الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة البحث عن المعنى (4)

محمد موجاني

2019 / 8 / 18
سيرة ذاتية



داخل الحرم الجامعي، أول ما أثار انتباهي هو مجموعة من الطلبة الذين يجتمعون في مجموعات صغيرة ، غالبا ما ينادون بينهم بأسماء مستعارة ، يرددون شعارات ثورية، يقفون في أماكن فيه لفيتات عليها شعارات وصور ، وفي كل عشية يقدمون حلقيات ، وكل واحد يتحدث عن قضية معينة : القضية الفلسطينية، القضية الأمازيغية، ومنهم من يبدأ بذكر أقوال لأحد الزعماء و الثوار: جيفارا ، معتوب، الخطابي ، لينين، تروتسكي......" بالبنادق تتحرر الشعوب " " الثورة هي والدتي ".....
وأحيانا كل واحد، من هذه الفصائل تهاجم آخر بكلام ساقط وأحيانا تتراشق بينها بالشتم وبه تندلع حرب أعصاب بينهما وقد تؤدي أحيانا إلى إراقة الدماء، وإصابة بعض الطلبة بجروح أو تدخل القوات المخزنية لإخماد التوترات وحفظ السلام أو إعتقالات في صفوف الطلبة .
هنا بدأت صدمتي من الجامعة، وبدأت أطرح على نفسي أسئلة كثيرة : هل من السهل الفلاح في تحصيل العلم في هذه الظروف؟ كيف لمن قطع مسافات طوال قصد أن يحصل على دبلوم ثم ينتهي به الأمر في تحقيق أوتقرير في مخافر الشرطة؟ كيف لمن يملك أفكار صلبة أن يحتاج إلى العنف لإثبات مصداقيتها وصحتها ؟ وهل من المعقول من يملك الحجة والدليل أن يلجأ إلى القوة ؟ ربما وحدهم الضعفاء وقليل الحيلة هم الذين يحتاجون إلى فرضها بالقوة والعنف و العنجهية والعنصرية.
في هذا الوقت بالذات كنت أحتاج إلى مراجعة للأفكاري وتصوراتي والتشبت بهدفي الأول والأخير وجعله صوب اعيني وكنت على حذر ألا تجرني أية موجة إلى ما قد لا تحمد عقباه.
نعم بقدر ما ينضج الإنسان في فكره بقدر ما يكتسب مناعة فكرية خصبة تجلعه ينجو بسهولة في عصر تطورت فيه تقنيات الإستلاب ، ويكشف هفوات كل من يلعب بالكلمات في واقع كله إضطراب، ويرى الصواب في وسط يعج بأفكار بدون إنسياب. هذه المعرفة تجعله يمحص وينقح كل إدعاء قبل تصديقه أو تكذيبه، وقد يصحح مغالطات، و يضع كل مسلمات ثقافته، وأفكار بيئته الحاضنة في الميزان وفي نصابها أيضا ، وبقدر ما تتسع دائرة تحركات و تفاعلات الفرد مع الآخرين يكتشف حقائق كان يجهلها. فعندما نضع إملاءات الماضي تحت المجهر، لابد أن نجد أفكار مغلوطة قد تسللت إلى مخيلتنا عن قصد أو عن غير قصد . فكم من مرة كنا نعتقد أننا على صح، و ندافع وبحماس على فكرة معينة، ومع مرور الوقت تتضح الفكرة في جل أبعادها ونكتشف أننا كنا على خطأ، وهكذا صرت أومن و أجزم بنسبية الحقائق وإمكانية نقد حتى التوابث! ولأنه ، وفقط ، غيمة واحدة صغيرة قد تكفي لحجب الشمس بكل ضخامتها عن أعيننا .. كذلك في(عالم الأفكار) فكرة خاطئة قد تحجب عنا نور الحقيقة مع شدة وضوحها وسطاعة أشعتها!
في هذا الواقع بالضبط، وبهذا المنطق ، وأنا في مدينة أكادير. إرتباك، ارتياب ،توثر ، فرح ،شكوك وخوف من عدم الاستطاعة في متابعة الدراسة بالطريقة السليمة، ومن الفشل أيضا، إحساس بأني قد وصلت متأخرا، وأرغب في الالتحاق بالركب، وخلق توازن ، وسد الفجوة التي أظن أنها عميقة بيني وبين من وجدتهم قد سبقوني وتأقلموا مع أسوار الجامعة ودروب وأزقة المدينة، كنت غريبا، لا أقصد أني لم أكن راضي على داتي بل كانت هنالك رتوشات يجب علي إعادة النظر فيها والزج بكل ما يزعجني منها في سلة المهملات لأنه لم يعد يناسب هذا السياق وربما كنت أريد أن أغير ما يمكن تغييره ولو شئت لا تنحى ذالك الأنا من الوجود وينبعت أنا آخر مكانه و بمواصفات أخرى، وبه أكون كما أني ولدت من جديد لأني أحس أنه يجب علي أن أغير شيء ما في شخصيتي .
صحيح في مدينة أكادير ، لم نحتج إلى كثير من الحيلة والجهود لكي نجد مكنا لنا ولخلق المناخ والجو المناسبين ، خاصة للذي قطع أوقات لا تنسى مع أصدقائه بل أشواط مريرة وحروب نفسية منذ الصغر ، لكن لمن تنقصه التجربة، ومتعود على جو و حنين ودفء الأسرة قد يعاني أكثر ويحتاج بعض الوقت .
لم تكن تلك المدينة التي قد تبهر أي كان ، بل تحوي كل الفئات ، وحتى المغلوب على أمره ، قادر أن يخلق جوه الخاص ، ويجد مكانا له ، حسب استطاعته، لكن، بالنسبة لي في ذلك الوقت، انبهرت كثيرا، لأني لم أكن أسافر ولا تتح لي فرص للتجول ، وكثيرة هي الأمور التي صدمت منها، ولكي أكون صريحا بما يكفي ، كنت انتظر بفارغ الصبر متى تصرف المنحة لأن وضعي المالي على المحك و أعاني في صمت، هذا ما جعلني انقطع عن هموم الدنيا . ولأني لست من الذين يجعلون الآخرين يصرفون من أموالهم من أجلي، لأنه لكل واحد أهدافه وحاجياته في حياته ، وبما أن الإمكانيات جد محدودة ، كنا عليا أن أقتصد وأعتمد على نفسي، وأصنع السعادة بأبسط الأشياء : قراءة الروايات، الرياضة ، المشي على الشاطئ.... وأصبحت أقضي شهور دون الرجوع إلى مسقط رأسي لمدة أطول ، لأنه لا مفر لي إلا مجابهة الحياة بكل تناقضاتها وصعوباتها، وحتى أمي التي هي أقرب الأناس إلى قلبي لم أعد أراها إلا من عيد إلى عيد ، فغالبا ما تقول لي عندما أود المغادرة : كن حاذرا يا بني من كل شيء قد يؤديك، واحذر المخاطرة والجري وراء النزوات لأنهما للجبناء ، وأما المستضعف فأن يأكل ويشرب ليعيش وحده إنجاز في حد ذاته ، وأنا أجيب بكل حزن : أنا يا أمي لا أخاف من الموت بل أخاف ألا أراكي مرة أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل