الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحمد أمين وفكرة التحرر

لينة بوروبة

2019 / 8 / 14
الادب والفن


ذكر احمد امين في كتابه إلى ولدي مجموعة رسائل ضمت نصائح لابنه الذي تغرب من أجل طلب العلم في بلد لا يمت لبلده مصر بأيّة صلة على حسب تعبيره ،تختلف فيه المناهج و النظرة للحياة و أهم ما تقصد الحديث عنه اختلاف العقيدة و الاخلاق، كما ذكر برامج الجامعات التي يقصدها المغتربون للدراسة فقبل اضافة علم يفيد يخسرون أخلاقا تنير. رغم كبر حجم الهفوة بين الاجيال و اصطدامها بين الاب و الابن الا ان اسلوب الكاتب في ايصال نصائحه لابنه تجلى بتحرر و جذب للقارئ دون وجود احكام مسبقة او موقف حازم من قِبله يجعل ابنه او قراء كتابه ينفرون من احكامه.
أكتب و انا اقتبس من كتابه:"ارى ان مدارسكم و جامعاتكم تعنى بالعقل فتضع له المناهج الطويلة العريضة في مختلف العلوم و تمعن في الاجرام فتقلب الآداب و الفنون إلى علوم العقليّة و نظريات فلسفية و تعنى بالجسم فتنظم له الالعاب الرياضية، و تقيم له مباريات السباق و كرة القدم و رفع الاثقال، ثم لا تقيم وزنا و لا تضع منهجا للذوق و تربيته، و هو الاحق للعناية و الاجدر بالرعاية... "
سطور كتابه مركزة بمثل هذا الاقتباس هي عبارة عن ميراث وضعه في أيدي ابنه بدّل العقار و الاملاك الفانية، سعى من خلاله الى تسليط النور على ضرورة الاعتصام بالمبادئ، فالعلم يتطور و تتجدد اكتشافاته اما القيم فثابتة لا تتحول، تقبل أحمد أمين فكرة ان ابنه خُلق لغير زمانه و نشأ في بيئة غير بيئته و درايته ان الفرق يكمن في المتحكم حيث ان في زمانه ذكر أن الحكم للتقاليد و الطاعة لأولياء الامور في حين أخبره ولده ان النصائح المذكورة ليست كبيرة الفائدة و الاكبر فائدة هو البيئة و الوراثة كل هاته العوامل جعلته يصقل نصائحه بحيث تمس الجانب الموجود و الجانب المضاد من الموقف نفسه.
دقة وصفه لأحوال الاجيال الحالية و مقارنتها بالأزمنة الماضية تجعل قارئ هاته الكلمات يفكر بينه و بين نفسه اين الخلل؟ و يجده في الانجراف نحو الحريات و الابتعاد عن الرقابة المنفرة التي تفرضها النزعة الدينية الموجودة في البلد العربي النموذجي و التي يحتكرها الغرب حيث يوفَر للمغترب ابواب رغبات و لهو و عبث لا حدود لها تنتج له في المستقبل القريب شخصا مطابق لمواصفات المظهر لكن بنفْس و ضمير و خلق منحط.
لم يسلك الكاتب الوصف الدنيء للغرب بل عزز من قيمة التعليم و العلم المقدم كما اثنى على جدية و عظمة هاته الامم و مواطن قوتها و ضعفها و اسباب سيطرتها على فوضى الوزارات و الادارات التي اصبحت الصورة النموذجية لمجتمعاتنا العربية، للريادة مع الاخذ بعين الاعتبار حدود اصلاح و تنشئة البيئة الخاصة.
لا وجود لمهرب من كون ترقية الفرد تكمن في صحة نشأته و ارتباطه بقيمه فجودة العقل نقطة الفرق بين الانسان الوضيع و الانسان الرفيع، ف والله ليرثى الحال لشباب لا يعرف الجمال الا في وجه أنثى و لا الاناقة الا في محادثتها، صحيح ان الفكر يتطور بمراحل تبدأ بادراك الجمال الحسي لزهرة او بستان لكن تربيتك هي التي ترقي هذا الادراك الى ادراك المعنى و تجعلك تكره القبح و تعشق الكرامة على سبيل المثال فيُصعد بك الى مستوى المصلحين أصحاب التغيير و التطوير نحو الأفضل في مجتمعاتهم.
شكوى الشخص المستمرة من اصطداماته الاجتماعية و تماطل قضاء اموره في بلده تختفي بمجرد تغربه و معاشرته للمجتمعات الاوروبية. الا يتبادر الى ذهنك ان مجتمعهم تسوده السكينة و الطمأنينة !! لانهم ببساطة منذ نعومة أظفارهم تعلموا حسن المعاملة و جمال السلوك و هو أمر اوصت به عقيدتنا لكن قلة منا يتتبعها و التي تكاد تقترب من الانعدام تسببت في خشونة المعاملة و سوء السلوك لا بأس من السفر من أجل العمل او الدراسة و تطوير الذات بشرط المحافظة على ضبط النفس و الاعتدال عن الميل للذائذ و الخضوع للشهوات فالنصيحة الاكثر وزنا هي ان تدع الحكم و الخضوع التام للعقل، فلا طلب الزهد امر منطقي من قِبل الناصح ولا الافراط و الشراهة سبيل يسلكه المنصوح ما يعني ان الوساطة خير الامور.اعتمد في حياتك على التحري و التساؤل المستمر و اكتشاف عادات المجتمعات و لا تتبناها دون اختيار الخيِّر منها فاعتياد الراحة و الاستسلام للترف يصبح قاسٍ التخلي عنه ان عدت يوما و حططت بأصلك.
خذ من عاداتهم الاستقلالية في العيش و قضاء الحاجيات و دع عادة قضاء الاخرين امورك عنك. تبنى برودة الاعصاب و المشاعر فالبكاء المفاجئ و الضحك دون سبب عبارة عن انفعال اكتسبته من مجتمعك الاصلي، اعتمد على النظام الدقيق و المعاملة الحسنة و تخلى عن الفوضى التي كانت تسود شخصك و محيطك. اكتسب منهم ما يساعدك و يحسن من طبعك لكن لا تنسى ذاتك و لا تتهرب من قيمك ففيها ما يغري حتى المجتمع الذي تسكنه في ان يتبناها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا