الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزهاوي بين الشعر والعلم

أحمد الخميسي

2019 / 8 / 19
الادب والفن


من النادرأن تجد في تاريخ الأدب العربي شاعرا كبيرا وعالما أو مهتما بالعلوم في الوقت ذاته، كما في حالة ليوناردو دافنشي الذي كان رساما ونحاتا عظيما وعالم جيولوجيا ونباتات أيضا. وقد كانت دهشتي كبيرة حين وقع بين يدي كتاب بعنوان:" الجاذبية وتعليلها. جميل صدقي الزهاوي"، دراسة وتقديم دكتور هادي عميرة. من الكتاب عرفت أن الشاعر العراقي العظيم الزهاوي كان منغمسا في الاهتمام بالعلوم حتى أنه نشر في عام 1910 بحثا بعنوان " الجاذبية وتعليلها"! وربما لهذا السبب كتب عنه طه حسين عميد الأدب العربي: " لم يكن الزهاوي شاعر العربية فحسب ولا شاعر العراق بل شاعر مصر وغيرها من الأقطار. فقد كان مربياً لهذا الجيل الشعري، إذ كان شاعر العقل، وكان معري هذا العصر، لكنه المعري الذي اتصل بأوروبا وتسلح بالعلم". وقد توفي الزهاوي عام 1936 لكن بعد أن ملأ الدنيا بقصائده وأفكاره العلمية ومواقفه المتحررة، وكانت له فيما ترك من شعر قصيدة عذبة عن مصر بعنوان" أحييك يامصر الجميلة يا مصر"، أما موقفه من تحرر المرأة فقد جلب عليه المتاعب حتى فصل من وظيفته في إحدى مدارس بغداد بعد قصيدته الشهيرة التي يقول في مطلعها : " مزقي يا ابنة العراق الحجابا.. واسفري فالحياة تبغي انقلابا". وكما يوضح دكتور هادي عميرة في كتابه فقد كان للزهاوي اهتمام عميق بالفلك، والظواهر الطبيعية كالبراكين والزلازل، ثم بموضوع الجاذبية ومفهومها العلمي. وقد يستغرب البعض أن يجمع الانسان بين الشعر والعلم بهذه الدرجة من القوة والترابط، إلا أن ذلك التعجب قد يزول إذا قرأنا ما كتبه ألبرت اينشتين واضع نظرية النسبية حين قال إن: " عنصر الشعر قائم في كل تفكير علمي. العلم الحقيقي والموسيقا الحقيقية يستلزمان نفس النوع من المجرى الفكري"! هكذا يرى أينشتين أن للعالم والشاعر نفس الخصائص العقلية. توفي الزهاوي وترك لنا عدة دواوين منها أصبحت من عيون الشعر العربي منها: " ديوان الزهاوي" ، و" ثورة الجحيم"، و" الثمالة"، وترجمته لرباعيات الخيام عن الأصل الفارسي، وترك – وهذا ما يمتاز به – عدة كتب ومقالات في الشأن العلمي تتناول الفلك وأسرار الضوء والظلمة والزلازل، ويستشهد د. هادي عميرة بمقتطفات مما كتبه الزهاوي في ذلك وقوله: " إن الزلازل لا تزال خفية أسباب ثورتها عن الأذهان" وكتب عن البراكين:" إن الأرض تغلي تحت الانسان وهو نائم مطمئن، أي أن نارا في جوفها". ومع أن قانون الجاذبية كان قد اكتشف عام 1687 بواسطة نيوتين، وتمت صياغة القانون في رموز رياضية بواسطة العالم يوهانس كيبلر، إلا أن الزهاوي يعود إلي ذلك القانون ليشرحه ويفسره، ليس نثرا فقط بل وشعرا أيضا. ويقول الزهاوي في كتابه " الجاذبية وتعليلها": " إني لأعدل عن الرأي القائل إن االمادة تجذب المادة كما عدل غاليليو وكوبرنيكوس عن الرأي القائل إن الشمس تدور حول الأرض، فأقول بعكس ما يقول علماء العصر إن المادة تدفع المادة فقط، وأن الشمس تدفع الأرض وسائر السيارات عنها فتبعدها وإن الأرض تدفع القمر وسائر الأجسام فوقها.. نعم إن البشر مخطئون كل الخطأ في اعتقادهم أن المادة جاذبة، بل المادة دافعة فليس بسائد في كل الكون إلا قوة واحدة هي قوة الدفع، واما ما نراه من جذب المادة فهو دفع مادة مقابلة لها أقوى من دفعها.. لذلك أنا لا أشك جاذبية كل جرم هي دافعة أجرام أخرى محيطة به". ربما لهذا السبب قال طه حسين عن الزهاوي إنه المعري وقد تسلح بالعلم! في كل الحالات يبقى الزهاوي حالة نادرة، جديرة بالاهتمام، وبالمزيد من الكشف عن تراثه، هناك حيث يتجاوز الحلم والعلم، والشعر والواقع. لقد اكتشف هادي عميرة خبيئة جميلة وقدمها إلينا، بحيث يمكننا أن نقول إن لدينا في تراثنا الأدبي دافنشي آخر. جدير بالذكر أن هادي عميرة ناقد ، وروائي، له رواية بعنوان " جاذبية العقل" وعدد من الكتب البحثية في مجال الأدب والنقد.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الشاب ناصر نايف.. ضيف صباح العربية


.. الفنان ناصر نايف من كورال خلف النجوم إلى أهم الفنانين الشباب




.. حملات مرشحي الرئاسة بموريتانيا تستخدم الحفلات والسهرات الفني


.. المصمم ستيفان رولاند يقدم مجموعته الجديدة المستوحاة من أشهر




.. الممثلة القديرة وفاء طربيه تتحدث عن النسخة السابعة من مهرجان