الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخداع في سبر الأراء

ماهر الزعق

2019 / 8 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


الخداع في سبر الآراء

أصبحت استطلاعات الرأي تحتّل مِساحة مُعتبرة في المشهد الإعلامي وذلك بفضل هامش الحريّة الذي فرضته الثورة,وأضحت مصدر اهتمام وتعليقات وتأويلات,وتعاملت معها بعض الأطراف بالتشكيك والتنديد حين لا تروق لها النتائج وبالصمت والاستفادة إذا كانت النتائج تخدم مصالحها,ومهما يكن من أمر فإن سبر الآراء يبقى إحدى الظواهر التي يجب فهمها وتقييمها بعيدا عن الانتقائية والانتهازية والأحكام القطعية .
استطلاعات الرأي أصناف,منها ما يهتم بنوايا التصويت ومنها ما يرصد شواغل ورغبات ومُمارسات ومواقف الناس حيال قضية أو بضاعة أو تلفزيون أو إذاعة..,منها ما يُنشر للعموم ومنها ما هو خاصّ بجهة سواء كانت شركة تجاريّة أو حزب سياسي,دائرة حكوميّة أو وسيلة إعلاميّة,منها ما يتّم وجها لوجه ومنها ما يتّم عبر الانترنيت أو عبر الهاتف.
تعتمد عملية سبر الآراء على مجمُوعة من الضوابط,أوّلها حجم العيّنة وطريقة اختيارها(عشوائية أو بنظام الحصص),كلّ ما كانت العيّنة واسعة كلما كانت زادت المصداقية,ثانيها,هامش الخطأ,كلّما كانت العيّنة كبيرة كلّما انخفض هامش الخطأ,فعيّنة بألف شخص تُعطينا هامش خطأ ب % 3,كما إن أهميّة هذا الهامش تختلف باختلاف النتائج ف % 3 تُعتبر معقولة بالنسبة للمُتحصّل على تأييد % 30,بالمقابل نفس الهامش يُعتبر عاليا بالنسبة للمُتحصّل على % 6.عنصر آخر يُؤثر على مصداقيّة سبر الآراء هو مهنيّة وحياد المُستجوب ويبقى العامل الأهمّ,هو ماهية السؤال المطروح,مضمونه, شكله(مفتوح أم مغلق),مُفرداته وأسلوب صياغته.
تدّعي شركات سبر الآراء بأن استطلاعاتها تعكس نوايا التصويت واتّجاهات الرأي العامّ وتُحيط وظيفتها بهالة العلميّة والحياد والشفافيّة وتصبغ مؤسساتها بصفة المعاهد والعاملين فيها بصفة المهندسين وتستشهد بنجاحاتها وتطمس إخفاقاتها وتستثمر حضورها الإعلامي وتتباهى بعلاقاتها الدولية لإضفاء على نتائجها المزيد من المصداقية.والحال أن تحقيقاتها مُفخّخة من البداية إلى النهاية,من الاستجواب و الإحصاء ومعالجة النتائج وصولا إلى نشرها وتحليلها,فالمُستجوب يتأثر بعُنصر المفاجأة وبتصرّفات المُحقق من لطف وإلحاح وإيحاء..,والأسئلة غالبا سطحية وتتناول إشكاليات مُنتقاة,أحيانا لا تخطر على بال وعند قياس نوايا التصويت يتمّ تقديم خيارات مُحدّدة ويقع تجاهل أطراف معروفة وتضخيم شخصيات مغمُورة,وفي ذلك إغلاق و تسييج ذهني وحصر للاهتمام وتوجيه للانتباه,وتبلغ المُغالطة ذروتها في صياغة الأسئلة وترتيبها,(الجواب مُتضمِّن في السؤال أو في السؤال السابق,تسريب معلومة خاطئة في نصّ السؤال..)
