الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خريف السلطة

جهاد الرنتيسي

2006 / 5 / 13
القضية الفلسطينية


تتمثل المراحل التاريخية حالة الفصول المناخية حين ترتبط بقضايا ذات تداخلات معقدة ، وتفاعلات حادة ، تخضع لتقلبات كونية ، وحسابات اقليمية ، وقوى شد وجذب لها اجندات متعارضة .
ومنذ العقد الثاني من القرن العشرين تاخذ التحولات الفلسطينية شكل التقلبات التي تجمع بين السرعة ، والدقة ، والصخب الذي كرس في بعض المحطات تداخل المراحل.
فما بين الاحداث وقراءاتها تغيب بدايات ونهايات المراحل لتبقى احتمالات تبديد غموضها خاضعة للاجتهاد .
واختلاف المؤثرات وادوات القياس بين مرحلة واخرى لا ينفي وجود سياقات لتطور الاحداث ، ولا يفقد تراكمات المراحل اهميتها في تحديد اتجاه المسارات ، ونهاياتها المفترضة .
ولا يتجاوز الدوران حول المنعطف الذي تقف امامه الحالة الفلسطينية الراهنة حواف الحلقة المفرغة التي تضبط منظومة قوانين المواجهة وارتداداتها .
فقد بات الهامش الذي تتحرك فيه السلطة الوطنية الفلسطينية اضيق مما كان عليه في أي وقت مضى مع تزايد فرص تنفيذ خطة الحل الاحادي التي تطرحها حكومة ايهود اولمرت وتتجاوب معها الادارة الاميركية .
ولتنفيذ الخطة التي تقوم على عدم الاعتراف بوجود الشريك الفلسطيني عدة نتائج ابرزها تحويل فكرة قيام الدولة الفلسطينية الى كائن متحفي تتعرف عليه الاجيال المقبلة في كتب التاريخ .
فالمقومات المطلوبة لقيام دولة قابلة للحياة لا توفرها الجغرافيا المسموح للجانب الفلسطيني باقامة كيانه السياسي عليها .
والظرف الدولي والاقليمي لم يعد يساعد على التحرك في الاتجاه المعاكس لتنفيذ الخطة التي صار اطلاق التصريحات المحذرة من خطورة تنفيذها اقرب الى الصراخ في البرية .
فالدعوات الفلسطينية لاستئناف المفاوضات مبتورة عن واقع لا يتعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم شريك سلام .
ولا تستند الاشارات العربية المتناثرة للخطورات التي تنطوي عليها خارطة الطريق الى قدرة حقيقية على العمل لاعاقة خطوات تنفيذها .
ومع تبدد احتمالات تنفيذ خطة خارطة الطريق وتحولها الى جثة تنتظر الدفن ياخذ ما تبقي من حركة اللجنة الرباعية ـ التي تفتقر الى الانسجام ـ منحى اللعب في الوقت الضائع .
ولا شك في ان اجواء العجز الدولي عن توفير مناخات مختلفة لما افرزته احادية القطبية الكونية ، ومازق النظام الرسمي العربي الفاقد لشرعيته الشعبية ، ووصول القيادة الفلسطينية الى طريق مسدود تؤهل ما كان يعرف في القرن الماضي بالمحور " الاميركي ـ الاسرائيلي " لقطع اشواط واسعة باتجاه تصفية المشروع الوطني الفلسطيني .
ففي ظل الفراغ السياسي الذي وصلت اليه المنطقة تحولت الحكومة الاسرائيلية الى الطرف الاقدر على طرح المبادرات .
وتتكامل القدرة الاسرائيلية على المناورة وطرح المبادرات مع العمق الدولي القادر على توفير شروط التنفيذ.
ولتكامل الموقفين " الاميركي والاسرائيلي " المتمثل في الاتفاق على عدم جاهزية القيادة الفلسطينية لاستئناف عملية السلام افرازات لا يمكن تجاهلها في النظام السياسي الفلسطيني .
وتتجسد هذه الافرازات في انسداد الافق السياسي الفلسطيني الذي يمكن قراءة مؤشراته بوضوح من خلال ابتعاد طروحات مكونات المشهد عن الواقع وانزلاقها في متاهات الميثولوجيا .
فالخطاب الرسمي الفلسطيني الذي ياخذ في اعتباره الحفاظ على الحد الادنى ينتمي الى مرحلة ما قبل وصول شارون الى السلطة ، ولا يراعي المياه الكثيرة التي جرت في النهر خلال وجود رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق على راس الهرم السياسي حيث ظهرت توجهات رسمية اسرائيلية لم تكن موجودة خلال ولاية ايهود باراك ، وتبلورت هذه التوجهات في خطة خارطة الطريق التي اعيد ترتيب البيت الاسرائيلي على سكة تنفيذها .
