الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(10) رحلةُ السّلامِ الرّوحيّ من الفَحْمِ إلى الألماس: أسماء غريب : حوار أجراه من ستوكهولم الأديب والتشكيلي صبري يوسف

أسماء غريب

2019 / 8 / 20
مقابلات و حوارات


هل فهمَ رجالُ الدِّين جوهر ما جاء في الأديان، أم كل واحد منهم يفسِّره كما يفهمه، وبالتَّالي جاء فهمه قاصراً وولّد خلافات في الدِّين الواحد عبر المذاهب والطَّوائف، وخلافات مع الأديان الأخرى؟!
*
رجال الدّين الأحقّاء قليلون جدّاً على هذا الكوكب الجميل، ومَنْ فَهِمَ منهُم جوهرَ الأديان نادرون أيضاً، ومن هؤلاء تحضُرُ أمامي صورةُ كارول فويتيلا وصاحبِه في النّور والبهاء جوزيف راتسينغر، فيبتسمُ قلبي وتدمعُ عيني وأنا أتذكّر قصيدة (فتيان) الَّتي يقول فيها صديقي كارول:
((مِنَ الحُبّ فجأةً يتبرعمُون
وحينما يبلغُون سِنَّ الرُّشْد
فجأة أيضاً
يخرجُون للتَّجوُّل وسط الحشود الكبيرة
بقلوب أسيرة كالعصافير
ووجوهٍ شاحبةٍ وسط شمس الأصيل
وفي قلوبهم تنبض الإنسانيّة بأسرها
أعرفُ هذا
وهُم يَداً بيدٍ يجلسون بصمتٍ
عند حافة النّهر
هناكَ حيث جذع شجرة، وأرضٌ تحت ضوء القمر
كأنّهُمَا مثلّث يحترقُ في الهمس غير المكتمل.
لمْ يرتفع بعدُ الضّباب
وقلوب الفتيان في الأعالي مازالتْ فوق النّهر
وأنا أتساءل:
هل سيبقون هكذا أبداً
متى سينهضون ويمضون راحلين؟
وفي المقابل هناك كأس من نور يتدفّقُ بين الأعشاب
وبين كلّ نبتة ينْكشفُ عُمقٌ مجهول.
ذاك الّذي سيبدأ في دواخلكم
هل ستعرفون كيف تحمونه منَ الضّياع
وهل ستهتدون إلى التّمييز بين الخير والشّرّ؟))
ما أجمله من مقام، هذا الّذي يتحدّثُ عنه كارول وهو في كهف فتوّة الرّوح وصباها، ويُحَدّد بداية الطّريق نحو المحبّة والنّور. وإنّي لأراهُ في هذا يتوافقُ مع صديقه جوزيف الّذي يقول إنّه لا بدّ للحقيقة من هذه المحبّة لتتحقّق سعادةُ الإنسان وحرّيتُه. والمحبّة الّتي يتحدّثان عنها معاً هي للإنسان حيثما وُجِد، لا فرق فيها بين مُسلم ومسيحي أو بين يهودي وصابئيّ، أو بين أبيض وأسود، الكلّ معني بالأمر هنا، وهي القضيّة الَّتي نادراً ما نجدُ رجال الدّين يتحدّثون عنها، وكثير منهم يفصلون بين النّاس وفقاً لمعتقداتهم وانتماءاتهم الفكريّة والجغرافيّة، لا أحد يفكّر في الإنسان وماهيّته الحقّة، وهذا يحدثُ لأنّ العالم اليوم وأكثر ممّا مضى أصبحَ مليئاً بالمتديّنين الزّائفين، وإنّي لأتساءل كيف يحدث هذا والأرض تضجُّ بأماكن العبادة وبالنّاس المصلّين والعابدين؟ بل كيف أنّ الحبَّ لمْ يفِضْ بعدُ نورُه على الأرض وأينما وجّهتَ نظركَ تجِدُ المساجدَ والكنائسَ والمعابد؟ وكيف لمْ يصِلِ النّاسُ إلى الطّمأنينة والسّلام وأينما ولّيتَ وجهكَ تسمعُ المواعظَ والخُطبَ الدّينيّة؟ إذا فتحتَ المذياع تجدُ رَجُلَ الدّين يعظُ، وإذا فتحتَ التّلفزيون تطالعك ألفُ قناة وقناة مخصّصة للدّعاة ورجال الوعظ ونسائِه، وإذا ركبتَ سيّارة الأجرة أو صعدتَ الحافلةَ تسمعُ الأناشيد والتَّراتيل والآيات المُجَوَّدة؟ لكن لماذا لمْ يؤمنِ العالمُ بَعْدُ على الرّغم من كلّ هذا؟ أين يوجد الخلَلُ يا ترى؟
الحقيقة أيّها السّادة هي أنّ الدّينَ أصبح خُدعة كبيرة، والنّاسُ بمن فيهم تجّارُ الدّين حوّلوا الإيمانَ إلى معتقدات ومعلومات وتعاليم تعلّموا بمرور الزّمن أن يحفظُوها عن ظهر قلب، ويثقون بهَا ثقة عمياء دون أن يختبروها بأنفسهم، في حين أنّ هناك فرق كبير بيْن أن تكونَ إنساناً مؤمناً وأن تكون متديّناً: التَّديُّنُ يقتضي منكَ حفظ التّعاليم وتطبيقَها دون التّفكير في مضمونها ونتائجِها، أمّا الإيمان فهو حريّة كاملة ومحبّة مطلقة. معظمُ المتديّنين هم كذلك بالوراثة، إذْ عادة ما يحدثُ أن يولدَ شخصٌ ما في بيئة دينيّة معيّنة ويعتنقُ بشكل آليّ ديانة والديْه دون أن يتساءل عنها ولا أن يختبرَها ولا أن يجرّب أيّ شيء، في حين أنّ الأنبياء أنفسَهم ما آمنوا إلّا بعد أن سلكوا طريقاً عميقاً من البحث والسّؤال إلى أن وصلوا بأنفسهم إلى الحقيقة فاعتنقوها وفاضوا بها على الجميع من باب الحبّ والرّحمة. هل منكُم من قام بهذا، هل منكم من سلكَ طريق الأنبياء؟ لا، معظم النّاس ورثوا الدّينَ ولمْ يَخبِروه، وقلّة منهم من جرّبَ طريق الشَّكّ. خيرٌ لكَ أن تشكَّ على أن تكونَ مُتديّناً بالوراثة، خيرٌ لكَ أن تكون فقيراً على أن تكون ثريّاً بما ورثتهُ من الآخرين عبر التّاريخ من تعاليم وطقوس وعبادات لا تفهمُها ولا تستوعبُ منها شيئاً. الحقيقة تتطلّبُ منكَ القيام بمجهود جبّار، تتطلّبُ منك كما يقول صديقي كارول أن تكبُر أيّها الفتى وتتركَ حافة النّهر، وتدخلَ إلى الغابة حيثُ يوجد ذاك المثلّثُ المُحترق، وتتجاوزَ الهمسَ لتدخل إلى كهف الصّمت المطلق. ابتعِدْ أيّها الفتى عن الحشود الكبيرة والجماهير وغُصْ في دواخلك، عِشِ التّجربة وتذوّق حميميَة الحقيقة، وليكن سلاحك الوحيد ثقتكَ بنفسك، هذه الثّقة أعني بها عيْنَ القلب الصّادقة أبداً، أمّا عن الشَّكّ الّذي حدَّثتُك عنه قبل لحظات فأعني به الفِكْرَ، لا بدّ لك أن تجمع في طريق البحث بيْن القلب والعقل، وتأكّد أنّك بهذا فقط يمكنكَ أن تتحوّلَ منْ مقام التَّفكير إلى مقام الفطنة والذّكاء الّذي بهِ تُصبِحُ إنساناً حكيماً، لا مُفكّراً ولا فيسلوفاً ولا مُثقّفاً!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نيويورك تايمز: صور غزة أبلغ من الكلمات في إقناع الآخرين بضرو


.. فريق العربية في غزة.. مراسلون أمام الكاميرا.. آباء وأمهات خل




.. تركيا تقرر وقف التجارة بشكل نهائي مع إسرائيل


.. عمدة لندن صادق خان يفوز بولاية ثالثة




.. لماذا أثارت نتائج الانتخابات البريطانية قلق بايدن؟