لا تخلو النتائج المنشورة من تزييف وتمليس وتعديل,هناك نتائج لا تُنشر,وطبعا لا أحد يعلم عدد الرافضين للإجابة ولا عدد المُتردّدين,تُعلمنا نتائج الاستطلاعات برأي الآخرين قبل أي ترّوي أو تفكير, فحينها يشتغل عامل العدوى والمُضاهاة فيقع التماثل مع رأي الأغلبيّة والاندماج في صلبها والاحتماء بها وفي ذلك توجيه وإضمار واستبلاه للمواطن,وتتواصل الخديعة حين يتلّقف الإعلام النتائج ليبرز نوايا التصويت كما لو أنّها قرارات باتّة وتُقدّم أراء اُبتزّت في لحظة ما,كما لو أنّها مواقف وخيارات نهائية,ولا تقع الإشارة لهامش الخطأ,لأن ذلك ينزع عن النتائج بريقها وتأثيرها و وقعها الإعلامي.
ليست استطلاعات الرأي جسّ لنبض الشارع وانعكاس لآراء الناس ولا حتى دراسة للسوق في مجتمع يُمارس اقتصاد السوق (في حالة دراسة نوايا التصويت,يكون المُستهلك هو الناخب والبضاعة هي المترشّح والانتخاب هي عملية الشراء).ليست الاستطلاعات هذا فحسب وأحيانا ليست هذا مُطلقا,بل هي آلية لفرض اهتمامات وحجب إشكاليات,لتحويل الرئيسي إلى ثانوي و قلب الهامش إلى متن,آلية لصنع مصداقية أحزاب ومنح التزكية والأحقية لأشخاص,لتهميش البعض وتسويق ودعاية للبعض الآخر,تُستعمل الأرقام المُعلنة والغير مُعلنة والمُسرّبة والقابلة للتسريب,بغرض طمأنة أو تنبيه,مُغالطة أو مُساومة,تقزيم أو إحباط,لطرف من الأطراف المعنية بالاستطلاع...والنتيجة الأبرز لسبر الآراء,هي التضليل و التأثير و التوجيه والتلاعب بالرأي العامّ لخدمة مصالح القوى المُهيمنة في مُقابل أجر مدفوع وسلطة رمزية و أحيانا فعلية.
شركات سبر الآراء لا تشتغل بمُفردها,فتقاطعاتها مع دوائر الصحافة والإعلام ظاهرة للعيان وتربطها بالأحزاب السياسية والتجمّعات الاقتصادية والمالية,خيوط مخفية وغير مرئية.دوائر الإعلام وشركات سبر الآراء يتنافسان على صناعة الرأي العامّ ويتقاسمان الأدوار,فبعض المعلومات التي تقدّمها وسائل الإعلام تتلقفها شركات سبر الآراء لتشتغل عليها,ثمّ تُعيدها للإعلام لتصنع من نتائج الاستطلاع الحدث المُدويّ الذي يرفع عدد المُتابعين ويجلب الإعلانات فتنهمر الأموال وتزدهر الأحوال,من كانت نتائجه مُتدنيّة في سبر الآراء يتجاهله الإعلام ومن يُراد له البروز أو مضاعفة التأثير وزيادة الإشعاع تُبوؤه الاستطلاعات أعلى المراتب فيحتفي به الإعلام أيّما احتفاء.
رغم أن شركات سبر الآراء ليست مُحايدة و رغم أنّها و بشكلها الحالي,تُعتبر تهديد للديمقراطية المُهدّدة أصلا,إلاّ أنّها أيضا إحدى تمضهرات الحريّة.لا بدّ للمهنة من قانون داخلي يُحدّد لها الضوابط المهنية والقانونية ولا بدّ من هيئة وطنية لسبر الآراء,تهتّم بتنظيم القطاع ومُراقبته وتأمين مصداقية استطلاعات الرأي,و قد تمّ تقديم مبادرات تشريعية في ذات السياق,وإلى أن تتّم المُصادقة على هذا القانون وإلى أن يتّم تركيز هذه الهيئة,سنواصل التشهير بالمُرتزقة وكشف الخديعة وفصل الخيوط للحدّ من شراسة العنكبوت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام