الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء

هدى الخباني
كاتبة

(Houda El Khoubani)

2019 / 8 / 28
الادب والفن


لِقَاء .

احتسيت فنجان قهوة. كتبت قصيدة. طويت الورقة. وضعتها في الحقيبة. ارتديت ملابسي. وضعت نظاراتي الشمسية. وخرجت للقاء صديق مثقف. أتشوق لمعرفة شخصيته. اتفقنا أن نلتقي هذا المساء بعد إصرار دام أكثر من شهر.
وأنا أسير في الطريق. أتذكر ما قاله لي " مرحبا بك في منزلي. إذا أردت التواصل المعرفي مرحبا. التواصل العاطفي. الجنسي.. إرادتك هي كل شيء ". اتفقنا على تواصل لفظي حواري. مادام أول لقاء.
ولأن الإنسان عندي بريء حتى تثبت إدانته. ولأنني لم أتخلص من البراءة الطفولية، صدقت كلام الرجل. ولأني وعدته بالمجيء. ولأن الكلمة عندي شرف. ولأني أؤمن بالمجهول. ذهبت للقاءه. تجاهلت الوصايا القديمة. تجاهلت آلام العادة الشهرية التي تعكر مزاجي ولا تفي بالوعود الإنسانية وأصغيت لإرادتي. لكي أصدق يجب أن أجرب. هكذا كان تفكيري.
وصلت إلى الحي. أبحث عن عنوان منزله. حي هادئ. لا ضجيج فيه. كما أخبرني تماما. طرقت الباب. استقبلني بابتسامة جميلة. تصافحنا وأردف: " مرحبا بك. هذه فرصة سعيدة "
أجبته بخجل: " أنا أسعد "
عرفت شخصيته من بنية جسده. إنها ذات نمط الإكتومورفيك. يميل أصحاب هذا النمط المتمثل بالجسد النحيل الطويل جدا إلى الكبت. تفضيل العزلة. الخجل. والخوف من الآخرين.
كان مرتبكاََ نظرا ََلفوضى المكان. جلس متقابلاََ معي. سألني عن أحوال الجامعة. تجاذبنا أحاديث هنا وهناك. كان خجولاََ. مرة ينظر إلي ومرة ينظر في بلاط الأرض. اتجه صوب المطبخ. قدم لي طبق الفواكه. غَيَّر مكان جلوسه. أكلنا الفواكه في صمت.
_ حدثني عنك عندما كنت طالباََ.
_ كنت طالبا مشاغباََ. شغب فكري. كنت أنتقد الأساتذة. بعد التخرج تكونت في مركز الأساتذة ببني ملال، والآن سأنتقل من الثانوية .
وأتى السؤال الثاني سريعا:
_ هل تريد أن تذهب ؟
_ نعم. أريد أن أذهب. المدة التي قضيتها هنا كافية.
سألني عن مدى اهتمامي بأفكار عبد الصمد الديالمي. فتحت الحقيبة. أخرجت هاتفي. وقلت له " تعال" . استأذنني في غلق نافذة الغرفة. لم أمانع. أصبحت الغرفة مظلمة. جلسنا جنباََ إلى جنب. شاهدنا حلقة عبد الصمد الديالمي في قفص الاتهام. كنا نعلق على سخافة الصحفي الرمضاني وسطحية حواره العقيم. نضحك عندما يثور الديالمي في وجه محاوره. نصمت في آن واحد. نضحك في آن واحد. أحسست بالدفء والأمان والأنس. ها هو يتنهد ويشهق. يضع يده اليمنى على صدره. كأنه في حالة انتصاب قضيبي. يقوم من مكانه وينحو منحى الغرفة الأخرى. يناديني " تعالي، أُريكِ مكتبتي ". خُيِّل إلي أنه لم يناديني. كرر مناداتي " تعالي ".
أوه، يا لها من مكتبة جميلة. فوضى هذه الغرفة مشروعة. أثارت تفكيري. كتب في جميع المجالات. السياسة. الأدب. الدين. الفن. التاريخ. علم النفس. علم الاجتماع.
الآن عرفت مصدر ثقافته وكيف يقضي هذا الفيلسوف الجميل يومه المميز.
_ مكتبتك جميلة
_ إنها متواضعة جدا
_ كارل ماركس.. مدخل إلى الفلسفة.. سيكولوجية الإنسان المقهور.. فرجينيا وولف.. أحب فرجينيا وولف، يصعب على القارئ أن يحدد الذات الكاتبة.
_ الكاتب الحقيقي هو الذي يكتب بذوات متعددة. دعيني أحمل لك الكتب.
كان خلفي يتأملني. يتأمل انسجامي مع كتبه. ورغبتي في سرقتها.
على الحائط. صور شخصيات أسهمت في تكوين شخصيته وثقافته. عرفني بهم. إدوارد سعيد. سلامة موسى. كارل ماركس. نوال السعداوي. وغيرهم. مروراََ بالإلهة عشتار. أردف: " إلهة الحياة و.." أضفت " والجنس " وانفجرنا ضاحكين.
وهو يريني هذه الصور. جذبتني صورته. يبدو وسيماََ. بسيطاََ. ابتسامته صادقة وجذابة. التفت إليه التفاتة كنت أحرص على ألا يظهر عليها طابع الانجذاب وقلت له: هذه الصورة جميلة.
استشعر ببعض الخجل وابتسم.
انتقلنا إلى غرفة النوم. أيضا هنا توجد مكتبة. جرائد. غصنا في عالم الكتب. اقتعدنا حافة السرير. أهداني كتابه كما وعدني. كان يشرح لي فصول الكتاب وموضوع بحثه . يلمس يدي. نقلب صفحات الكتاب. فجأة، سمعنا طرقا على الباب. اهتز جسدنا خوفاََ وذعراََ. استسمح. لم يتردد في الذهاب لفتح الباب. كأنه يعلم من الطارق. إنه صديقه وشريكه في السكن. كان يريد شيئاََ من حوائجه. لم يسمح له بالدخول. بينما هو ضائع في البحث عن حوائج زميله. ألقى هذا الأخير نظرة ليعرف ماذا نفعل وحدنا في الغرفة. أخذ أغراضه. عاد أدراجه.
استلقى على السرير. نابضاََ‌. ناضراََ. يضج بالنداء. كان جسده ممدداََ. طويلاََ. مستسلماََ. تنهد تنهيدة عميقة. ركبتني حالة خوف داخلي. رجفة هزت أعماقي. أهديته القصيدة. كما وعدته. قرأت أبياتها الشعرية. نهض. صفق واستلقى من جديد. حرارة تندلع في الجسد. ظل الديالمي يتحدث وحده. لا أحد منا يكثرت لحديثه كما في الأول. ها هو يطوقني بسؤال:
- ما رأيك في الديالمي ؟
وكأن سؤاله هذا مطروح بصياغة أخرى. وكأنه يقول لي: تعالي. نامي بجانبي. دعينا نمارس التطبيق لا التنظير.
- أعتز به. الجنس حق طبيعي. رغبة كباقي الرغبات. ولكن الدولة لا تعترف به خارج إطار مؤسسة الزواج.
- أيضا المجتمع
- المجتمع مريض يعطي الحق للرجل في ممارسة الجنس. ويقمع الرغبات الجنسية للمرأة. المرأة مدانة.. مجتمع تافه.
كان بين الفينة والفينة يرفع إلي بصره يستطلع على وجهي التأثير، فيقرأ فيه طيوفاََ من التأمل والبراءة والشرف.
كان المنزل مظلماََ. النوافذ مغلقة. غرفة النوم وحدها المضيئة. رومانسية المكان توقظ رغبة دفينة. أسوار الصمت تشل حركتي. أمامي صورة رجل ذابل كأوراق خريف يتيم. أمعن النظر. يتراءىلي جسد ينبض رغبة وإرادة. أطيل النظر لأتعرف على تلك الصورة التي تقابلني فتتوه عني كما تتوه عني نفسي. رحت أتفقد الساعة. هذا الظلام أحجب حقيقة الوقت. تبعني ليمنعني من الذهاب. جلسنا في الصالون. زاد دنوه مني. نركب صهوة الصمت مرة أخرى. ينتزع المكان منا شهوة الكلام. يلتفت إلي. يعطيني فاكهة. كأنه يحاول تقبيلي. لكن محاولته تبوء بالفشل.
شعرت أن إحساسا جديدا يستيقظ في داخله. أَمسَکَ يدي. أحسست بالضعف. أحاول أن أبعد يداه عني. ولكن لا أستطيع. يداه قويتان. كان يتجه بي نحو غرفة النوم. كنت أسأله: إلى أين ؟ إلى أين ؟
كأن الرجل في غير وعيه. أناني. يريد أن يقبل لنفسه. يسمع لنفسه. يلمس لنفسه. ماذا عن احترامك للإرادة ؟ هل ذهبت مع الريح المبادئ ؟
أطفأ النور. اقتعدنا حافة السرير.
- ابتعد عني
- دعينا نتواصل
- قلت لك ابتعد عني
صرخت في وجهه صرخة أعادت له وعيه. وقف عاجزاََ عن تقبيلي واحتضاني. بوابة شهوة حارقة لمتعة شاهقة. أجدني مذهولة. عاجزة. لا أدري كيف أوقف صهيل الرغبة بداخله. هل أكبح جماحها أم أنساق لها ؟
يمر كفي على ظهره بحب وحنان وتفهم. خطونا إلى غرفة الجلوس. كان ينظر في بلاط الأرض. قال وقد ارتسم على وجهه خيبة:
- اعذريني أرجوك. إرادتك هي كل شيء.
- لا تعتذر. أنا إنسانة متفهمة. ولكن ليست لي رغبة. والرغبة هي كل شيء.
أخذت الكتاب الذي أهداني. وانصرفت إلى لا وجهة.

هدى الخباني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش


.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان




.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص