الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شذرات من ليلة مرعبة

محمد بلمزيان

2019 / 8 / 22
الادب والفن


ليلة ليست كالليالي، ستبقى محفورة في ذاكرتي كما ذاكرة الآلاف من المفجوعين بحدث زلزال مرعب وعنيف يوم 24 فبراير 2004، ما تزال كوابيس تنتصب أمام عيوني وأنا أستعيد بعضا من أشرطة تلك الليلة المرعبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى الرعب والهلع الحقيقي الذي دب ليس في الكائنات البشرية وإنما حتى الحيوانية منها، والتي ذاقت شرارة تلك الهزة الأرضية العنيفة التي حصدت المآت من الضحايا قتلى وجرحى ومعطوبين من مختلف الأعمار نساءا ورجالا وشبابا وشيبا وأطفالا تيتموا وأصبح الكثير منهم بدون مأوى في رمشة عين، حينما تهدمت مساكنهم على رؤوسهم في عز الليل، حوالي الساعة الثانية وعشرون دقيقة من صبيحة يوم الثلاثاء، كنت مقيما لوحدي في الطابق الأول بأحد أهم شوارع مدينة الحسيمة، كنت مساء ذلك اليوم، قد أعددت تحرير شكاية على ورقة بخط يدي، لتسهيل مأمورية تحريرها في الصباح على موعد ليتسلمها صاحبها دون تأخير وربحا للوقت، أنهيتها حوالي الساعة الثانية عشرة ليلا، خاصة وأن الشكاية كانت طويلة فقد تطلبت مني كثيرا من الوقت لوضع المراجع والمرفقات، وضعت القلم على الورقتين، وقبل الخلود الى النوم، شربت كاس ماء، ثم استلقيت على سريري، ومن عادتي أنني أنام على ظهري، فقد حاولت استرجاع الأفكار التي تضمنتها الشكاية، وهو ما تسبب لي نوعا من الأرق، استغرق الأمر هكذا لمدة زمنية غير قصيرة، وفي لحظة معينة خلت أنني أحلم حينما اهتزت الأرض وأنا ألمح وميضا ضوئيا بلون أزرق يكتسح الغرفة بكاملها،حاولت أن أنهض من مكاني لكن استمرار الهزة قد فاقمت من الخوف، واستدرت على جنبي واضعا يدي على رأسي ، اتقاءا لأي انهيار من سقف الغرفة التي كان يصدر مختلف الأصوات وهو على وشك السقوط، وفي كل لحظة كنت أنتظر انهيار المبني بكامله من شدة الزلزال الهادر، توقفت الهزة وبقيت الأصداء المخيفة ممزوجة بعويل النساء وصراخ الرجال وبكاء الأطفال ، خاصة وأن التيار الكهربائي انطفأ نهائيا من شدة الضربة و لمعان برق في شكل وميض أزرق قوي، وهو ما زاد من هول الخوف، كنت في تلك الأثناء قد سمعت وقوع كاس زجاجي من على الطاولة وتكسيره على أرضية الغرفة، وهو ما عقد أمر الترجل، نهضت واقفا والجو كان نسبيا باردا خاصة وأننا في شهر فبراير، أحسست بأن الأرض ما تزال تهتز من تحت أقدامي بهزات ارتدادية متتالية، استجمعت قواي وانتعلت حذائي فغادرت الغرفة وحينمنا وصلت عتبة الباب الخارجية كان الظلم دامسا ولايكسره سوى أضواء السيارات العابرة، وحركة الشارع كان دافقا بالسكان الذين يغادرون مساكنهم تحت جنح الظلام، متوجهين الى الأمكنة الفارغة والساحات المفتوحة، في لحظة لاسترجاع وعيي باللحظة، حاولت الرجوع الى البيت، خاصة وأنني قد أغفلت إغلاق الباب الخارجية ، استجمعت قواي وقاومت الشعور بالخوف الطاغي والذي كان السمة المشتركة لكل فرد في تلك اللحظة العصيبة، خاصة وأن سيارات الإسعاف بدأت أصواتها يسمع من بعيد، وهو دليل على أن حجم الضحايا الذين حصدهم الزلزال الذي فاقت قوته 6.2 على سلم ريشتر، وبدات الأخبار تتقاطر من كل حدب وصوب على حجم الدمار الذي وقع هنا و هناك، وكانت كلها تحمل أخبارا جنائزية مشوبة بروائح الموت المفجع، وصراخ الناجين من هول المأساة وهم يستمعون لصرخات عائلاتهم وهم تحت الركامات من البنايات المنهارة، وهم يستغيثون في مشهد مخيف ومنظر مرعب، حينما يتوقف المرء مشدوها وعاجزا على فعل أي شيء لإنقاذ الجرحى والضحايا وهم يئنون ويصرخون تحت الركام، ولقد علقت بذاكرتي ما حكاه لي أحد الأشخاص، يحكي عن شخص من عائلته كان يناديه من تحت الأنقاض ويطالبه برفع البناء من على جسده ، وهو يئن ويستغيث وهو يناديه باسمه وبقي على هذا الحال بدون انقطاع الى أن مات وتقف صوته ،والبشر متجمهر حول البنايات عاجزون عن فعل أي شيء، سوى الإكتفاء بإزاحة بعض الأحجار الخفيفة التي تطايرت من حجم الإنهيارات العظيمة، فكانت فظاعة الحدث وهول الفاجعة لا يمكن أن تتحملها الساكنة، في غياب وسائل الإنقاذ التي يمكن أن تتدخل بالسرعة المطلبوبة من أجل تخفيف حجم الأضرار والضحايا. منطقة جغرافية واسعة كانت منكوبة، ودواوير كثيرة ومتفرقة شهدت انهيارات لمساكنها ومخلفة لوفاة العشرات، والكثير من الجرحى والمعطوبين من مختلف الأعمار، كانت بعض العائلات توفيت جميع أفرادها تحت الركام، كحالة مسكن بمدينة إمزورن انهار بالكامل فوق رؤوس ساكنيه وتوفوا جميعهم تحت الأنقاض، والذي كان من ضمن الموتى بائع المسكن، الذي كان في زيارة لحضور حفل قد دعاه اليه مقتني المسكن والذي بقيت علاقة التواصل بينهما قائمة في تبادل الزيارات وحضور الحفلات، فشاءت الصدف أن يكون حضوره في تلك الليلة ومبيته في الدار الذي باعه ومنذ مدة ليست بالقصيرة، أن يموت في منزله الذي اقتناه منه شخص آخر، إنها أشرطة من أحزان، تعيدني الى ليلة مرعبة حقا، وخلفت ندوبا كثيرة في نفسية وجسم الناجين ، لايمكن نسيان كوابيسها بسرعة رغم مرور أكثر من 15 عاما على هذه الفاجعة المرعبة والتي ستبقى محفورة في ذاكرة الأجيال التي عايشوا أطوارها، بفعل هذه الدمار الكاسح بفعل الزلزال المهول الذي غير الكثير من جغرافية ومورفولوجية المكان وساهم في هجرة واسعة لعائلات كثيرة من المنطقة نحو مناطق أخرى، خشية من وقوع زلزال مشابه، رغم ان هذه الظاهرة الطبيعية يمكن أن تقع في أي منطقة من المعمور ولا تقتصر على جغرافية معينة دون أخرى، رغم وجود مناطق معروفة كخطوط زلزالية معروفة، تنشط فيها الحركات التكتونية بكثرة مقارنة مع مناطق أخرى، ولقد كان لهذه النكبة الطبيعية مضاعفات سلبية على نشاط العمران وتسبب في ركود تجاري كبير ما تزال تداعياته قائمة لحد اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: بحب التمثيل من وأن


.. كل يوم - دينا فؤاد لخالد أبو بكر: الفنان نور الشريف تابعني ك




.. الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: لحد النهاردة الجمهور بيوقفن


.. كل يوم - الفنانة دينا فؤاد لخالد أبو بكر: كل ما أشتغل بحس بن




.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو