الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلم ( the grey ) ، وقفة ، ونظرة تأمل

عمر عزيز النجار
(Omar Aziz Elnaggar)

2019 / 8 / 16
الادب والفن


وظيفة في نهاية العالم ، لا أعرف لمَ فعلت نصف الأمور التي فعلتها ، لكنني أعرف أنني في المكان المناسب لي ، ويحيط بي أشباهي ، أنا رجل لا أصلح للعيش مع البشر .
بتلك الكلمات افتتح النجم ( ليام نيسون ) أو ( اوتواي ) كما كان اسم شخصيته في هذا الفيلم ( the grey ) هذا الفيلم الذي يعد من أفضل الأفلام التي شاهدتها وتأثرت بها واندمجت فيها ، بالضبط كما في رواية عزازيل وكيف تخيلت نفسي مكان الشخص محور الرواية وهو الراهب هيبا ، بل وتلبست روحه بداخلي ، فيلم ( the grey ) الذي يحكي عن شخص فقد كل شئ في حياته ، زوجته وابنته وعمله ، والأسوأ من هذا كله أنه فقد نفسه ، و فقد إحساسه بالحياة وقيمة الوجود ؛ الأمر الذي حدا به في النهاية إلي التفكير في الانتحار ليتخلص من حياته البائسة التي لا معني لها ولا مغزي من بقائه فيها ، إلا أن القدر كان يخبئ له أمرا اخر .
انتهي المطاف ب ( اوتواي ) إلي عمله كقاتل مأجور للذئاب والمفترسات ، في مناطق عمل للبحث عن النفط في أماكن نائية ، وظيفة لم ترق له علي ما يبدو ، إلا أنه تقريبا فقد الأمل في كل شئ فلم يعد يبالي بطعم الحياة و رونق الوجود ، ولم يعد يكترث بما يصلح له وما لا يصلح .
استقل العمال الطائرة في تلك الليلة المشئومة ، لا أدري ربما للعودة إلى ديارهم او ربما للعطلة و الأجازة ، و كان معهم صاحبنا الشريد ، و لسوء الحظ العاثر واجهت الطائرة صعوبات في التحليق بسبب سوء الأحوال الجوية ، وتساقط الثلج بشكل مستمر ، الأمر الذي أدى في النهاية إلي تساقط الطائرة في منتصف اللامكان المحيط بالثلوج من كل ناحية ؛ ليجد ( اوتواي ) نفسه من بين السبعة الناجين من أصل الركاب كلهم ، وتبدا رحلتهم في البحث عن الخلاص ،
طوال الرحله لا يهدأ ( اوتواي ) ويتذكر بين الحين والاخر زوجته التي هجرته، و ابنته ، و والده ، لكن زوجته هي التي كانت محور تفكيره طوال الوقت، يا الهي لقد كان يحبها حبا جما، يا الهي كيف واتتها الجرأة ان تهجره بهذه الطريقه الموحشة ، وهي تعلم مدى حبه لها و تعلم كيف سيكون وحيدا بدونها ، يتذكر ( اوتواي) زوجته دائما خاصة في اوقات الشدة والبكاء والضعف والخوف ، ولم لا ؟؟!!
إن لم يتذكر المحب حبيبه وقت الاحساس بالخوف والضعف فمتي يتذكره ، أين أنت يا عنترة ، حين قال :-
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني
وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم .
آه يا عنترة ، كم كان يحبها هذا الرجل ، تذكر محبوبته في خضم المعركة ، والدماء تسيل ، والرؤوس تتطاير ، وتري ما الذي ذكره بها ؟؟ لقد رأي لمعان السيوف في ساعة الظهيرة ، تحت حمي الشمس ، فتذكر لمعان اسنان محبوبته حين تبتسم ، فتمني حينها لو استطاع تقبيل تلك السيوف ،
آاااااه يا عنترة ، إن لم يكن هذا هو الحب فيا ليت شعري ما تشخيص هذه الحالة ؟؟!!
عودا إلي (اوتواي) تذكر هو الاخر حبيبته ، وتخيل أنه يحدثها قائلا ( لا تمر ثانية إلا و أتذكرك بطريقة ما ، أتمني رؤية وجهك ، وأن أتحسس يديك بين يدي ، وأن أشعر أنك بجواري ، لكنني أعرف أنك لن تكوني بجواري ، فأنت ِ هجرتني ، ومن المستحيل استعادتك ) .
لم يتحدث الفيلم بشئ من التفصيل عن علاقته بحبيبته التي هجرته ، إلا أنني أقولها وأعنيها ، لقد كان يحبها هذا الرجل ، فهذا الكلام لايقوله إلا إنسان أحب بكل ما لديه من طاقة و مشاعر ، ولم يجد في النهاية إلا هجرا وحرمانا .
أقلعت الطائرة ، وواجهت ما واجهت من صعوبات أدت بالنهاية إلي سقوطها في منتصف الثلوج ، نجا من نجا ، حاولوا قدر امكانهم الخروج من أزمتهم ، إلا أن الواقع كان أقوي من إيمانهم وأعمالهم ، سقطوا واحدا تلو الآخر ، أحدهم بسبب افتراس الذئاب له ، وآخر بسبب سقوطه من أعلي المرتفع ، وهذا من برودة الجو ، و ذاك الذي يئس من النجاة واستسلم ، و غيره و غيره ، ولم يتبق في النهاية إلا (اوتواي) ، وصديقه الذي بوفاته سيصير (اوتواي) وحيدا ، نعم لقد مات صديقه أمامه غرقا ولم يستطع (اوتواي) نجاته ومساعدته ،
إنه وحيد الآن ، يحيط به اليأس والفشل والخوف والضعف ، يتذكر كل شئ في حياته ، كما لو كان شريط ذكرياته يمر أمام عينيه ، حتي جاء المشهد الذي يبكيني كلما شاهدته ، حينما مات كل من نجا معه ، وبقي وحده وسط الثلوج ، رفع رأسه إلي السماء ، وكأنه يتحدث مع هذا الكائن المدعو بالرب أو الإله أو أيا كان اسمه ، قائلا له ( افعل شيئا ، افعل شيئا أيها المزيف والمخادع والبائس ) ثم يصيح غاضبا بأعلي صوته ، افعل شيئا ، هيا ، برهن قدراتك ، أرني شيئا حقيقيا ،
يبكي (اوتواي) بحرقة الغريب والوحيد والضعيف اليائس قائلا ( أريد عونك الآن ، و ليس لاحقا ، أرني معونتك ، و سأؤمن بك حتي مماتي ، إنني أدعوك ، إنني أدعوك ..... ) .
ولم يدرِ المسكين أن الإله الذي يدعوه قد مات قبل أن يوجد ، ليرجع بعد ذلك إلي رشده و صوابه و يقول ( تبا ، سأعتمد علي نفسي ) ويظل يسير ، و يشق طريقه ، لتقوده خطواته في النهاية إلي حتفه وهلاكه ، تقوده خطواته إلي ما كان يفر منه طوال الطريق ، عرين الذئب ، و يجد نفسه محاصرا من الذئاب مجتمعة ، فيبتسم ابتسامة المستسلم ويعرف أنها النهاية ، يري وجه محبوبته مرة أخيرة وهي مستلقية بجواره ، و تلمس وجهه بيديها و تقول له ( don t be afraid ) ، لا تخف ، فيعزم علي أن يقاتل لآخر نفس فيه ، حتي لو كانت النتيجة محسومة ، و يلقي بحقيبته التي كان حاملا إياها طوال الطريق ، و يستخرج منها بعض زجاجات صغيرة فارغة ، يربطها بأصابعه ، و يقوم بكسرها ليقاتل بها الذئاب ، ثم يأتي مشهد نهاية الفيلم حين ينقص (اوتواي) علي الذكر القائد ،كبير الذئاب . النهاية .
لا يعد هذا الفيلم الوحيد الذي يتناول هذه القصة أو هذا المشهد ، أعني قصة تحطم طائرة ووجود ناجين يحاولون الخلاص بأنفسهم ، فقد جمح خيال المؤلفين لأكثر من سيناريو يصور هذه القصة ، فشبيه جدا لهذا الفيلم ، فيلم (the mountain between us ) والذي يحكي قصة تحطم طائرة صغيرة لم يكن يستقلها سوي شخصين رجل وامرأة والطيار ، و مات الطيار ، ونجا الشخصان ، ويحاولان طوال الفيلم العثور على النجدة والخلاص ، إلا أنه في هذا الفيلم تأتي المساعدة ويتم العثور عليهم ، وتكون النهاية السعيدة الاعتيادية ، ولذلك فهذا الفيلم لم يرُق لي كثيرا ، فأنا بكوني انسان غريب الأطوار كما يصفني البعض لا أميل أبدا للمقدمات البديهية ، ولا النتائج النمطية ، أو النهايات النرجسية ، فأنا الذي لطالما اتخذت من هذه المقولة شعارا لي
لأن أكون تعيسا في الواقع ، أفضل عندي من أن أكون سعيدا في الخيال
وفي تقديري أن( the grey ) قد قدم لنا صورة حقيقية للحياة بكل ما فيها من واقعية بعيدا عن زخرفة الحقائق ، والخيال الغير منطقي
تحياتي لكم كثيرا
عمر النجار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