الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسطرة الخطاب السردي في رواية وشم ناصع البياض لعلي لفته سعيد .

حيدر جمعة العابدي

2019 / 8 / 10
الادب والفن


أسطرة الخطاب السردي في رواية وشم ناصع البياض لعلي لفته سعيد
(رحت أردد بصوت عال .. الله أكبر كما يرددها جدي ... حافرا أخاديده ليكون وشما أبيض )
تتخذ رواية ( وشم ناصع البياض ) للروائي علي لفته سعيد والصادرة عن دار الفؤاد للنشر لسنة2018، في خصيصة تميز متنها السردي ، وذلك عبر توظيفها ثنائية جدلية تاريخية تمزج الرمزي بالواقعي، مستعينة بمرجعية الموروث المروي والمكتوب بشقّيه الديني والحكائي، وهو ما أسهم في جعل فضائها السردي فضاءً ينفتح على العديد من الدلالات التأويلية والخطابية التي تتحرّك وفق جدلية العلاقة ما بين الرمزي المتخيل / الشخوص/ الزمان / المكان ، والواقعي / الاحداث / الثيم .
أننا لا نستطيع فكّ شفرة هذا النمط من البناء الحكائي إلّا من خلال تتّبع حركة تطور الأحداث وما تحاول نسجه من أثارٍ معنويةٍ وفكريةٍ تساهم في صناعة مضمونها الدلالي كخطاب، حيث اتّخذ نمط سير الأحداث شكلا دائريا مغلقا في تطوّر الأحداث والشخصيات داخل المكان السردي وفق طريقته، في الظهور وفي الاختفاء، وفي حركة الزمن ليل / نهار .. وهو نمطٌ ظلّ يحكم العلاقة ما بين الماضي والحاضر، هيمن على جميع التصوّرات والسلوكيات البشرية .. وفق هذا المعطى الدلالي الواضح والمضامين الشكلية، نجد أن شخوص الرواية أو أبطالها السبعة ، الجد والأحفاد ، والتي تعمّد الكاتب في تركهم بلا أسماءٍ صريحةٍ والاكتفاء بأسماء مكناة، ضمن ترتيبٍ ينسجم والفعل التراتبي التقليدي من الكبير الى الصغير، لخلق نوعًا من الايحاء النفسي والإحالة الثقافية لدى القارئ ( تناص) ليضعنا أمام بنيةٍ سرديةٍ تستعير من الحكايات الشعبية والدينية والأسطورية جملةً من الخصائص، تضعها لتشكّل نظامها القيمي والمرجعي.. كانت أهم ركيزة في ذلك هي لغة خطابها السردي الغني بالإشارات الحكائية والاستعارية الاسطورية، فمن خلال هذا الإجراء يمكننا تحديد نوعية البنى التي تحكم كامل الخطاطة السردية والتي أطلقنا عليها إعادة أسطرة الخطاب.. والأسطرة هنا ليست لبناء عالمٍ خياليٍّ لا رابط بينه وبين ما موجود في العالم الاعتيادي ، وإنما هو خطابٌ يقوم بنقل الحدث الواقعي داخل حدود المتخيّل الاجتماعي، وهذا ما يعكس قصدية المؤلّف الذي سعى منذ البداية الى جعل حقيقة الحكاية أكبر من حقيقة الواقع، من خلال مزج ما هو واقعي بما هو متخيّل، وتفكيك ما هو ثقافي ديني بما هو فنّي أدبي، لكشف معيارية الثابت الهشّ أصلًا بمعيارية المتحوّل الفاعل المتجدّد، وفق قانون الأسطرة.. وهو التجلّي والخفاء، وهو ما انعكس على أقسام الرواية السبعة أيضا ( النهار + صباح اول + نهار سابع + يوم تائه + ظهيرة بعيدة + خارطة وشم + وشم غائب ) أعيدها ، لأرتب المعنى مما تساقط تلك محنتنا الاولى )ص4 ،
فدوران مجمل أحداث القصة عن سبعة أحفاد يبحثون عن جدّهم الذي اختفى وفق ظروف سحريةٍ غيبيةٍ، تاركًا لهم وصاياه التي كانت تمثّل لهم تعاليمًا مقّدسةً فيها من الحكم والأقوال التي لو اتّبعوها لكشفوا سرّ الحقيقة الخالدة.. ظلّ فعلًا اسطوريًا لا متناهيًا على الرغم من وجود أحداثٍ حقيقيةٍ كالحرب والقصف وما تبعها من تحولات، لكن وفق ذلك تقدّم الرواية لنا عالمًا أشبه ما يكون بالأسطرة ( أشخاص يظهرون ويختفون ) لذا ينتخبون كبير السن والصحفي المثقف، ليقودهم في عملية البحث كونه الأكثر حكمة وخبرة وتطبيقا لتعاليم الجد ، تنتهي القصة بعودة الجدّ من نافذة الحلم أو الرؤية التي شاهدها الصغير في منامه، حيث أعطاه جدّه ورقةً فيها تعاليم جديدةٍ تزاوج ما بين الواقع والمتخيل .
فالرواية لا تتحدّث من خلال تقديمها لشخصياتها ومن خلال صياغة أحداثها عن شخصيةٍ معينةٍ لها من السمك والعمق ما يجعل منها كيانًا متفّردا ، على النقيض من ذلك ، إنها تنسج صورةً إنسانيةّ كلّيةً تحتضن كلّ الصفات، لذا تحيلنا هذه الشخصيات ( كبير السن + صاحب الجرح + الصحفي المثقف + الشيخ + المهذار + ذو الوجه المبتسم + الصغير ) على النموذج وليس النسخة إعادة إنتاج الأصل التجريدي (حكاية أهل الكهف ) وليس الفرع (أتعبهم الكلام ، واحترقت حلوقهم بدخان السكائر حتى أنحدر بهم الصمت .. لم تكن غرفة يسكنون إليها فقط .كانت عبارة عن جداريات متّصلة .. متراصة كلما نظروا إليها جاءتهم ابتسامة أنيقة لتضيء لهم تاريخا من الزهو ) ص10 .
فتشيد اللغة السردية وفق خطابٍ رؤيويٍّ (أسطره) اتخذ شكلًا سرديًا ( مرسلا = رسالة = وسيط = متلقي ). وهو شكل خطابٍ تبشيري غنيٌّ بالتناصات الفيزيقية والدينية لا تنوير كما الأسلوب الثقافي، وهو ما أسهم في إعادة سؤالٍ جوهري مهم : هل كل ما كان مجرّد أحلام وهلوسات لا معنى لها في ظلّ متغيّرات الواقع وتحدياته ؟ لتأتي الإجابة على لسان الأكبر (اسمعوا.. إن غياب الجد لا يعني أن تكونوا كمن غاب عنه العقل ، عليكم أن تسألوا أنفسكم ) ص34 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي