الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض من بعض الذي كان .. 6.. القراءة المرتدة

جعفر المظفر

2019 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


بعض من بعض الذي كان .. 6.. القراءة المرتدة
جعفر المظفر

واقع الحال إن كل "مرحلة" يجب أن تبحث بظروفها وإيجابياتها وسلبياتها, وفي إعتقادي فإن التعريف السياسي للمرحلة لا بد وإن يفضي إلى وضع بداية خاصة بها ونهاية خاصة بها أيضا, فمرحلة الحرب هي غيرها مرحلة السلام, ومرحلة الحكم الملكي هي غيرها مرحلة الحكم الجمهوري, والذي أتى من خلال الثورة على سابقه. لأن الفشل والنجاح هنا هما نسبيان ويعتمدان على برامج وظروف كلا العهدين المتناقضين الذي إستدعى الثورة كإسلوب تغيير.
حتى مع النظام البعثي الذي تأسس بعد غزوة القصر وسقوط حكومة الرئيس عبدالرحمن عارف فإن من العدالة تصنيفه إلى عهدين, عهد ما قبل مجزرة الخلد وعهد ما بعد المجزرة, بحيث يجوز أن نسمي عهد ما قبل المجزرة بالعهد البعثي بينما يتوجب تسمية العهد الذي تلاها بالعهد الصدامي, رغم وجود بعض التداخلات المشتركة بين العهدين.
ولست أخالف أمنية الكثيرين تلك التي تود (لو) أن النظام الملكي لم يكن قد سقط وذلك من أجل أن لا نرى مآسي وكوارث العهود التي تلته, لكن القول أن فرص ذلك العهد كانت مفتوحة على التطور لو لم يتحرك العسكر لإسقاطه هو قول يفتقد الدقة وموضوعية الأحكام, لأن (مرحلة) النظام الملكي كانت لها بداياتها الخاصة ونهاياتها الخاصة, وهي مرحلة كانت منضبطة ضمن ظروف عالمية وإقليمية ومحلية شديدة الخصوصية بحيث بدت نهاية الحكم الملكي مختومة بنهاية عهد الإمبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس, إذ بعد أن بدأت شمس تلك الأمبراطورية بالأفول فإن المجرات الدائرة في فلكها كان لا بد لها أن تتهاوى أو أن تبحث عن شمس أخرى تستمد منها الطاقة والضياء, وبعدها فإن العودة الى نظام الـ (لو) لقراءة التاريخ وإعادة الإعتبار للنظام الملكي من خلالها هي أشبه بإستعمال المقص بدلا من القلم لكتابة هذا التاريخ و تدوينه.
وربما كان النظام الملكي قد إنتبه إلى حقيقة التغير في مراكز القوى ذلك الذي حدث في عالم ما بعد الحرب الثانية إلا أن إلتحاقه بالعالم الأمريكي كان صعبا جدا بفعل معاناته من إنسدادات إقتصادية وإجتماعية وسياسية لم يكن من السهولة فتحها أو تسليك مجاريها حتى تتمكن من تحقيق تلك النقلة. وأزعم أن النظام الملكي العراقي وكذلك المصري كانا جزءا من العالم القديم, وأعني به العالم المحصور في المرحلة الكائنة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية, لأن الحروب عادة ما تضع في يد المنتصر مفاتيح تغيير الجغرافيا على الأقل, إن لم يكن تغيير العقائد أيضا.
ولم يكن بوسع الوضع العراقي الداخلي المبني على التحالف بين شيوخ القبائل والإقطاعيين أن يحقق نقلته إلى العالم الجديد هكذا بسهولة, فالنقلة كانت تقتضي قلع أسس الدار لغرض نقله كاملا وليس نقل الأثاث لوحده.
إن واحدة من الأمثلة التي يمكن لنا أن نستدعيها في هذا السياق هو المثال الأمريكي. إنتقال هذه الدولة العملاقة من الإقتصاد الزراعي إلى الإقتصاد الصناعي كان كلف المجتمع الأمريكي حربا أهلية طاحنة بين الشمال والجنوب. لنتذكر أن إقطاعي الجنوب كانوا بحاجة إلى فلاحين عبيد بينما صار صناعيو الشمال بحاجة إلى عمال أحرار, وما عاد ممكنا للبلد بعد ذلك غير أن يواجه التقسيم أو أن يتغير, وما كان تحرير العبيد والإنتقال من المجتمع الإقطاعي الزراعي إلى المجتمع الرأسمالي الصناعي والمحافظة على وحدة الأراضي الأمريكية ليتحقق دون أن يكلف ذلك أمريكا حربا أهلية وخسائر بشرية ومادية هائلة.
صحيح أن العراق بلد على قدر حاله وليس من العدل مقارنته بأمريكا, لكن الصحيح أيضا أن البلد كان مُنَظّما ضمن قواعد لعبة ما بعد الحرب العالمية الأولى, والتي كانت لعبة بجذور وإمتدادات إنكليزية وفرنسية خالصة, ولم تكن الدار الأنكلو عراقية أو العراقوإنكليزية من نوع الأبنية الجاهزة التي تتحرك على عجلات, بل كانت دارا بقواعد إجتماعية وإقتصادية لم يكن ممكنا تغييرها إلا من خلال حركة إصلاحية عميقة أو ثورة ساحقة تزيح نظامه وسياسيه وتغير قواعد لعبته بقواعد جديدة.
فإن كانت اللعبة الجديدة بعد ذلك قد أخفقت فلن يدل على ذلك أن اللعبة القديمة كانت تمتلك قوانين إستمرارها من داخلها, فالنظام الملكي عجز عن العثور على إصلاحييه من داخله, وفي تلك المرحلة لم تكن هناك فرصة لغير العسكر أن يتحركوا. فإن لم يكن ذلك قد أتى بإتفاق مع قوانين الثورت الشعبية فذلك كان خطأ التاريخ ولم يكن خطأ العسكر.
وكنت سابقا قد تحدثت عن القراءة الإسقاطية وقصدت بها العودة لقراءة التاريخ بعيون وعقل ونفسية قارئه حاليا, أي تلك التي تستقطع جانبا حساب مساوئ تلك المرحلة بمساطرها وفراجيلها وتعود لقرائتها وهي تحمل على أكتافها كوارث وإحباطات ما تلاها من مراحل, بإدعاء أن هذه الكوارث لم يكن مقدرا لها أن تحصل لو أن العراق كان تحت حُكم وحِكمة نوري السعيد.
واليوم فإن القراءة الإسقاطية لم تعد منهجا لإولئك المُحبَطين الذين يعودون لقراءة إنجازات الفترة (السعيدية الملكية) بعيون أهوالهم الحالية لكنها أيضا صارت منهجا أيضا لمجاميع الإسقاطيين من مدعي ثقافة (العصر الصدامي الجميل) الذين نراهم يعودون لقراءة الحقبة الصدامية من خلال مقارنتها بمرحلة ما بعد الإحتلال ناسين أن الشيطان قد يصير ملاكا من خلال قراءة كهذه.
وأجزم أن دخول الطائفية على خط الصراع كان لها الأثر أيضا لدفع هذا النوع من القراءات إلى السطح, حتى أن بعض أولئك الذين كانوا تضرروا كثيرا في عهد صدام, وربما من دون وعي, فقد راحوا يعيدون الإعتبار لذلك العهد ظنا منهم أن إستذكاره بسوء سوف يمنح ضدهم الطائفي مكاسب سياسية مجانية.
إن قراءة نكوصية ومرتدة كهذه هي وليدة ظروف متداخلة وغاية في الصعوبة والتعقيد ولا تخلو من
من (عزةٍ بإثم).
وفي حالات عدة لم يعد ممكنا العودة إلى قراءة تاريخ العهد الصدامي دون إستذكار الدور الكبير لصدام نفسه في الوقوف ضد الأطماع الإيرانية التي تأكد صحتها بعد زواله, ولذا فإن ثقافة (العصر الصدامي الجميل) تبدو في بعض تمظهراتها وكأنها لم تتأسس جوهريا على محبة حقيقية لصدام وإنما على كراهية حقيقية لأعدائه الإيرانيين ولأتبعاعهم في الداخل العراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الطبقة السياسية
منير كريم ( 2019 / 8 / 17 - 06:51 )
تحية للاستلذ جعفر
اولا اسقطت الملكيات شبه الليبرالية الدستورية في مصر والعراق وليبيا اضافة للنظامين الجمهوريين الديمقراطيين في سوريا والسودان في ازمنة متقاربة وبقت الانظمة المطلقة في الخليج والاردن والمغرب لانها تناسب الحقبة الامريكية السوفيتية القائمة على العسكرة والحروب
ثانيا للنظام الملكي العراقي افضليات على كل العهود التي تلت واذكر واحدة فقط هي طبيعة الطبقة السياسية التي تدير البلد , فقد كانت طبقة مستنيرة ليبرالية وعقلانية ارادت ان تنهض بالعراق رغم التحديات والتي بسقوطها فتح المجال للحثالات باعتلاء الحكم وجر البلاد للهاوية
باختصار كيف نقاررن بين فاضل الجمالي وتوفيق السويدي من جهة وبين المهداوي وعبد السلام عارف وحسين كامل من جهة اخرى
كل البلدان المتطورة والتي تتطور محكومة من قبل طبقة سياسية ليبرالية منفتحة والكوارث التي تحل في البلدان الاخرى هي بسبب الطبقة السياسية الحاكمة
شكرا لك وشكرا للحوار المتمدن


2 - الأستاذ منير كريم
جعفر المظفر ( 2019 / 8 / 22 - 14:32 )
تحياتي الأخوية لك عزيزي الأستاذ منير وشكرا جزيلا على إسهاماتك الثرة في هذا الحوار الثمين حتى في حالات الإختلاف.
نعم بالمقارنة مع كل العهود التي تلته كان النظام الملكي بكل نواقصه هو الأفضل دون أدنى شك
لكن القراءة التاريخية الرصينة لا تعتمد جانب المقارنة لوحده وإنما هي تذهب إلى زمن النظام .
نفسه لتفحصه على ضوء مرحلته بكل معطياتها ثم تؤشر منظومة الخلل التي أدت إلى إنيهاره
تحياتي مرة اخرى وشكر لتوقفكم النبيل

اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت