الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أساتذة بصموا مساري الدراسي

علي أحماد

2019 / 8 / 11
سيرة ذاتية


غادرت الإعدادية الجديدة لألتحق بثانوية الحسن الثاني ، وكانت أنذاك الثانوية الوحيدة بالبلدة .يختلط فيها الأساتذة القادمون للتدريس بها من مختلف مناطق المغرب ناهيك عن بعض الأجانب (فرنسا ودول معسكر الشرق) وثلة من أبناء المنطقة ( بنجدي..الناصري..علابو...السريري...التواتي...خدجي.....الطالب/الأسمر... وبوريجا ) وأسماء سقطت سهوا من الذاكرة وتلاشت مع مرور الأعوام .
كان أستاذ اللغة العربية رجلا فارع الطول ، جميل المحيا ، من قبائل زمور لكنته العربية تفضح انتماءه العرقي . يبالغ في اخذ زينته . يقوم أثناء إلقاء الدرس بحركات فيها من الأنوثة ما يستفز وما يجعلك إن لم تكرهه تتمنى لو أقلع عنها .
استحق من التلاميذ لقب " حميد الزاهير" ، لأن بينه وبين الفنان المراكشي صاحب " للا زيرو " شبه صارخ لا تخطئه العين . يهتم بمظهره وأناقته بشكل ملفت للنظر ، إلى حد أنه يتعفف في لمس الطبشور ، ويتأفف إذا علق به الغبار الأبيض فيسرع الى نفض يديه أو رقعة من ملابسه .
شعر يميل الى اللون الكستنائي ( ربما خالطته الأصباغ ) ، حريري الملمس . وجه أمازيغي مشرب بالحمرة والبياض . الإناث بالقسم تسمع وشوشتهن في بوح خجول تغزلا به ، رغم أن عددهن قليل لا يتجاوز عدد أصابع اليدين .
كنت تلميذا فرضت عليه ظروف العوز والفاقة العزلة ، فمن ينشد نسج علاقة صداقة مع من يرتدي ملابس كالأسمال ، وينتعل حذاء يكاد ألأصبع الكبير يقفز منه كراس سلحفاة تتحسس الخطر في المكان .
رغم انطوائي كنت شغوفا بالدراسة ، ولا أتغيب أبدا ، متنقلا بين مقر سكناي البعيد بأطراف المدينة والثانوية في القر كما في الحر وكليهما جحيم ... أتدثر في جلباب صوفي أبيض حال لونه وتآكل نسيجه حتى فقد نصاعة بياضه التي مالت الى الصفرة ...لم أنعم كغري بجوارب صوفية أو قطنية. أضع رجلاي في كيس بلاستيكي وأدسهما في الحذاء المطاطي الذي تملأ جوفه أمي بنخالة تحميها فوق المدفأة قبل أن أغادر الدار بعد سماع المذياع وهو يعلن السابعة صباحا بموسيقى طبعت ذاكرة جيلي ....أعشق القراءة مما توفر من مجلات...أنتظر بشغف الحصول على مجلة العربي كلما تحصلت على قطعتين فضيتين ( درهمين ) أقتنيها من كتبي قرب باب السويقة حيث دكاكين بائعي التمر والحناء من فيلالة . أدسها تحت إبطي وأهرول الى البيت لألتهم أوراقها وسطورها...أو أكتري كتب " زامبلا " " روديو "...حيث سهلت علي تعلم الفرنسية .
أعود الى الأستاذ فهو الذي وضعني على سكة الكتابة أو لنقل التعبير الكتابي . لم تكن النقط التي أحصل عليها في هذه المادة ترضي الأستاذ فقد كانت متدنية . ذات صباح والزملاء يغادرون قاعة الدرس طلب مني أن أنتظره . دق قلبي فرقا بين ضلوعي كمنبه ساعة .
توجه بالكلام الي قائلا :
" لست أدري كيف لا تحصل على نقط جيدة في الإنشاء ، مع العلم أن لك مؤهلات تيسر لك التفوق "
وقفت صامتا وإطراء الأستاذ يدغدغ كل جوارحي .
لم أغادر الحجرة حتى علمني بعض تقنيات الكتابة .
أتذكر أن الرجل وهو يفكك رواية " رجال تحت الشمس " لغسان كنفاني ، طرح علينا السؤال :
" ماذا يقصد الكتاب بقوله ( فقد رجولته ) ؟ "
عم الصمت القاعة وكأن الطير فوق رؤوس الجميع . تحاملت على نفسي ورفعت أصبعي تحت أعين الجميع . قلت والعرق يتصبب من كل مسام جسمي :
" يعني الكاتب أن البطل يعاني الضعف الجنسي و عدم القدرة على الإنتصاب ومعاشرة النساء "
نظر الي وحسبته سينزل علي تقريعا ولكنه استحسن جوابي ولم يخف عجبه من جرأتي ...
لا يسعني في نهاية هذه الورقة سوى القول : " إذا كان الرجل على قيد الحياة فله مني أزكى السلام ، وإذا التحق بالرفيق الأعلى فله علي الدعاء بالرحمة والمغفرة "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش