الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كردستان الكبرى ..من الحلم التاريخي إلى تحديات المرحلة الراهنة

أوس حسن

2019 / 8 / 26
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


كردستان الكبرى ..من الحلم التاريخي إلى تحديات المرحلة الراهنة
أوس حسن
............................................

الحلم الكردي في تأسيس دولة كردية مستقلة حلم قديم راسخ في أدبيات وتراث الشعب الكردي بعد الحرب العالمية الأولى إلى يومنا هذا. ويقارب تعداد الكرد في وقتنا الحاضر الأربعين مليون نسمة موزعين بين البلدان الأربعة ( تركيا- سوريا -العراق – ايران) وفي عدد كبير من الدول الأوروبية.
إلا أن الكرد شهدوا في تاريخهم نوعاً من الاستقلالية تمظهر في تكوين الإمارات الكردية قبل معركة جالديران، التي قسمت أراضي كردستان بين الدولة الصفوية والعثمانية حتى نهاية الدولة العثمانية، التي اعترفت بسيادة الامارات الكردية على أراضيها، قبل أن يتوجه العثمانيون إلى المركزية احتذاء بالنموذج الفرنسي، لكن الخلافات العشائرية والقبلية لامراء وشيوخ الكرد وعدم تبلور الوعي القومي ساهم في سقوط هذه الإمارات الهشة، إلى أن جاء القرن العشرين وبدأت الحركات الكردية التحررية بالظهور معلنة عن حقها في تقرير المصير وتأسيس دولة كردية كبرى، تجمع الشعب الكردي تحت تراب واحد ولغة واحدة وهوية تحدد كيانه الخاص في المنطقة، فكانت معاهدة «سيفر» سنة 1920 فرصة تاريخية أمام الأكراد لنيل استقلالهم وتحقيق حلمهم.

معهادة سيفر والخدعة الاستراتيجية
كانت معاهدة سيفر تمثل شروط المنتصر القوي على الخاسر الضعيف وفرض الأهداف بشكل واضح وقاس، فقد نصت المعاهدة على «أن تتخلى الدولة العثمانية عن جميع أراضيها لغير الناطقين بالتركية، إضافة إلى استيلاء الحلفاء على بعض الأراضي التركية ووقوع بلدان الشرق الأوسط للانتدابين البريطاني والفرنسي.
أما في ما يخص كردستان فقد تضمنت المعاهدة إجراء استفتاء لتقرير مصير الشعب الكردي ومنطقة كردستان التي تضم ولاية الموصل، بدون أن يكون هناك اتفاق مع الكرد حول ترسيم شكل الحدود؛ بسبب التباين في مناطق سكن الكرد وحدود المنطقة السياسية والإدارية». عندها قام شريف باشا العضو في جمعية صعود كردستان بإدخال ثلاثة بنود تتضمن حق تقرير مصير الشعب الكردي، اذا أراد الاستقلال وتجاوز مشكلاته، فقد رأى الحلفاء أحقية الأكراد في الاستقلال وعلى الحكومة التركية أن تقبل بذلك وفقا لبنود المعاهدة.
تعتبر معاهدة سيفر وثيقة دولية اعترفت بالشعب الكردي وقضيته وحقه في الاستقلال فقد رسمت الخطوط العريضة لدولة كردستان المقتطعة من الأراضي التركية وأخرجت كرد إيران وكذلك كرد سوريا والعراق اللذين وقعا تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي. لكن معاهدة سيفر ألغيت وحلت محلها اتفاقية لوزان في سويسرا سنة 1923 وتنكر الحلفاء لوعودهم بإقامة دولة كردية، وسبب ذلك هو بروز دور مصطفى كمال أتاتورك على الساحة السياسية الذي قاد القوميين الأتراك إلى حرب استقلال تركية تمخضت عن ولادة اتفاقية لوزان، وعن تأسيس الدولة التركية الحديثة، الأمر الذي جعل بريطانيا والدول الأوروبية تتخذان تركيا حليفة استراتيجية لهما، مقلصتين بذلك دور الشيوعيين والاتحاد السوفييتي في استغلال الصراع التركي الأوروبي لصالح نفوذهما، وانهاء حلم الدولة الكردية التي قد تميل لجانب المعسكر الاشتراكي في صراع الأقطاب العالمية، ما حدا بالحركات التحررية الكردية بعد هذا التاريخ أن تتبنى الفكر الماركسي الأممي في صراعها مع الأنظمة الحاكمة، إلى أن انهار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات وانهارت معه معظم الأيديولوجيات الثورية في الشرق الأوسط، فبدأت القيادات الكردية بتغيير مسارها وتحالفاتها الدولية والإقليمية بما يلائم سياسة النظام العالمي الجديد وصراع الهويات المقبل في المنطقة.

حلم الدولة الموعودة والتحديات الراهنة
كانت التركيبة الاجتماعية ذات النزعة العشائرية في المجتمع الكردي وشيوخ العشائر الإقطاعيين أصحاب الولاءات الدينية المتعددة للدول المجاورة من أهم العوامل التي ساهمت في فشل استقلال كردستان في بداية القرن العشرين، فكانت كردستان ساحة لصراع الدول الكبرى أو ورقة ضغط تلوح بها القوى المنتصرة دائماً وهذا ما تجلى لنا من خلال معاهدة سيفر واتفاقية لوزان، وظلت القضية الكردية بعدها أداة من أدوات الحرب الباردة، رغم أن بعض حركات التحرر الكردية كانت مدعومة من الاتحاد السوفييتي فكرياً وسياسياً، إلا أن هناك بعض الفصائل الكردية كانت مدعومة بالمال والسلاح من اسرائيل والمعسكر الغربي، خصوصاً في العراق. لكن القضية الكردية برمتها صار لها صوت مدو ومؤثر في الدول الاوروبية بعد حرب الخليج سنة 1991 وسقوط الاتحاد السوفييتي، فكان الكيان الكردي في العراق تحديداً الذي تمتع بالاستقلالية التامة عن حكومة صدام حسين ورقة رابحة لأمريكا والغرب في حربهما على العراق وعلى المركزية، وأداة لتحقيق أهدافهما التي بدأت تظهر في الوقت الراهن. فالكرد بعد التسعينيات أصبجوا حليفاً حقيقيا لأمريكا في حروبها واستراتيجيتها بعيدة المدى في الشرق الأوسط، وهذا سيعيد للذاكرة التاريخية مواقف الكرد واحتماءهم تحت مظلة القوى العظمى، آملين في حل جذري وخلاص دائم لقضيتهم الشائكة والمعقدة. يرى بعض المثقفين والمنظرين للقضية الكردية ومستقبلها في المنطقة أنه في حال قيام دولة كردية يجب ألا تكون هذه الدولة وظيفية بوليسية مهمتها تنفيذ أجندة خارجية، وإنما يجب أن تعتمد على البنى التاريخية المستلهمة من تراث وثقافة الكرد، وأن تتأسس على مفهوم الحداثة والمجتمع الحديث وان يكون هناك سوق حرة واقتصاد حر ودولة مؤسسات تعتمد على الكفاءات وتنبذ البيروقراطية والحزبية الضيقة، ويرى آخرون أن دولة كردستان الكبرى ضرب من الخيال أو يوتوبيا غير متحققة، فهناك مجموعة من العوائق التي تحول دون ذلك منها: الجغرافية القاسية التي تفصل أجزاء كردستان عن بعضها وعدم وجود لغة جامعة موحدة، فاللغة الكردية تتفرع الى عدد كبير من اللهجات.. كالسوراني والكرمانجي الشمالي والهورامي والفيلي، إضافة إلى اختلاف في بعض التقاليد والموروثات وعدم وجود بحر في أي من أقسامها المنفصلة وموقعها المحاصر من الدول الأربع قد يجعلها دولة معزولة تماما عن العالم.
الحقيقة التي تلامس الحلم الكردي على أرض الواقع اليوم هي إمكانية تأسيس دولة كردية تضم كردستان العراق وأجزاء من شمال سوريا نتيجة للفوضى والاضطرابات التي عمت البلدين، ما أدى إلى ضعف المركز وقوة الهامش المتمثل بالأقليات الدينية والعرقيات القومية. لن تقوم الدولة الكردية إلا بعد أن تشتعل المنطقة في الحروب وتتسع الأزمات والمشاكل الاقتصادية والسياسية بين الدول المجاورة، أو حتى بين الدول العظمى وهنا أيضا لا بد أن نعود قليلاً للتاريخ ونتذكر كيف تأسست جمهورية مهاباد سنة 1946 شمال غرب ايران نتيجة للأزمة الايرانية الناشئة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية فقد توغلت القوات السوفييتية في بعض الأراضي الايرانية وكان ستالين يطمح في توسيع نفوذ الاتحاد السوفييتي آنذاك عن طريق إنشاء كيانات موالية له فكانت ولادة جمهورية مهاباد المدعومة سوفييتياً.

أوراق رابحة على طاولة السياسة العالمية

تفرض السياسة الاستعمارية الناعمة في وقتنا الراهن أن يعود التاريخ بطريقة ملتوية، فهناك الكثير من الأوراق التي تستغلها هذا السياسة في إقامة الكيانات الموالية لها، وهناك عوامل تشابه بين ما تعرض له الكرد واليهود من مجازر إبادة جماعية إضافة إلى سمات العزلة التاريخية التي عاشها اليهود والعزلة التاريخية للشعب الكردي، رغم ان الكرد لم يملكوا نزعة استعمارية توسعية في تاريخهم، بل هوية خاصة مشبعة بتراث وحضارة الدول المجاورة، التي عاشوا تحت كنفها، وهذه العزلة مثلت بالنسبة للشعبين عودة عميقة للذات الانسانية المتكاملة وسموا أخلاقيا يرتبط بالذات فقط ولا يشارك الشعوب والأمم والأخرى همومهم ومشاكلهم، بل على العكس قد يولد خوفاً من الانقراض والإبادة، الذي سيولد بدوره عنفاً غير مبرر تجاه الشعوب الأخرى، لكن الكرد عاشوا على هذه الأرض منذ قرون عديدة وكانوا مشاركين في بناء الحضارة العربية والإسلامية عكس اليهودية التي تحولت إلى أيديولوجية عنصرية تمخضت عن تأسيس كيان غاصب على الأرض العربية، أورث العرب إشكالات معقدة وشائكة ما زلنا نعاني منها إلى يومنا هذا.
ترى هل ستقوم هذه الدولة على أنقاض الحروب والصراعات الدموية؟ وهل سيكون مصيرها الفشل والانهيار كما كان مصير مثيلاتها في التاريخ الحديث؟ هل ستتبادل هذه الدولة الأدوار مع اسرائيل لتتبنى صراعها مع العرب؟ في ظل هذا التشرذم الطائفي والتوترات والانشقاقات التي يعيشها العرب اليوم، ما هو مصيرهم في حال قيام دولة قوية موحدة ومدعومة من الغرب سياسياً واقتصادياً وعسكرياً؟ هل سنشهد ميلاداً جديداً للشرق تحكمه الأقليات التي ظلت غائبة ومعزولة عن الحضارة الحديثة؟ كل هذه الأسئلة والتوقعات تبقى مرهونة بتحديات العصر وجدلية المرحلة التي ستشهدها المنطقة بعد فوضى الربيع العربي ونهاية التنظيمات الأصولية الإسلامية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم