الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع أم مؤامرة أم مخطط؟

ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم

(Majid Alhydar)

2019 / 8 / 26
كتابات ساخرة


طبق الأصل
مشروع أم مؤامرة أم مخطط؟
ماجد الحيدر

أعترف بأنني كنت، شأن الكثيرين من أقراني، مدمنا على أمرين تمكنت من الخلاص منهما نتيجة عوامل ذاتية وموضوعية (كما يقول أهل الفلسفة) الأول هو السياسة والحديث فيها والتوهم بالقدرة على البقاء على قيد الحياة، أو على قيد النجاة، عند الغوص في بحارها المتلاطمة أو مستنقعاتها الآسنة. والفضل في خلاصي من إدماني هذا الذي يعود الى مراحل مبكرة من العمر (مَن منّا لم يحلم في طفولته بأن يصبح رئيسا للجمهورية؟) هو بالطبع ما رأيته من مهرجانات للتفاهة والضحالة والوحشية أقامها ساسة العهد الجديد حتى غدا لقب السياسي أقرب الى الشتيمة منه الى أي شيء!
أما حالة الإدمان الثانية فكانت التلفزيون وبخاصة نشرات الأخبار! لقد بلغ من اهتمامي بالاستماع الى نشرات الأخبار في وقت ما أنني صرت أحفظ أسماء و (جِهَر) العشرات من رؤساء الدول والحكومات والملوك ووزراء الخارجية في عشرات من دول العالم التي لم يكن أغلب أقراني قد سمع بها، فضلا عن مواعيد الانتخابات البرلمانية والبلدية في العديد من البلدان، وأراقب بحرص تقدم أو تراجع القوى اليسارية واليمينية فيها، وأستعين أحيانا بدفتر صغير أسجل فيه مثل هذه الملاحظات إذا خانتني ذاكرتي! ولقد كان لسيادة الرئيس القائد المجاهد بطل الحفرة القومية حفظه الله حيث كان واحتلاله شبه الدائم لشاشة التلفاز فضل لا ينكر في خلاصي من ذلك الإدمان ونفوري من متابعة الأخبار وغسل يدي الاثنتين من كل أمل يأتينا على يد ساسة هذه البلاد!
ولعل من أسباب نفوري وإعراضي عن كليهما (علاوة على الساسة أنفسهم، سابقهم ولاحقهم) هو اللغة التي يستعملونها هم أو القائمون على الأخبار والبرامج والتحليلات السياسية والتي انتقلت (بإصرار عجيب) الى مواقع التواصل الاجتماعي والملايين ممن يجدون في أنفسهم (حقا أو باطلا) القدرة والكفاءة على الإفتاء في هذه القضايا؛ فنحن ما زلنا منذ صغرنا نسمع في الخطب التاريخية للقادة الأشاوس بأن "أمتنا وشعبنا يتعرضان لمؤامرات الأعداء ومخططاتهم ومشاريعهم الشريرة" وما زلنا نعيش بأعجوبة في "هذه الظروف التاريخية العصيبة البالغة الدقة والحساسية" ولم تكف الأجهزة الإعلامية الحزبية والحكومية منشغلة مشكورة بـ "الرد على الأقلام المأجورة التي تهدف الى تعطيل المسيرة وزعزعة الأمن والاستقرار" ومازالت بيانات مؤتمرات القمة والقعر تشعرنا بأننا محشورون في "هذا المفترق التاريخي" دون أن "نرى الضوء في نهاية النفق" وما زال الحكام وأبواقهم يدعوننا الى "التصدي والوقوف بوجه المؤامرات" ولا أدري لماذا لا نستطيع أن نتصدى ونحن جالسون؟! وما زالت الحكومات التي تقيم أوثق العلاقات السرية والعلنية مع "الكيان الصهيوني الغاصب" تردد لدرجة تثير الغثيان أن "القضية الفلسطينية هي القضية المركزية" وما زلنا نكرر طقم الشعارات الثورية التي "تنقال كلها على بعض" كما يقول الفنان الراحل يوسف داود في مسرحية الزعيم، ولم نفتأ "نستنكر وندين بأشد العبارات" وما زالت "التطورات خطيرة" والحبل على الجرار!
لكن الحسنة التي تحسب للساسة العراقيين الذين برزوا مثل الفقع بعد "إسقاط النظام البائد" هي تجديدهم للغة الخطاب السياسي بعبارات مثل "الوقوف بوجه المخططات الرامية الى وقف العملية السياسية أو تدميرها أو اعاقتها" حسب درجة حماوة السيد المتحدث، فضلا عن التهديد بـ "بكشف ملفات الفساد والارهاب" وتبشيرنا بقرب "الضرب بيد من حديد" على الفساد والفاسدين ودنوّ "حل الملفات العالقة بين المركز والإقليم" والتغني بالخطوات العظيمة التي خطاها "ملف المصالحة الوطنية" والعلاج السحري القريب "لمشكلة اللاجئين والمهجرين وتعويض الضحايا والمتضررين" الخ الخ الخ من العبارات السقيمة التي قد تخطر ببال القارئ العزيز والتي لا تغني ولا تشبع من جوع!
إن تحليل لغة الخطاب السياسي في بلدان الشرق الأوسط بمختلف أنظمتها "الثورية والرجعية والقومية والتقدمية والإسلامية" يدلل على مدى الخواء والإفلاس اللذين تعيش فيهما في "ظل القيادات الحكيمة-اللاصقة-الراشدة" التي تقوم على "خدمة شعوبها العزيزة" المدللة البطرانة التي تحتاج كل يوم الى تذكيرها بالرخاء والنعيم والحرية التي تعيش في ظلها.
لا تكمن المشكلة هنا فقط، بل الأدهى والأمر أن المواطن العادي صار مدمنا على تلك الجمل والعبارات حتى غدت مثل جرعة تخدير يومية يرتاح بها ويطرب إليها. قديما قالوا إن الكلام صفة المتكلم، لكننا نضيف بكل فخر واعتزاز أن الكلام صفة المستمع أيضا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع