الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اَلْسُّوْدَاْنُ وَتَحَدِّيَاْتُ اَلْبَقَاْء ..!

فيصل عوض حسن

2019 / 8 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لا أوَدُّ الحديث عن الاتفاقِ بين المجلس العسكري والحُرِّيَّة والتغيير، وجرائمهم وخِياناتهم/مَخازِيهم المُتتالية واستهتارهم بمصائر البلاد والعباد، وسأركز على (التذكير) بأبرز التَحدِّيَّات التي لا تنسف فقط الاِّتفاق المزعوم، وإنَّما تُهدِّد (بقاء) السُّودان بكامله (أرضاً وشعب)، وهي تَحدِّياتٌ (صَنَعها) المُتأسلمون من العدم ورَعَوها، بمُساعدة/تنسيق بعض مُدَّعي النضال والموصوفين بقادة/رموز، تنفيذاً لتوجيهات/استراتيجيات سادتهم بالعالم الخارجي.
تَتَنَوَّع هذه التحدِّيات ما بين سياسِيَّة/سِيادِيَّة إلى اقتصادِيَّة واجتماعِيَّة، ويأتي في مُقدِّمتها (تَحَدِّي) تحقيق السَّلامِ، بحدوده وأشكاله العديدة والمُتشابكة، والتي تشمل ضحايا الإبادة الجماعِيَّة والحرب ضد الإنسانِيَّة، وضحايا الإعتقالات والإعدامات والقتل المُمَنْهَج منذ 1989 وحتَّى الآن، والذين نُزِعَت/صُودِرَت أملاكهم (أراضي/أموال)، ومُنِعُوا من العمل بِحِجَّةِ الصَّالِحِ العام وغيرهم، فهؤلاء جميعاً يحتاجون لتطييب نفوسهم المقهورة وجَبْرِ خواطرهم المسكورة، وهذا لا يتم إلا بمُحاسبة ومُحاكمة كل من تَسَبَّبَ/شارَكَ في الإضرار بهم، وهي استحقاقاتٌ صعبةُ الاستيفاء وفق المُعطيات الماثلة! ولو أخذنا دارفور والمنطقتين كمثال، فإنَّ استحقاق السلامِ فيها يتطلَّب إرسال البشير ومُعاوِنيه فوراً للمحكمة الجِنائِيَّةِ الدَوْلِيَّة، ومُحاسبة/مُحاكمة جميع نُوَّابه ومُساعديه، ووُلاة الولايات (قبل وبعد التقسيمات الإدارِيَّة الماثلة)، بجانب القادة العسكريين (جيش/شُرطة) لمُساهمتهم في تلك الجرائم! كما يتطلَّب السلام، إعادة النَّازحين لمناطقهم وإرجاع أملاكهم إليهم، ومُحاسبة/مُحاكمة الوافدين المُتواجدين فيها والمُستفيدين منها، وهذا يعني مُحاكمة البرهان ونائبه المُرتزق حِميدتي ومليشياتهما، وليس قبولهما و(التفاوض/الاتفاق) معهما. وكذلك الحال لمُتضرِّري السدود بشرق وشمال السُّودان، ومشاريع الرهد والجزيرة والسُّوكي والنيل الأبيض والشماليَّة وكُرْدُفان، وأراضي بُرِّي وأُم دُوْم والجِرِيْف شرق وغرب والفِتِيْحَاب وغيرها، إذ يجب إرجاعها فوراً لأصحابها (الأصيلون)، وإخضاع المُتواجدين فيها والمُنتفعين منها للمُحاكمة، هذا بجانب عَدَالَة المُشاركة في السُلطَة والثروة وغيرها من الأمور المعلومة، وما لم نفعل هذه الاستحقاقات بصرامةٍ ودون استثناءات، فلا نعشم في سلامٍ بالسُّودان.
يعقب السَّلام، (تحدِّي) تغيير التركيبة السُكَّانِيَّة، بعدما جَلَبَ المُتأسلمون مجموعاتٍ أجنبيَّةٍ عديدة، ومنحوهم الجِنسيَّة والأوراق الثبوتِيَّة، ومَلَّكُوهُم الأراضي خاصَّةً بشرق وغرب السُّودان، وألحقوا غالبيتهم بمليشياتهم المُختلفة كـ(الأمن، كتائب الظِل، الجنجويد، الشرطة ... إلخ)، وبعضهم اسْتَوْزَر وتَقَلَّد مناصب حَسَّاسة بالدولة، وارتكب أبشع الجرائم ضد السُّودانيين، وأخطرها التجنيد على أُسُسٍ إثنِيَّة وفق ما أوضحنا بمقالنا (الغَفْلَةُ السُّودانيَّة) بتاريخ 26 مايو 2019، وما يزال التجنيد مستمراً حتَّى الآن، إذ تمَّ تخريج دفعة جديدة من الجنجويد يوم 6 أغسطس 2019. والمُؤسف أنَّ انتهازيي الحُرِّيَّة والتغيير، انشغلوا بالمُحاصصات الوزاريَّة، وتَعاملوا باستهتارٍ كبير مع قضية الهُوِيَّة عموماً، وتغيير التركيبة السُكَّانِيَّة خصوصاً، ولم يستوعبوا خطورة أُولئك (المُجَنَّسين)، وولائهم المُطلق لبلادهم الأصيلة، وعدم ارتباطهم وُجدانياً بالسُّودان وأهله! والعلاجُ النَّاجِعُ لهذا التحدِّي الخطير، يكون بإلغاء جميع الجنسيَّات وما يُسمَّى أرقام وطنِيَّة، الصادرة من 1989 وحتَّى الآن، والعودة لقوانين الجنسيَّة التي كانت مُطَبَّقة من قبل، ومُحاكمة جميع وزراء الدَّاخلِيَّة ومُدراء الشرطة ومُعاونيهم، وكل من يثبُت تَوَرُّطَه في استخراج/مَنحِ الجنسيَّة لمن لا يستوفيها، باعتبارها "خيانة عُظمى"!
يتمثَّل التحدِّي الثالث في تَصاعُد التحشيد القَبَلي/الجَهَوِي، الذي أجَّجَ نيرانه المُتأسلمون وتَاجَرَ به المُغامرون، وأشعلوا الفِتَن وأزكوا روح التفرقة/الشتات بيننا، إشباعاً لأهدافهم/مطامعهم الماليَّة والسُلطَوِيَّة. و(فِرْيَةُ) العُنصُرِيَّة/التهميش ينفيها تَلَاحُمِ السُّودانيين وتَرَابُطهِم الإنساني الكبير، عبر الزمالات الدِراسِيَّةِ والجِيْرَةِ والمُصَاهَرَةِ وغيرها، كما ينفيها انتشار (القَمع/الظُلم) بجميع أرجاء البلاد! وتزداد هذه القناعة أكثر، لو تأمَّلنا أوضاع مُدَّعي النِّضال المُتدثِّرين بالجَهَوِيَّة، فسنجدهم جميعاً ودون استثناء (هم وأُسرهم/عائلاتهم)، لا يدفعون تكلفة الجَهَوِيَّة التي يتدثَّرون بها، ويستخدمونها وفقاً للحاجة والمصلحة، بما في ذلك التَحالُف والتنسيق مع المُتأسلمين، والأمثلة عديدة ولا مجال لحصرها. وما يُمكن قوله عموماً أنَّ (قواعد) الشعب السُّوداني مُتلاحمين ويستشعرون بعضهم بعضاً، وآخر مظاهر ذلك ما جرى خلال حِراكنا الحالي، حينما التحم السُّودانيُّون ووقفوا صفاً واحداً ضد المُتأسلمين، مُتجاوزين كياناتنا الانتهازيَّة وقادتها المُتكلِّسين، فلا نقع في هذا الفخ لو أردنا النَّجاة، ولنُسخِّر طاقاتنا/قُدراتنا ضد الخَوَنَة والانتهازيين والأعداء الحقيقيين، بدلاً عن استهداف بعضنا البعض!