وفكرة الكيانية الفلسطينية ، وافق الصراع ، وحدود التسوية السياسية مازالت هلامية عند قوى الاسلام السياسي الفلسطيني المنقسم بين المشاركة في السلطة ومعارضتها .
و اليسار الفلسطيني الذي اعتاد على القاء طوق النجاة للمشروع الوطني بين الحين والاخر يبحث عن القشة التي تنقذه من الانزلاق في دوامة التلاشي.
فالاصطفافات التي جرت خلال انتخابات المجلس التشريعي ، ومشاورات تشكيل الحكومة كشفت عن فقدان اليسار القومي لهويته السياسية ، وتحوله الى عبء ثقيل على شعاراته وادبياته .
وضآلة النتائج التي حصلت عليها قائمة البديل الديمقراطي في الانتخابات التشريعية حرمت النظام السياسي الفلسطيني فرصة الاتجاه نحو العقلنة و الخروج من دائرة ثنائية التنافس .
وما ينطبق على البديل الديمقراطي يلقي ظلاله على الطريق الثالث الذي لا تخلو طروحاته من القدرة على قراءة التحولات الدولية المؤثرة في تعقيدات القضية الفلسطينية .
ويكرس التازم الاقليمي ضبابية الرؤية لدى اطراف من تيارات وقوى مؤثرة في تطورات الحدث الفلسطيني .
فلم يعد النفوذ الايراني لدي قيادة حماس في الخارج خافيا على متابعي تفاصيل المشهد السياسي .
ويعد تضخم الحضور الايراني الذي طفا على السطح مع جولات خالد مشعل المكوكية بين طهران ودمشق ، و لقاءات علي اكبر هاشمي رفسنجاني مع قادة المعارضة الفلسطينية في العاصمة السورية اضافة كمية ولكنها ليست نوعية للحضور الايراني في المشهد الفلسطيني .
فالمتعارف عليه ان حركة الجهاد الاسلامي وليس حماس صاحبة الاجندة الايرانية في الساحة الفلسطينية التي تقف على حافة التحول الى مسرح لتصفية الحسابات بين عواصم اعتادت على استخدام الاطراف الفلسطينية في صراعاتها .
ومع احتفاظ حماس بمعادلة التمسك بالسلطة دون مراعاة الواقع ، وتداخل حسابات حركة الجهاد الاسلامي مع المشروع الايراني ، وعدم قدرة فتح على تجديد بنيتها وخطابها السياسي ، وتآكل اليسار ، وقلة حضور القوى الليبرالية تتضح مضاعفات انسداد الافق السياسي .
ويترافق انسداد الافق السياسي الفلسطيني ، وتزايد فرص تنفيذ خطة اولمرت مع الحصار الاقتصادي الذي يهدد استمرار عمل مؤسسات السلطة الوطنية ويحول الاراضي الفلسطينية الى بيئة طاردة للحياة .
وفي ظل هذه الظروف تتسع احتمالات انهيار المشروع الوطني الفلسطيني لتفتح المجال امام سيناريوهات جديدة سقفها الاعلى البحث عن سبل لادارة التجمعات السكانية في الضفة الغربية وربما قطاع غزة .
فمن غير المتوقع موافقة الجانب الاسرائيلي المسكون بـ " يهودية " الدولة العودة الى ادارة الاراضي المحتلة .
الا ان الطابع المرحلي لهذه السيناريوهات يبقي الخيال السياسي مفتوحا للبحث عن حلول استراتيجية .
ولدى الحديث عن مثل هذه الحلول تقفز فكرة الدولة ثنائية القومية التي تطرح بين الحين والاخر وتكشف الظروف عدم جاهزية الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني للقبول بها .
فلم يصل الاسرائيليون بعد الى حد التخلي عن طابع دولتهم ، وما زالت الدولة المستقلة خيار الفلسطينيين الوحيد ، ولكن ذلك لا يعني اغلاق احتمالات حدوث تغيرات في منهجية التفكير حينما يصبح المطلوب مستحيلا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ


.. مسيرة تجوب شوارع العاصمة البريطانية لندن تطالب بوقف بيع الأس




.. تشييع جثمان مقاوم فلسطيني قتل في غارة إسرائيلية على مخيم جني


.. بثلاث رصاصات.. أخ يقتل شقيقته في جريمة بشعة تهز #العراق #سوش




.. الجيش الإسرائيلي: دخول أول شحنة مساعدات إنسانية عبر الرصيف ا