الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مولانا والبحر .. اسرار سكندرية ( الإهداء للدكتور يوسف زيدان )

محمد ليلو كريم

2019 / 8 / 19
الادب والفن


مولانا والبحر .. اسرار سكندرية .
( سمعت من مدعٍ للنبوة ، هندي ، أن صوت الله عبارة عن صوت موج البحر ، يمتزج بصوتٍ آخر ، نسيت ما هو الآن ، وكُنتَ قد سمعتها من الهندي اثناء ما كان يقص على الحضور ، وأنا منهم ، كيف تحدث الله لإبراهيم أول مرة ، وكان المدع للنبوة يقف على دكة بغدادية تتموضع في مقدمة قاعة كبيرة ..
الراوي )
بمجرد أن ينطق بكلمة واحدة ؛ ما أن ينطق كلمة حتى تضج الدُنيا بها وتردد الآفاق صداها وتتغير الوان شفق الوجدان وتطرأ على الطقس أحوال تلفت النظر ، أو العقل ، وتلفت الوحوش النفسية القابعة في كائنات مخادعة تُحسب على الجنس البشري ، ولكن رويدًا ؛ ماذا يفعل مولانا أمام صفيحة زجاج النافذة شاردًا بنظرة ثابتة يخترق ، ما لا نرى أو نتخيل ؟ .
في قرارة نفسه يتأوه ويبثها لأفق البحر البعيد باعثًا كل ما في قلبه الكبير الى ما وراء ....
- سأمت
-- لم يتفوه بها الحلاج
- ولا السهروردي
-- ولا السهروردي
- سأمت
-- لم تخطر في بال شمس
- ولا الرومي ؟
-- ولا الرومي
- أنا الإنسان يا بحر ، لا أنت ، وبالأعماق ما لا يُرى ، ولا يُسمع ، في تلك الأعماق السحيقة فيض افلوطين ولوعة هيباتيا ، فكيف بعمق المشاعر أن تآزرت مع كل ذلك ..
-- صدقت ، ولكن ؛ أنا البحر الذي التصق بالسكندرية لآلاف السنين ، أنا يا مولانا سكندري ....
ما ظهر من قرص الشمس غير بصيص دامٍ ، وكأنها تمتنع عن الشروق ، والمُرسَل من أشعتها كخطوط من الدماء تمتد حتى تتلاشى في جسد هذا الفجر المتأوه لأوجاع قلب رجل واحد .
اختفى البخار المتصاعد من كوب القهوة الجاثم على الطاولة البليدة ، ودب برود في مزاج الغرفة ، وبردت القهوة وكأن قطعة من الثلج اذيبت فيها منذ دقائق قليلة لم تُبقي من الدفء شئ .
-- يوسف أيها الصديق ، وصداقتنا تمتد بطول عمر
- نعم يا صديقي
-- قال قائل أن بيني وبينك يفصل ساحل وشارع وزجاج ، هل سمعت بهذا القول ؟
- للناس أفواه ، وهم كُثر ، وهي كثيرة ، أما الحقيقة فتقع بين فم قلبي وأذن كل موجة من موجاتك ، فأنت لا تجد بينهما مسافة ، وأنا لم أجد ..
كأن البحر اطفأ تلألأ الشمس بماءه الفاتر ، لثوان ، وإذ قطّب مولانا حاجبيه رافعًا الأيسر ومُقرِبًا الأيمن نزولًا للعين ، وتقلصات بدت على وجهه ووجوم ، تغير الحال ، وكأن البحر تفاعل مع ما بدى على وجه اليوسف ، فكف عن رش لهيب الشمس المتلألأ ليعود ممتدًا في الأجواء ، ولكن القرص لم يرتفع فارتاع مولانا وتصاعدت حركة صدره بشهيق وزفير ، فرفع البحر موجة نائية الى نصف متر
-طمأنت قلبي بعد ترويع
-- روعك تأريخ مريع !
- يا بحر ، أنا اتحدث عن الثوان المريبة
-- أنا أهوى تأويل كُل ما تقول
- يا مشاكس
يطوف في فضاء الغرفة دُخان ، ونفخة من دخان ثقيل ترتفع ببطء من أمام وجه مولانا ، والإضاءة الخافتة فسحت للضوء القادم عبر زجاج النافذة أن يتحول الى خطوط متفاوتة العرض والطول يعترضها كأنه يريد صدها وهي تريد قهره ، وفي حومة هذه المعركة بين الضوء والدُخان لفت نظر مولانا طائر نورس يهوي بلا حراك نحو صفيحة البحر المتموجة ، وبعد ثوان ارتطم بالماء وغاب
- سقط ميتًا أم مغشيًا عليه ؟
-- سقط ميتًا
- اين استقر به المقام
-- أنا لا اذيع اسرار الساقطين ، ومن لم يسقطوا بعد
- يا بحر ..
-- امازحك .. ستتلقفه بعض كائنات البحر وتتغذى عليه
- ولكنه يقول ( مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ) .. والذين عادوا للبحر ، هل خُلِقوا من البحر ؟
-- يمكن أن يكون هذا القول إشارة الى متوالية لعنة بسبب غضب اثينا على ميدوزا لأقامتها علاقة غرامية مع بوسيدون فقرر الإله المجهول الذي تحدث عنه بولس النبي أن ( يمرمط ) الخليقة في التراب صيرورة وفناء الى أن تكف اثينا عن الغضب
- ها .. وحضرتك روائي ( كمان ) .
-- أرجو انك تجاوزت حالة السأم
يُضاف للضوء الداخل للغرفة دفق فيملأ فضائها ويتدفق الى زوايا معتمة ، وبلمحة تظهر الدُنيا التي نعرف .
..............................................
محمد ليلو كريم
١٨ آب ٢٠١٩
بعد منتصف الليل بساعة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو