الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية العربية وصعود التيارات الإسلامية: هزيمة أم نصر ؟

مفيد ديوب

2006 / 5 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بعد استعصاء دام قرونا كثيرة بين الشعوب العربية وإسهامها في المشاركة السياسية وتقرير مصيرها والذي ساهم بإقصائها خارج التاريخ الإنساني والتفاعل مع تطوراته, والتأثير أو التأثر بها طيلة تلك القرون, وجعلها اليوم أمام بون هائل في تخّلفها وتحضر الحضارات الأخرى,ومكّن بالوقت ذاته تلك الحضارات الأقوى من التدخل القوي وتقرير مصير ومستقبل هذه الشعوب والتحكم بمصائرها حربا أو سلما0 وعوضا عن أن يؤدي هذا الحال المتردي وهذا التدخل الخارجي إلى استفزاز طاقات أبناءها الذهنية والعقلية ومن ثم كامل طاقات الشعب لإنتاج مشاريع نهضة جديدة مستقلة, وتجنيد الطاقات لإنجاحها , فقد تعاطت مع التحديات الكبرى بردات الفعل والانكفاء إلى الوراء, بعد أن خانتها ثقافتها العاجزة والمعاقة هذا من جانب, وافتقادها إلى الحوامل الاجتماعية الاقتصادية القادرة على حمل رايات النهضة والتغيير من جانب آخر0
إن ردات الفعل وحالة الانكفاء تلك جعلها ساحة فارغة مناسبة للتسابق بين الأقطاب العالمية من أجل تمدد النفوذ والهيمنة , واعتماد مبدأ تشجيع الانقلابات العسكرية ودعم الديكتاتوريات الشمولية التي قبضت على الاقتصاد ـ قاطعة بذلك الطريق على تطور البرجوازية الوطنية ـ والسياسة والإعلام والثقافة إضافة إلى تطويع المؤسسة الدينية لحسابها, تلك التي أعادت إنتاج مفاهيم وثقافة العبودية وقتل العقل , كما بالغت الديكتاتوريات الناشئة بتضخيم مؤسسات القمع التي استخدمتها في قمع عنيف ضد شعوبها , وهذا كله منحها كل تلك القوة وكل ذاك الجبروت طيلة عقود هيمنتها 0إلا أن ذلك أفضى بالنهاية إلى هزائم وطبية وقومية كبرى, وبذلك عادت الشعوب إلى المربع الأول مربع الصفر, والحد الذي جعلها خارج التاريخ من جديد0 منكفئة على ذاتها ومتمسكة بهوية اهترأت بفعل تقادم العصور وعدم قدرتها على تجديد ذاتها, وعادت تلك الشعوب إلى الدين المكون الأساس في ثقافتها ووعيها,ولأنه كان تاريخيا المدافع والحامل لتلك الهوية وكان الحامل الأيديولوجي والغطاء الثقافي لحضارة قديمة ذات " أمجاد" عريقة في التاريخ العالمي ما تزال الذاكرة الحالية لهذه الشعوب تحلم بها ومشدودة إلى تلك الحقبة الذهبية أملا بالعودة إليها 0
لقد بدأ تفكك المؤسسة الدينية ـ الحليف التاريخي للسلطة الديكتاتورية ـ منذ أن بدأت الشعوب محو أميتها وتوّفر النص المقدس الأصيل بين يديها, وتمكنها من تناوله والتعرف عليه دون وسيط , دون رجل الدين المخصص من قبل المؤسسة الدينية الرسمية ,ومن ثم إعادة تفسير أو تأويل تلك النصوص بما بناسب سويتها المعرفية البسيطة وبما يناسب أيضا مصالحهاـ كما تدركهاـ من جهة ثانية0
إلا أن تلك المصالح لم تكن واضحة في ذهنية تلك الفئات المهمشة على أساس الحقوق وما تحقق منها, بقدر ما حددتها المشاريع الأسلاموية في كل طور من أطوار مسارها والذي أخذ طابع رد الفعل تجاه تدخل الإدارات الرأسمالية الداعمة لإسرائيل وللديكتاتوريات المحلية , والمعادي بالوقت ذاته للشعوب وقضاياها الكبرى هذا من جهة, و لفشل مشاريع التنمية وفشل المشاريع القومية في تحقيق أي نصر على العدو الغاصب وتحرير الأرض المغتصبة 0 وعلى هذه المكونات نمت الموجات الإسلامية في أوساط الطبقات الشعبية بطريقة مستقلة عن المؤسسات الرسمية و منفلتة منها وباتت حركات جماهيرية, و الخيارات مفتوحة أمامها و أمام مروحتها الواسعة . بدءاً من الاقتصار على طقوس العبادة مروراً بالعمل السياسي وصولاً إلى دوائر العنف المسلح المتشدد التفكيري .
و كانت السبل الأنجع هي تلك المناخات المتاحة من الحرية لتمكينها من التعبير عن ذاتها سلماً0 و من ثم صناديق الاقتراع التي جذبتها بقوة وشهية وأبعدتها بعيداً عن الاستقطاب مع موجات العنف الخطيرة. و ما أظهرته التجارب الجديدة في ممارسة استخدام صناديق الاقتراع في مصر و العراق و فلسطين و حصول الإسلاميين على الأغلبية في العراق و فلسطين و كادت أن تحصل في مصر لولا قمع السلطة هو انتصارات حقيقية لهذه الشعوب, و على عكس ما يراه الكثيرين من التيارات الأخرى، و يمكن تقدير أهميتها من الزوايا التالية:
أ – إن انخراط الأغلبية الشعبية الدائرة في فلك الإسلام السياسي الذي قبل اللعبة الانتخابية و اندفاعهم إلى الانتخابات و ممارسة الخطوة الأولى على مسار الديمقراطية ، هو بمثابة توفير عن آلام الدخول في موجة العنف و الاقتتال الأهلي المدمر لكل شيء و ( قطع الطريق عليها ) 0 و النتائج المشجعة بحصولهم على الأغلبية البرلمانية0
- ستكون بمثابة الجدوى و الحصيلة و المكافأة المشجعة للمتابعة في مسيرة الديمقراطية . و هذا سيكون على حساب تراجع موجة العنف. و حصرها في الزاوية الضيقة و الصعبة .
ب – إن هزيمة التيارات الأخرى القومية منها و اليسارية و الليبرالية و العلمانية عموماً بهذه المعركة السلمية هي الهزيمة التي لا بد منها لهم جميعاً. لكي يفككوا ذهنيتهم ومفاهيمهم ، و يبدؤوا من جديد بمشاريع جديدة قابلة للحياة ، و قابلة للاستقطاب حولها . و إن هذه الهزيمة السليمة هي بمثابة توفير لهم من هزيمة شنيعة في دائرة العنف يدفعون فيها رقابهم أيضاً إضافة إلى مستقبلهم الفكري و السياسي. .
ج ـ - إن إقحام التيارات الإسلامية السياسية في ممارسة السياسية ( اليومية ) وفي موقع المسؤولية ، و ضرورة معالجة المشكلات المجتمعية الصغيرة والكبيرة , اليومية والبعيدة و المتجددة دوماً . هو من أهم عمليات عقلنة الدين, بمعنى الضرورة التي تلغي طغيان الايدولوجيا على الذهنية, لحساب السياسة و التفكر بالمشكلات و بحلولها بطريقة براغماتية و سياسة, و تدفع باتجاه الانزياح من الموقع ألأممي إلى الموقع الوطني و مصالحة العليا و ما يستوجبه ذلك من معالجة عقلانية للعلاقة مع الأقليات ومع الآخر في الداخل الوطني و للعلاقة مع العالم و دوله المختلفة و مع الآخر في الخارج0 و هذا سيفتح آفاق جديدة لصياغة مفاهيم جديدة و قواعد فكرية و سياسية داخل المؤسسة الدينية الثقافية ذات الحضور الكثيف في الوعي والسلوك المجتمعي وستتحول البرامج لمعالجة المشكلات الأرضية والتنافس بها إلى أولويات, على حساب الرؤى السماوية وحضورها0
لقد استطاعت الموجة القومية استنهاض طاقة الشعب بحدود معينة إلا أن فشلها شكل إعادة الشلل إلى تلك الطاقة ومن الصعب على أي تيار إعادة استنهاض تلك الطاقة في البداية كإقلاعه أولى غير الإسلاميين حيث يحظون بحكم قوة الحضور بحظوظ وافرة تمكنهم من إضعاف دور و تدخل المرجعيات " الفوق وطنية" والإقليمية في توجيه المسار العام للحركات السياسية الإسلامية في هذا البلد أو ذاك 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم