمراقبة تقدم المفاوضات.
‏رد الفعل الصيني
جاء رد الفعل الصيني على مطالب الاتحاد الأوروبي متوازنا، ففي مواجهة نزاعها مع الولايات المتحدة والتي يمثل تسويته أولوية بالنسبة لها، فهي ليس مهتمة بتدهور علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي. ويركز الخطاب الصيني على إيصال رسالتين؛ الأولى تؤكدد على أن الاختلاف في الرأي شيء طبيعي خاصة في حالة الدول‏ ذات النظم الاقتصادية المختلفة، والثانية، أبراز ما يوحد، وهي مجالات واسعة وكبيرة وغير محددة للتعاون تشمل النظام العالمي القائم على القانون ومنظمة الأمم المتحدة والتجارة الحرة ودور منظمة التجارة العالمية، ودعم التعددية، واصلاح الإدارة العالمية، ومعارضة الحمائية. وأكدت الصين من جانبها على دعم التكامل الأوروبية مدللة على ذلك بدعمها الذي تقدمه الى الدول الأقل إمكانيات في الاتحاد مثل البرتغال واليونان وإيطاليا، وكذلك بلدان أوروبا الوسطى. وهذه إشارة من الصين بأنها تنتهج سياسة مناقضة لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أوروبا. ومن هنا وانطلاقاً مما تقدم يمكن القول بأن المحتوى الجديد للبيان المشترك وموافقة الرئيس الصيني على عقد اجتماع مع الزعماء الأوروبيين الثلاث في باريس كان موقفا تصالحيا من قبل الصين
التوقعات
أن من اهم التغيرات الجديدة في سياسة الاتحاد الأوروبي يأتي التشدد الأوروبي تجاه الصين. وعندما بدأت الصين في عام 2016 الاستثمار في شركات الاتحاد الأوروبي ذات التكنولوجيا عالية التطور بدأ الاتحاد تدريجياً الانسحاب من الشراكة مع الصين والتوجه نحو المزيد من الحذر. وظهر ذلك من خلال اعتماده عام ٢٠١٨ EU screening ونشر استراتيجية المواصلات كرد على مبادرة حزام واحد طريق واحد.
مازال تغير النهج بالنسبة للاتحاد الأوروبي يأخذ بشكل أساسي الأسلوب الخطابي، ويمكننا التوقع خلال الأشهر القادمة أن يقوم الاتحاد بتقييم مدى التزام الصين بالتعهدات التي التزمت بها. وسيقوم الاتحاد بإعداد أدوات للضغط على الصين تتمثل ب: أولا، إيجاد آليات حمائية للاتحاد، وكمثال على ذلك توصيات المفوضية المتعلقة بالجيل الخامس، وذلك بهدف تقييم المخاطر وتطوير الطرق لتقليل منها، وبهذا الأسلوب يستطيع الاتحاد ضمان قدر أكبر من الأمان من خلال الرقابة التفصيلية، مما يجعل من الصعب على الكيانات الصينية العمل، ولكن دونما ابعادها من السوق. ثانيا، إيجاد آليات تسمح بحضر الانشطة الصينية، مثال على ذلك وضع قواعد جديدة للمشاركة في العطاءات لمنع وصول الكيانات الصينية، في الوقت الذي لا تزال فيه الشركات الأوروبية غير قادرة على الوصول إلى سوق العطاءات العامة في الصين. ومع ذلك، فإن التحدي المتمثل في تنفيذ سياسة صارمة تجاه الصين يتوقف على موافقة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد، والنهج الذي ستتخذه مؤسسات الاتحاد بعد الانتخابات الأوروبية.
قد يبدو موقف الاتحاد الأوروبي مشابه لموقف الولايات المتحدة الامريكية وهو ما يقود البعض الى اعتبار ذلك فرصة التعاون بينهما، إلا أن سياسة الاتحاد الأوروبي في الواقع اقل مواجهة، حيث يشير مثال الموقف من شركة "هواوي" وتردد أعضاء الاتحاد في استبعادها بأن الاتحاد الأوروبي يبحث عن حلول تراعي مصالحه بعيدا عن الضغوطات الأمريكية والاستقلال عن سياساتها وتجنب الضغوطات عليه.
واذ تخشى السلطات الصينية "امركة" سياسة الاتحاد الأوروبي، ستحاول الوقوف في وجه وحدة الاتحاد القائمة على اتباع منهج جديد أتجاهها، وكذلك في وجه أي تعاون بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية من خلال جذب بعض أعضاء الاتحاد واتخاذهم مواقف إيجابية تجاه الصين. ان مصلحه الطرفان تقتضي إيجاد آليات تضمن التعامل بالمثل لضمان مستقبل العلاقات بين الطرفين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا