الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية القياده والأمه

أياد الزهيري

2019 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


جدلية القياده والأمه
لا شك ما للقياده من ضروره بالغه في حياة الشعوب والأمم , هذه الضروره هي محل أتفاق الكثير من المفكرين والفلاسفه , ولكنهم مختلفون في دور ومساحة وحدود هذه القياده , فمنهم من يعتبرهم أنهم من يصنع التاريخ , وهناك من يعتبرهم , هم صناعة المجتمع الذي عاشوا فيه , ومنهم من يعتبروهم أنهم ممثلين لروح الأمه , وتجسيد لأرادتها ومنهم الفيلسوف الألماني هيجل ,حيث يقول (أن البطل هو تجسيد لأرادة الروح العام) , وهذا ما يتفق والحديث النبوي (كما تكونوا يولى عليكم).
أن الأمه التي تعجز عن ولادة قائد تكون أمه تتصف بالعجز والشيخوخه , أمه تتعثر في مسيرها ويزيد من كبواتها , مما يعرضها لخطر السقوط والتلاشي , وهذا أمر ليس بالغريب ,فالأمه كلكائن الحي , تحيا وتمرض وتموت , وتنجح , وتفشل, فالأمه الأمريكيه ولدت , وهناك أمم وحضارات قديمه أندثرت وأصبحت من الغابرين ,من أمثال الحضاره الفرعونيه والبابليه وحضارة المايا وغيرها الكثير ليس هنا مورد ذكرها جميعآ . كما أن الأمه التي لا تمتلك رساله تكون أمه سائبه , لا يخالجها شوق الى تحقيق هدف يكون الأساس في صيرورتها نحو التقدم والتكامل , لذا يكون من المهم أن تكون هناك قياده تعبر عن روح الأمه في رسالتها بالحياة , وتترجم هذه الرساله بالتعبير عن روحها وقدرتها بالقوه لتستنهضها وتوظفها في صيروره دائمه لكي تسري في عروقها عناصر الحياة فيها لكي تضمن حيزها الوجودي بين الأمم الأخرى.
الأمه الرساليه تستوجب قياده تستوعب قصدية هذه الرساله وواعيه لأهدافها لكي تضمن وحدتها وزخم حركتها التصاعديه , كما أن الضروره الأخرى التي لا تقل أهميه من الأستيعاب الا وهو الأيمان بها والقدره على تجسيدها على أرض الواقع , وهذا لا يمكن تحقيقه الا أذا توفر فيها عنصر الأخلاص . كل هذه العناصر تجعل الأمه تتجنب الوقوع في وحل الأحباط واليأس ,والذي تسبقها حاله من التخبط والفوضى والذي يقود بلا شك الى أنكسار نفسي, مما يضعها على عتبة الفناء , والذي تسبقه كذلك حاله من الاختلاف والصراع المستمر الذي يقود الى أستنزاف قوى الأمه , ويحولها الى أمه قلقه , مشلوله الفكر , عاجزه عن الأنتاج , فتتحول الى أمه متواكله مشلولة القوى , وهذا ما يعرضها لأن تكون فريسه سهله للأمم القويه المتربصه بها والطامحه للصعود على أكتاف غيرها من الأمم المهزومه. الأمم الضعيفه دائمآ ما تغري الأمم الطموحه بنزع كل مقدراتها , وتعتبرها أمه فاقده لمبررات وجودها , وهذا هو عين ما تسعى له الأمه الأمريكيه بأعتبارها أمه يافعه ولها من الحيويه والقدره على التجدد ما تسمح به لنفسها بأزاحة الأمم الأخرى والتي تعتبرها في وحدة قياسها الأمبرياليه بالأمم التي بلغت حد الشيخوخه الحضاريه , مما يستدعي هدمها وبناء نظام جديد على آثارها, وهذا هو عين ما يحدث من صراع في منطقة الشرق الأوسط . أن ما يؤسف له , وما يشكل خطوره أكبر أن هناك دول وشخصيات نافذه سياسيه وثقافيه قد أندمجت بهذا المشروع وأصبحت من أدواته الفاعله , وهذ ما جعل القوى المناهضه لهذا المشروع في وضع صعب , ومكمن هذه الصعوبه أن أمريكا وأسرائيل نجحت بخلق ساحة صراع طويل وعنيف بين أبناء الأمه الواحده , حتى أن ما يزيد الامر سوداويه هو خلو الساحه من عناصر قياديه قادره على تفكيك الأزمه القائمه وتغير وجهة الصراعات البينيه الى حالة مقاومه بأتجاه الخصم المشترك .
أن حضور الأمه مرتهن بحضور القائد . ولكن هذا لا يعني أن القائد هو من يخلق الأمه ,بل هو من يساعدها على نظم أمرها , وتوجيه قواها الخلاقه , وأنذارها لما يحيط بها من مخاطر , فيهيء قابليتها وأستعداداتها لدفع المخاطر عنها في عالم مليء بالصراعات والمطامع والمؤامرات, وهذا ما لمسناه عند أجتياح داعش الأرهابي لأرض العراق , فكان حضور السيد السيستاني بفتواه الجهاديه الكفائيه أكبر الأثر , وعظيم القدر في تفاعل الأمه وأنجاز الأنتصار على داعش , وأفشال أخطر مخطط أرهابي ودولي بسحق شعب وتمزيق بلد في العصر الحديث , فلولا هذه الفتوى لكانت المجازر تفوق ما حدثت من مذابح في راوندا بين قبيلة التوتسي والهوتو والتي راح ضحيتها فقط في مئة يوم 800 ألف مواطن. أذن فوجود الأمه وديمومتها ونجاحها يتوقف على وعي وفاعلية قيادتها.
من المهم أن يكون القائد منسجم مع روح الأمه ويؤمن بقدراتها , ويتقدم مسيرتها , ويعيش معاناتها , وينهض بها الى مستويات حضاريه يجعلها تثق بنفسها بأنها أمه حيه لا زالت تسير بمسار التكامل الحضاري. هناك تجربه حصلت ولا زالت في العالم العربي حققت صوره قياديه ناجحه الا وهي قيادة حزب الله اللبناني , هذه القياده وبسبب ما توفرت لها شروط القياده الناجحه حققت ما لم تحققه قيادات عربيه كثيره , على رغم ما طبل لها أعلاميآ كجمال عبد الناصر , وصدام حسين , والقذافي وغيرهم الكثير , كلهم فشلوا رغم أمكانياتهم الماديه والأعلاميه الكبيره أمام أسرائيل , في حين مجموعه صغيره في الجنوب اللبناني بقياده شابه تكاملت فيها العناصر القياديه الحقيقيه , نجحت في تحقيق ما عجز عن تحقيقه كل الحكام والقيادات العربيه .
يتضح مما ذكرنا أعلاه أن الأمه تمتلك قدره هائله من الطاقه الكامنه , لكن هي تحتاج الى من يعرف جيدآ كيفية تفجيرها بالأتجاه الصح والمنتج. أذن أن الأزمه الحاليه هي أزمه قياديه بالدرجه الأولى , ولكن لا يعني غض النظر عن ما على الأمه من واجبات , والتي تتمثل بالتفاعل الأيجابي مع القياده والتي تتمثل بالأنضباط , والأخلاص , والعمل الجاد , لأن الأمم الغير نشيطه لا تستطيع الأرتقاء مهما كانت القياده تتصف بالألمعيه والشجاعه والأخلاص , فالعلاقه بين الشعب والقياده هي تبادليه , تفاعليه , تعتمد الأنسجام والتوافق لكي لا ينزلق المجتمع الى هاوية الخصومه التي تقود الى الفوضى.كما من المهم الأشاره الى قابلية الأمم الحيه في ما توحيه من طاقه أيجابيه في نفسية القائد , وتشعره بمزيد من المسؤوليه من خلال روحها التشجيعيه له , وأشعاره بتضامنهم معه , وهذا ما ينقلنا الى ما عانها الأمام علي (ع )في فترة حكمه من بعض رعاياه وجنوده الذين تقاعسوا عن نصرته , وتعللوا بالحر مره وبالبرد مرتآ أخرى , وهناك منهم من عصى أوامره , بل وهدده بالعصيان المسلح أذا لم يستجيب لرأيهم , في جو حربي يكون القائد في أحوج ما يكون لطاعة جنده , وهذا ما حداه الى الشكوى منهم في قوله (أعرفكم معرفه والله جرت ندما وأعقبت سدما , قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا وجرعتموني نغب التهمام أنفاسآ.....) هكذا تكون معاناة القائد عندما يفقد أخلاص رعاياه وقلة نصرتهم له , وعدم تعشقهم وهضمهم لأفكاره وأهدافه , في حين هناك من يؤمنون بأستراتيجة القائد ,لكن لم يبدو الأستعداد والهمه ليكونوا عونآ له في الوصول لأهدافهم التي طالبوه بها , وهذا النوع شبيه بأصحاب النبي موسى (ع)عندما قالوا له أصحابه (أذهب أنت وربك فقاتلا أنا هاهنا قاعدون)، هذا النوع من الجمهور هو من يخل بمعادلة العمل الناجح والمنتج = قياده ناجحه مخلصه+شعب عامل مخلص .
يمكننا الرجوع لفترة سبعينات القرن الماضي حيث كانت هناك قياده توفرت فيها كل عناصر القياده الناجحه من (العلم , والشجاعه , والأخلاص , والأيثار , والقدره على التضحيه) ولكن للأسف لم يكن هناك جمهور متفهم لهذه القياده , فكان هناك قصورآ أجتماعيآ في عدم القدره على التفاعل مع هكذا قياده , وطبعآ هناك ظروفآ سببها الكثير من العوامل والتي ليس هنا محل ذكرها ساهمت بتأخير ألتحاق الأمه بقيادة الشهيد الصدر الأول , فحصل خلل في تركيب هذه المعادله والذي سبب في رحيله المبكر على يد صدام حسين , والذي جس نبض الشارع في وقتها عندما أعتقله مع أخته بنت الهدى , ومن ثم أعدامه حيث لم يحرك الشارع ساكنآ ومر أعدامه بهدوء , الا اللهم بعض الأحتجاجات الصغيره والتي قمعها النظام بيسر وسهوله. من المهم الأشاره الى أن الصدر الأول كان عارفآ بقلة وعي الأمه ومدى ما تعتريها من حالة القصور العام ,لذا قال في كتابه (الأسلام يقود الحياة) عن مسؤولية القائد (يكون مسؤولآ عن تربية القاصر, وقيادة الأمه لأجتياز هذا التصور وتسلم حقها في الخلافه العامه) . فقد حرم الشعب العراقي من فرصه قياديه قلما يجيد بها الزمن , ففي خلو الساحه العراقيه من العنصر القيادي والذي عملت حكومة البعث بأستأصالها أينما ظهرت , ساهم بأهدار قدر هائل من الدماء , والتي خسرت توظيفها في أطار خطط ونظريات مواجهه أستراتيجيه كما يقول الكاتب العراقي (عادل عبد الرؤوف) والذي يقارن ذلك في دماء أخرى أقل أريقت (أذ أن ساقيه من الدماء المرشده والمقننه بأمكانها أن تحصد الأنتصار كما في نموذج حزب الله في لبنان, وبحر من الدماء الفاقده للدماغ التخطيطي والعقل القيادي ستفشل في نيل الأنتصار). أن من المهم الأشاره الى عنصر مهم في فعالية وأنسجام الأمم والشعوب , الا وهو الفكره أو المبدأ الذي يجمع القائد مع الجمهور في وحده واحده , يخلق الدافع على العمل ويوحد فيهم أتجاه المسيره نحو الهدف , ويغلق الأبواب أمام أي حالة أختلاف بينهم مما يعجل بصيرورة المسير نحو الأرتقاء , لأن الشعب الذي يؤمن بمبدأ معين يكون مستعد بتفجير كل طاقاته الكامنه في تحقيق ما يصبو اليه.
يتضح مما سبق أن الجمهور هو العامل الآخر في عملية الحسم في التحول التاريخي . فهو المسؤول عن التغير سلبآ أم أيجابآ , ولذلك يحمله القرآن هذه المسؤوليه بقوله (ظهر الفساد في البر والبحر بماكسبت أيدي الناس) , ولكن للأسف يتسم مجتمعنا في هذه اللحظه التاريخيه بالأتكاليه والكسل , أضافه لما يحمله من ثقافه قدريه مغاليه, هذا ما جعلهم ينتظرون بطلآ ينزل عليهم من السماء أو يخرج لهم من باطن الأرض ليحقق لهم أمانيهم الورديه لأن القائد حتى لو كان من نوع السوبرمان لا يستطيع مهما أوتي من قوه أن يساهم في عملية التغير التاريخي . أن شجرة الحضاره لم تثمر الا بنسقيها الصاعد والنازل , القائد والأمه .قياده ترفدها بالعبقريه , والشجاعه والأمل, وأمه ترفدها بالأخلاص والعمل .
يمكنني الأشاره الى لقطات تاريخيه حدثت في عشرينيات القرن الماضي , الا وهي ثورة العشرين , حيث توفر فيها عنصري القياده وجمهور مستجيب لنداءها وتوجيهاتها فصنعوا ثوره بوجه المحتل حققوا خلالها تأسيس حكومه عراقيه , على الرغم من هنات أصابتها الا أن القياده بزعامة علماء أعلام على رأسهم السيد محمد تقي الشيرازي , وجمهور متمثل بعشائر الفرات الأوسط كان لها الأثر الكبير في توليد زخم كبير بالتصدي لمحتل غاشم وقاسي , حيث أستبدل الأحتلال المباشر الى أنتداب مؤقت ينتهي الى الأستقلال التام , كما هناك صوره أخرى حصلت في تاريخنا أعقب الصوره الأولى , وذلك بما مارسه رئيس الوزراء آنذاك عبد المحسن السعدون من ضغط ومن ثم نفي القياده العلمائيه والمتمثله بالسيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ الخالصي الى أيران شارطآ عليهم الرجوع بالأبتعاد عن العمل السياسي , ولكن للأسف قبل الأصفهاني بهذا الشرط لظروف خاصه به مما أنعكس بشكل سلبي على الشارع العراقي , مما ساهم ببث روح الأسترخاء بين صفوفهم وقتلت في نفوسهم جذوتة المعارضه وروح الأستسلام والتي للأسف أستمرت فتره طويله الى نهاية الستينات من القرن الماضي مما وفر ظروفآ سانحه ليقفز البعثيون على السلطه . هكذا يكون أنعدام القياده وغيابها تجعل الباب مفتوحه لكل الأحتمالات والتي غالبآ ما تكون معاكسه لأماني الأمه وتطلعاتها , وفعلآ حدثت الكارثه الكبرى بسيطرة حزب البعث على السلطه و والذي تعطل بحكمهم كل قدرات العراق وأدخلوه في حروب لا طائل من وراءها , أذاقوا بها الشعب العراق كل ألوان العذاب والهوان , حتى كان أسوء حكم عرفه تاريخ العراق منذ تأسيسه ولحد هذه اللحظه .
خلاصة الأمر يمكننا ملاحظة التلازم والتلاحم بين الأمه والقائد , عندما ظهرت قيادة الصدر الثاني في تسعينيات القرن الماضي , فكانت قياده ميدانيه , ممتزجه في روح الأمه , فألتفت حولها الجماهير المليونيه في حركه مقاومه للنظام السابق , فخلق هذا التلازم حركه جماهيريه واعيه وفاعله , ولكن للأسف أستطاع النظام من أغتيال هذا القائد مما فقدت الحركه الجماهيريه أحد أركانها الرئيسيه فأصابها بالعرج , لم تيأس الجماهير فأنتظرت ظهور للبديل ولكن بدون جدوى , مما ساهم بفرط عقدها وتشتت جماهيرها مما ساهم بخبوتها . هكذا يكون عنصر القياده مهمآ في حياة الأمم والشعوب , حتى أن هذه الضروره أستدعت شعوب الى البحث عن قائد بين صفحات التاريخ لسد هذا الفراغ المهم والحيوي , محاولين أستنطاق أفكارهم والتفاعل معهم شعوريآ خاصتآ أذا تطابقت ظروفهم السياسيه مع ما مر هذا القائد من ظروف مماثله , لهذا ترى الحسين (ع) حاضرآ في ضمائر العراقيين , وهو القائد الذي يلهمهم الشجاعه والعزيمه والأقدام من قبره الشريف , وشعاره الخالد (هيهات منا الذله) هو من يغذيها بوقود الثوره على كل ظالم . كلنا يعلم ما لهذا الشعار من أثر عظيم بالخروج على النظام الصدامي في ألأنتفاضه الشعبانيه في 1991 في وسط وجنوب العراق , ولكن للأسف عندما لم تحظى هذه الأنتفاضه بقائد أستطاع النظام من أخمادها والتي راح ضحيتها الآلآف من الشباب في مقابر جماعيه قام بها النظام ضد المنتفضين . أن ما تعرض له الشعب العراق من أضطهاد وأباده جماعيه وخسائر ماديه جسيمه , وما يعانيه اليوم من فوضى وأهمال , وتوقف في كل مسارات الحياة , أضافه لما يتعرض البلد اليوم لأحتمالات التقسيم والنهب من قبل قوى طامعه هو فقدانه لعنصر القياده الذي تكالبت كل الظروف لحجب ظهورها.
أياد الزهيري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يُصدر أوامرَ إجلاءٍ من رفح ويقصف شمال القطا


.. قصف متبادل بين مليشيات موالية لإيران وقوات سوريا الديمقراطية




.. إسرائيل و-حزب الله- يستعدان للحرب| #الظهيرة


.. فلسطين وعضوية أممية كاملة!.. ماذا يعني ذلك؟| #الظهيرة




.. بعد الهجوم الروسي.. المئات يفرّون من القتال في منطقة خاركيف|