التحدِّي الرَّابع يتمثَّل في الاحتلال سواء بِغَلَبَةِ السِّلاحِ أو المال، حيث تحتل مصر حلايب وغالِبيَّة الأراضي النُّوبِيَّة حتَّى جزيرة صاي، وفق ما ذَكَرْتُه في مقالتي (اَلْمَشَاْهِدُ اَلْأَخِيْرَةُ لِمَخَطَّطِ تَمْزِيْقِ اَلْسُّوْدَاْنْ) بتاريخ 19 أبريل 2019، بخلاف استحواذ المصريين على مليون فَدَّان بالشِمالِيَّة (مشروع الكنانة)، وعَبَث جَرَّافاتهم بمياهنا الإقليميَّة بالبحر الأحمر. في ما أقام الإثيوبيُّون قُرىً كاملةً بـ(مَحْمِيَّة الدِنْدِرْ)، عقب احتلالهم للفشقة وما حولها منذ 1995. وبَاعَ المُتأسلمون مساحاتٍ شاسعةٍ للصين وروسيا والسعوديَّة، وميناء بورتسودان للإمارات ومَنَحوا سَوَاكِن للأتراك، وهناك الأطماع الإريتريَّة ببعض أراضينا، وفق ما تَنَاوَلته في مقالاتٍ كثيرة، كـ(اَلْاِلْتِقَاْءُ اَلْإِثْيُوْبْيُّ اَلْإِرِيْتْرِيْ: قِرَاْءَةٌ مُغَاْيِرَة) بتاريخ 23 يوليو 2018، و(اَلْسُّوْدَاْنُ مَسْرَحُ اَلْدُّمِي) بتاريخ 5 أغسطس 2018. كما تمَّ إفراغ دارفور من أهلها (الحقيقيّين) واستبدلوهم بآخرين، منحوهم الجنسيات ومَكَّنوهم من الأراضي والمُمتلكات، في أكبر جريمة لتغيير التركيبة السُكَّانِيَّة بالسُّودان. وبالمُحصِّلة، يُمكننا القول بأنَّ غالِبيَّة أراضينا مُحتلَّة أو مُبَاعَة، وتحريرها/استردادها يحتاج مِنَّا لـ(وحدةٍ) حقيقيَّةٍ قَوِيَّة، ومواقف (صَارِمة) مع الدول المُحتلَّة وليس قبول (وَساطاتها)، و(الانصياع) لتوجيهاتها/أوامرها، على نحو ما رأينا من انتهازيي الحُرِّيَّة والتغيير ولا نزال!
يأتي الاقتصاد كخامس التحديات (الخطيرة) التي تُواجهنا، وتِكمُن خطورته في استغلاله/تطويعه لـ(تركيعِنا) وتحوير خياراتنا. وفي الواقع، يُعاني اقتصادنا انهياراً شبه كامل، عقب التدمير الإسْلَامَوِي المُمَنْهَج لعناصره/أدواته الإنتاجِيَّة بالبيع أو الرَّهن، مُتَّخذين مُبرِّرات عديدة لذلك التدمير، كالحصار الذي صنعوه بالتنسيق مع الأمريكان، أو بِحِجَّةِ التحرير الاقتصادي وغيرها من المُبرِّرات، مع إغراقنا في الديون التي قاربت الـ60 مليار دولار! وحتَّى لو حدثت انفراجات اقتصادِيَّة (شَكْلِيَّة/مرحليَّة)، كتَحَسُّنِ قيمة الجنيه أو أسعار بعض السَلَع/الخدمات، تبعاً للمِنَحْ/العطايا أو القروض (مُستحقَّة الدفع)، فبجانب تعقيدها لحالتنا المأزومة أصلاً، ستكون انفراجة محدودة (قِيَمِيَّاً ووقتياً)، وسُرعان ما ستعود مظاهر/مؤشرات الانهيار، لأنَّ مشاكلنا الاقتصادِيَّة بِنْيَوِيَّة/هيكليَّة، وأنَّنا لا نُنتِج عقب تَوَقُّف وبيع/رَهن جميع عناصر وأدوات إنتاجنا، وهي حالة يستحيل مُعالجتها/تجاوُزها بالوعود الزَائفة كأكذوبة إعفاء الديون أو رفع اسمنا من قائمة الإرهاب، أو التعويل على علاقات هذا أو ذاك وغيرها من المَتَاهَات!
الأملُ الوحيد لمُجابَهَة التحدِّي الاقتصادي، يكون باسترجاع الأموال التي نَهَبها المُتأسلمون، وهي كفيلةٌ تماماً باحتواء الأزمة المالِيَّة، وتسهيل إعادة بناء الاقتصاد، ويكفينا معرفة أنَّ عوض الجاز وحده، يملك (64 مليار دولار)، وفق جريدة "المدينة" في 26 أبريل 2019، نقلاً عن ويكليكس، وهذا مبلغٌ يُسدِّد جميع ديون السُّودان بفوائدها ويفيض، فكيف ببقِيَّة أعضاء العصابة الإسْلَامَوِيَّة ورئيسهم البشير وإخوته! علماً بأنَّ الأموال المُسْتَرَدَّة، سَتُسْتَغَلَّ في تحرير مُقدَّراتنا الإنتاجِيَّة (مشاريع، أراضي/مُؤسَّسات)، من براثِن الدَّائنين الذين سيُقاومون تحرير هذه المُقدَّرات، وتأهيلها وإعادتها للإنتاج. وسنستغلُّ الأموال المُسْتَرَدَّة أيضاً، في تلبية الاحتياجات الحيويَّة المُلِحَّة، وتخفيف (حِدَّة) أزمتنا الاقتصادِيَّة المُتراكمة، رغم تعقيداتها الهيكليَّة، ولا مجال لنجاة اقتصادنا غير هذا السبيل.
أُدرك تماماً (تعويل) الكثيرين على الاتفاقية المزعومة، رغم ثقوبها و(عِلَلِها) البائِنَة، والآمال/الأحلام الكبيرة في أن تُساهم في استقرار السُّودان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، إلا أنَّ من المُؤسف القول بأنَّ انتهازيي الحُرِّيَّة والتغيير لم يرتقوا لمُستوى هذه التحدِّيات الخطيرة حتَّى الآن، ولا تجد مساحة ضمن اهتماماتهم، من واقع مُمارساتهم التي نراها أمامنا واقعاً مُعاشاً، ولا تحتاج لاستدلالٍ أو استشهاد. وكذلك الحال، بالنسبة للمجلس العسكري الإسْلَامَوِي يعمل لاستكمال مُخطَّط تفكيك وتذويب السُّودان الذي بدأه البشير، ولقد فَصَّلْتُ هذا في عددٍ من المقالات أيضاً، كمقالة (اَلْمَشَاْهِدُ اَلْأَخِيْرَةُ لِمَخَطَّطِ تَمْزِيْقِ اَلْسُّوْدَاْنْ) يوم 21 أبريل 2019، و(اَلْسُّوْدَاْنُ بَيْنَ اَلْخِيَاْنَةِ وَاَلْأَطْمَاْع) بتاريخ 21 يونيو 2019 وغيرهما. وبما أنَّ (الموضوعِيَّة) تُحتِّم علينا الصراحة والوضوح دون تجميلٍ أو تخفيف، حتَّى ولو كان ذلك (مُؤلِماً)، فإنَّ مُواجهة التحديات أعلاه وغيرها مسئوليتنا نحن كشعب بالدرجة الأولى، وبدلاً عن الانشغال بترشيح هذا أو ذاك، وانتظار تَحَقُّقِ الآمال والأحلام، فلنستشعر سريعاً ودون تسويف خطورة هذه التحديات على (بقاء) السُّودان كدولةٍ وشعب، والتعامل معها بموضوعِيَّةٍ وجِدِّيَّةٍ استناداً للعلم والفكر، وبعيداً عن العواطف والأحلام/الرَغبات.. وللحديث بقيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا