الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة يوم النخلة العراقية 14 آب أغسطس؛ الكرنفال السنوي حزين هذا العام

تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)

2019 / 8 / 14
الصناعة والزراعة



في ستينات القرن المنصرم وما تلاها كان العراق، يتقدم بثبات واتساع متسارع لبساتين النخيل وغاباته حتى كان الإحصاء يضع البلاد الموضع الأول عالميا؛ فضلا عن مئات أنواع التمور الأمر الذي وصل الـ625 بأجود الأنواع وأفضل مستويات الإنتاج… وما أن تأتي الحروب متعاقبة حتى تلتهم ملايين أشجار النخيل.
ولكنّ الكارثة الأنكى أنّ البلاد باتت منذ 2003 تخوض معركة من نوع آخر، حيث المعركة الوجودية بين الحياة والموت. فالعراق (الجديد) يمتلك وزارات ومؤسسات مثل الهيئة العامة للنخيل [لم نشهد لها جديا عملا كبيرا مأثورا] ومركز دراسات النخيل في البصرة [لا يملك فرصة للعمل لخلوه من أي شكل للدعم] ومختبراً في الناصرية [بلا اشتغال إلا أن الوزارات ليست سوى هياكل لاقتسام الغنيمة فيما المؤسسات والمراكز محذوفة من موازنات جدية تمنح طاقة العمل والفعل؛ والمتابع لا يجد لا إحصاءات ولا قياسات ولا أي شكل لأرقام تضبط الأمور وتساعد على رسم خطط الحياة و-أو استعادتها…
بينياً أود وضع تساؤل مخصوص حول إحصاء النخيل: إذا كان إحصاء البشر يجابه ظروفا أمنية وسياسية فهل إحصاء الشجر ومشروعه بات مستحيلاً!؟ وكي لا نبقى بحيرة وبلا صحيح خطط وسليم اشتغال، كان هناك مشروع بعنوان: مشروع ترقيم النخيل على طاولة مجلس الوزراء عام 2013، وظل بحالة تأجيل على وفق منطق الأولويات! ولكن أليس من الأولوية أن نشرع بإنتاج يعود على الناس بالخير؟ ألا ينبغي عدم تأخير قضايا استراتيجية كهذا المشروع الوطني الذي يدخل بكل مفاصل الحياة العراقية من زراعة وصناعة سواء تقليدية أم حديثة وأنشطة سياحة وتحسين بيئة؟ ألا يجذب هذا حلا يجابه التصحر ونقص المياه بطريقة مباشرة وغير مباشرة؟؟
إنّ حصة العراق المائية في تناقص ليس بسبب البيئة كما يقال بل بسبب السياسات العامة وآثارها إذ هناك إهمال للمطالبة بحق البلاد وحصتها المائية وأبعد من ذلك هناك طريقة استثمار وإدارة حيث الهدر والصراع السلبي على توزيع النسب المائية والأخطر ذاك التدافع بين الوزارات والمسؤوليات وبينها وبين من يسطو على الأرض والناس…
فتجريف البساتين على قدم وساق منذ 16 سنة؛ مرةً لمصلحة ما يقولون: إنه اشتغال شركات النفط وأخرى لادعاء بناء مساكن، الأمر الذي يجري تمريره بلعبة مقصودة لتحويل الأرض إلى أرض بور يسهل بيعها وشراءها بصفة مشروعات من كل الأنماط إلا نمطها الفعلي الحقيقي اي الزراعي! وكأن استراتيجيات الدولة ومشروعاتها لا تقوم إلا على حساب بساتين هي شريان حياة البلاد والعباد. وإذا كان الأمر كذلك في البصرة فإن التجريف في ديالى ونواحيها وأقضيتها يتم بألاعيب فرض اليباس والتجفيف بمعاونة فجة صارخة من قوى خارجية واتباع لها على الأرض ليجري تاليا مثلا، إشعال الحرائق ومن ثم البيع القسري ونقل الملكية إلى جهات مشبوهة في غاياتها لعل أولها التغيير الديموغرافي وليس آخره اغتيال الشجر مع البشر!
والآن، ما هو حجم الأرض البور اليوم؟ كم هو حجم التصحر؟ أين وصل وكيف اخترق المدن والقرى وغزاها في قلبها بعد أن أتلف أحزمة المدن؟ وما نسبة الماء الذي بقي ليصل أراضٍ كانت تُسمى بساتين الخير وكانت تشكل مصدراً غذائيا واقتصاديا للتبادل التجاري فضلا عما يخلقه من أجواء بيئية؟؟؟
كم حجم مساحات البساتين التي جرى تجريفها ومن ثمَّ كم حجم أعداد أشجار النخيل؟ ما الصناعات التقليدية والحديثة التي كانت يوماً شائعة في وادي الرافدين وصارت اليوم في خبر كان؟؟ كيف يمكن الاطمئنان لأراض ملوثة باليورانيوم المنضب وغير المنضب ولمنتجها؟
ما نوع الرقابة النوعية لرصد المنتج؟ ومن المسؤول عن فعل الرقابة الصحية؟ ما هي الأمراض التي أصابت النخلة العراقية المغدورة ومن أين جاءت مثل الحميرة والدوباس ومن يأتي بها؟ وكيف التصدي لها؟ أين الحملات الوطنية للإنقاذ؟ كيف تُترك الأمور سبهللة وهي تهدد حيوات البشر قبل حيوات الشجر؟ ولعلنا هنا نذكر بمشروعات الشبيبة العراقية من قبيل كفالة النخلة ومن قبيل مشروعات الدعم لتلقيح النخل وتنظيف البساتين وغرس الفسائل لكنها جميعا بلا رعاية وبلا استراتيجيات تنقذ الموقف بعد أن تم تخريب الريف والثقافة الفلاحية ومحاصرة الجهود الفردية و-أو المحدودة بجملة مشكلات بخاصة الاقتصادية حيث التسويق وعراقيل جمة بوجهه وحيث المنافسة عادة ما تكون للاستيراد وبدل المصدر الأول يصير العراق المستورد. ونحن نذكر بأن الأكثر من 30 مليون نخلة نهاية السبعينات أنتجت ما يقارب المليون طن (932 ألف) أما اليوم فرسميا وبصورة غير رسمية يجري اختراق السوق ولكن هل فعلا البلاد بلا حدود ولا منافذ رسمية يمكنها منع دخول أشكال الاستيراد الموصوف بأنه غير رسمي وبلا إجازة!؟
واليوم بعد أن باتت التمور وجودا في السوق العالمي يختفي العراق من استثمار الموقف لتصل أوروبا وبقية أنحاء العالم تمور بلدان لم تكن سوى صحارى فيما أرض السواد يتصحر عيني عينك وبوضح النهار! ولكن كيف يمكن رصد المنتج العراقي مباعاً إلى درجة أن المزارع يضطر لبيع النخلة برخيص الأسعار والتخلي عنها بعد أن كان مصدر إنتاج من أروع ما يكون!!
من يسرق الأنواع الأكثر جودة؟ هل تم تسليط الضوء على عصابات تهريب الفسائل الأكثر جودة بأنواعها؟ وكيف تم الصمت والسكوت على ذلك؟ وكيف يتم اغتيال تلك الأنواع ذات الجودة؟ وماذا يجري ليس بشأن أنواع التمور بل بشأن وجودها في وطنها؟ أصحيح أن النخلة ذات الأصل العراقي تصير موجودة بملايينها وأفضل أنواعها في دولة وأن يكون سوقها عالمياً في أخرى فيما العراق يخجل من الحديث عن نخلته؟؟؟
لقد حاول جمع من الأكاديميين والمتخصصين والمعنيين بالدفاع عن النخلة العراقية أن يؤسسوا لمهرجان وطني باسم كرنفال النخلة العراقية السنوي واختير يوم 14 آب أغسطس وجرت احتفالات بحدود إمكانات المبادرين بانتظار أن تتبنى الحكومة الكرنفال الوطني للنخلة العراقية وأن يتحول إلى احتفال شعبي جماهيري تستثمره في توجه استراتيجي يسلط الضوء مجدداً على النخلة العراقية ليس محلياً حسب بل وعالمياً أيضاً…
إلا أننا بعد عدد من نسخ الكرنفال الأولى؛ بتنا نتراجع بمحاصرة خطيرة، تتحمل السياسات العامة للوزارة المعنية والمؤسسات المهملة بلا صوت منها، مثلما رأس الحكومة واستراتيجياتها البائسة التي مازالت تصر على التشغيلي لمزيد نهب وسرقة وتخريب القصد منه وقف أية محاولة لتفعيل الإنتاج…
إننا نعتقد بضرورة فتح تحقيقات جدية مسؤولة بشان جرائم تجريف البساتين أو حرقها وتيبيسها وجرائم البلطجة وحتى أشكال الترغيب والمخادعة التي دفعت وتدفع الفلاحين لمزيد هجرة قسرية باتجاه ترك الزراعة ومغادرة هذا المفصل الحيوي.. كما ينبغي محاسبة الجهات المسؤولة عن أبسط الموازنات التي أتيحت حتى بوضعها المتدني وكيف باتت المؤسسات والمشروعات عناوين نهب وتخريب بدل أن تكون عناوين تنمية وتقدم..
بالمقابل نتطلع لوضع استراتيجيات متكاملة تجمع بين أنشطة وزارات الحكومة ولكن ذلك لن يأتي كما نؤمن إلا بضغط حركة شعبية عندما نتحول بـ(الكرنفال الوطني للنخلة العراقية) إلى حركة دفاع تحقق المطالب على وفق الدراسات والمعالجات المتخصصة..
إن هذا الكرنفال اليوم ليس سوى صفحة كفاح فلاحي بل شعبي للدفاع عن الخضرة وعن البساتين وعن النخلة العراقية حصراً بقصد استرجاع أجواء إنتاج عراقي يعيد بفضله قضايا تفصيلية لكنها جد مهمة لحياة طبيعية مثل الصناعات التقليدية ودورها السياحي ومثل الصناعات المرتبطة بالإنتاج الزراعي بخاصة النخلة وتفاصيلها ثم طابع الغابات التي نستعيد بها توازنا بيئيا صحيا سليما يمكنه إنهاء اشكال التلوث التي حاقت بالعراقيات والعراقيين..
إن يوم النخلة العراقية وكرنفالها ليس ترفا اليوم بل هو موقف نحتاج أن يلتف أهل العراق حوله لفرض إرادة وطنية قوية متفتحة مستنيرة تدرك مخاطر الإهمال المتعمد بل التخريب المتعمد الذي طاول النخلة العراقية
اليوم الرابع عشر من آب أغسطس نتوجه بالتحية إلى كل مزارع، إلى كل فلاح عراقي أصيل دافع عن النخلة بوجه الإرهاب الميليشياوي سواء ما جاء بحرائق إرهاب الدواعش أم المواعش فكلاهما تخريب أحرق الزرع وأتلفه والضرع بجريمة إبادة لن تقف إلا بالانتهاء من البشر أيضاً!
فهلا تنادينا معا وسويا من أجل الحملة الوطنية التي يمكنها أن تتحمل المسؤولية استرجاعاً لخيرات الحياة وبيئة نحيا فيها بثمار إنتاجنا لا باستهلاك يسمح بنهبنا لكن الأخطر أنه يُفضي إلى هلاكنا… قولوا كلمتكم بالقضية ليست (نخلة) يمكن تعويضها! إنها جنس النخلة العراقية التي لا حياة للعراقي إلا معها وفي ظلالها… فهل أنتم جديون في مواقفكم؟؟؟
ندرك معاً لماذا كرنفال النخلة العراقية حزين هذا العام! ولكننا نصر على المتابعة والاستمرار احتفالا به ليكون في العام التالي أكثر زهوا بمنجز تضامنكم ونضالكم لتحتفلوا بظلال غابات من عشرات ملايين النخيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل كان حزب الله يخطط لتكرار -السابع من أكتوبر- على الحدود ال


.. اللبنانيون يهرعون إلى المستشفيات للتبرع بالدم بعد القصف الإس




.. عاجل| حزب الله: ننعى القائد الجهادي الكبير إبراهيم عقيل


.. حرائق في الجولان المحتل بعد إطلاق صواريخ من لبنان




.. تحقيقات جارية فى 4 دول والكل يتبرأ من تورطه في -هجوم البيجر-