الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ (شلندخ)... قصة قصيرة

مديح الصادق

2019 / 8 / 16
الادب والفن



بدلال تمايلت أجسادهن الغضة التي لم تكتمل عليها بعدُ خارطة البلوغ، ينفشن الشعور طويلة بكل الاتجاهات، تارة للأمام ينحنين، وتارة أخرى يستدرن للخلف؛ كما يشتهي ضارب الطبل، وعازف الرباب، يشاطرهما مغنٍّ استحضر أبيات مهوال أجير، خال نفسه الشيخ شلندخ من سماعها أنه جلالة الإمبراطور، بسيل من رشقات المسدس لها يستجيب، فتحْتَ القدمين صندوق الرصاص، عباءة طرَّزت حواشيها خيوط الذهب الخالص من نسيج خاص، عقال أميري مُقصَّب، تماشيا وهزات أجساد الصغيرات طربا يهتزّ، طوقت خصورهن أحزمة من فئات العشرة الدنانير التي كانت واحدة منها تطعم العشرات من عوائل الفقراء، الذين يبيت صغارهم جوعى، صرعى يتضورون، تباهيا منه أشعل سيجار ضيفه القائد الإنجليزي بواحدة من الوريقات، أبو ناجي ببدلته العسكرية التي تطرزها ما لا يقرؤه الحاضرون- من شيخهم حتى أصغر تابع مُجبرا نال من سلطانه الثمن البخس إذ باع الضمير- من نياشين، وهو يكتفي بابتسامة نصر صفراء حين يطرق سمعه ما ردَّد المهوال من مديح يخصّ اسمه به، بوليمة دسمة فاخرة بمقامات الضيوف الكبارتليق سيختم الحفل، وهدايا ثمينة من خابية الشيخة استلها وهي مزهوة تشعر بالفخر؛ فسلاسل اللير الحميدي سوف تطوق أعناق الإنجليزيات.
أكواخ القرية خاوية تهزها الريح من كل صوب، كلابهم تعوي مثل صغارهم جوعا، وما نالهم من نصيب حاصل الموسم الماضي إلا النزر القليل، ومنهم من أوشك مخزونهم منه على النفاذ، وآخرون باتوا من أمرهم بحيرة؛ أيعلنون المجاعة وهذا مالا يجرؤ عليه القرويون، فهم وإن ماتوا جوعا؛ كرامتهم لا يبيعون، أم من جيرانهم المفلسين مثلهم يجرؤون فيقترضون؟ وكلا الاختيارين لديهم صعب المنال، فمنهم من غادر وهم لا يملكون درهما من ثمن العلاج، وهناك من على وجهه هام طلبا للقمة حمّالا أو خادما في مدن الضياع، هاربا بجلده من سوط الجلاد، والحل في مثل هذا الموقف عند الحكيم، والحكيم لمن بات بلا مأوى ينحاز، قد يتبعه من يرتضي الرأي منه، أو به يستخفّ من فقد اللبّ، أو ارتضى الذل من جبّار.
لقد نفذ المخزون من الطعام، الجوع يقتلنا، يا حضرة الشيخ؛ صاح آخر: مروءتك (يا محفوظ)، افتحوا الأبواب لهم كي يأكلوا من بقايا الطعام، وبعدها أبلغوهم بألا يعاودوا اقتحام حرمة الديوان؛ لا، يا مقام شيخنا الجليل، ما من أجل بقايا الطعام جئنا، وخلفنا صغارا تركنا ونساء على طوى بطونهم يبيتون، جد لنا حلاّ، أو أقرضنا مما لديك من مخزون، أفاد الحكيم.
في مثل ذا الحال يُنتدب المختارون، وهم مستشاروه، ومن عند الضرورة يُفتي بما يُرضيه، كما من قبل أفتى بأن حصته الكبرى من المحصول تحصيل اتفاق بين المالك والمملوك، وأن الاعتراض على السلطان كبير ذنب ليس له غفران، معلم القرية المذنب، فهو يحرّض التلاميذ وأهلهم على استهلاك مزيد الطعام، مستشار آخر قال: لا، هم بلا عمل عاطلون غير التسكع لا يجيدون، لا همَّ لهم سوى التهام الخبز والطبيخ في كل الوجبات، فليشغلهم شيخنا بتكرار حفر القنوات، انبرى المفتي هنا بحلّ على بال أحد لم يخطر قط: الذنب ذنب البصل، أيُّها الحضور؛ فهو الاشتهاء يزيد لأكل المزيد من الخبز.
انفرجت أساريره، وهزَّ الشيخ شلندخ رأسه بالرضى.
عند الفجر، مياه النهر طافت بشتلات البصل المخلوع من الجذور.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد فهمي يروج لفيلم -عصـ ابة المكس- بفيديو كوميدي مع أوس أو


.. كل يوم - حوار خاص مع الفنانة -دينا فؤاد- مع خالد أبو بكر بعد




.. بسبب طوله اترفض?? موقف كوميدي من أحمد عبد الوهاب????


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كان نفسي أقدم دور




.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: -الحشاشين- من أعظم