الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا فشل حفل ثومة في الساحل الشمالي ؟!

محمد القصبي

2019 / 8 / 29
الادب والفن


دعونا نتخيل..
ثومة مازالت موجودة بيننا
وثمة متعهد حفلات غبي...تبنى تنظيم حفل لها في الساحل الشمالي ..في الوقت الذي أقيم فيه حفل محمد رمضان ..
أظن أن كوكب الشرق لن تجد منصتاً واحداً في حفلها..فكيف لمثلها أن تستساغ في عصر الأمطار الحمضية!!..ربما عواجيز مثلي ..يتنفسون لذة النوستالجيا ..أوكسيجين الزمن الجميل ..يتناثرون في القاعة..لكن ..من المحتمل جداً أن هؤلاء العواجيز لن يستمتعوا بحفل ثومة مع ضجيج وغوغائية ال 150 ألفاً الذين حضروا حفل محمد رمضان!!
في زمنها .. زمن الاستنارة و"الذوق العالي" .. كانت " الست" بالفعل كوكب الشرق ..كانت المصدر المحوري لإثراء الوجدان الجمعي لكل العرب بالفن الراقي..لايعزى هذا فقط إلى استثنائية حنجرتها ..بل ما لايقل أهمية أن ذائقة الناس ..كل الناس.. كانت من الرهافة والحساسية بحيث ترصد مواطن الجمال المذهلة في شدوها.
..أتذكر..في أول حفل صدحت خلاله برائعة ابراهيم ناجي " الأطلال " ..كنت في العاشرة من عمري ..استمعت للأغنية مع مجموعة من الجزارين ..في زاوية بدوار البهائم الملحق بمنزل أحدهم ..كانوا يتبادلون " الشيشة" في صمت ,وكل كيانهم متوحد مع الراديو ..مع آهات ثومة ..وفوجئت بأحدهم تتساقط الدموع من عينيه ..و" الست" تشدو بلوعة " ياحبيبي كل شيءٍ بقضاء ..ما بأيدينا خُلِقنا تعساء"
تطلع إليه رفاقه بغير دهشة ..كانوا يعلمون من أي نبع تفيض دموعه ..الفتاة التي أحبها خمس سنوات.. زَوَّجَها أهلُها لغيره..
جزارٌ أُمي يتفاعل مع قصيدة بالفصحى إلى حد البكاء لأنها مست بعنف جراح قلبه! ..
كان هذا حال الوجدان الجمعي في الخمسينيات والستينيات .. الأميون يتفاعلون مع الشعر الفصيح.. مع رائعة ثومة وابراهيم ناجي ورياض السنباطي..كان هذا حال المناخ الوجداني لمصر ..كل مصر..
أجهزة الراديو في المقاهي ومحلات العصير ..في كل مكان تصدح بأغاني ثومة والعندليب و نجاة وفيروز وفريد وعبد الوهاب، و..قلوب الناس ..حتى وهم منهمكون في أشغالهم.. تتراقص معها..!!
ثومة لم تكن موضة .. هوجة وتنتهي ، إنما علمياً كانت بالفعل ظاهرة عابرة للعصور ..إن لم يقبلها عصر ..فليس لعيب في صوتها ..بل في ذائقة العصر نفسه ..كما هو الحال في عصر محمد رمضان ..استثنائية ..وهذا ما أثبتته تجربة فريدة تعتبر الأولى من نوعها في مصر أجراها المعهد القومي للقياس والمعايرة عام 1971 ،حين استعان المعهد بألفي أسطوانة سجل عليها المطربون والمطربات أغانيهم، بهدف وضع سلم للموسيقى العربية على أساس علمي.
وكانت النتيجة مذهلة .. صوت أم كلثوم هو أكثر الأصوات ضبطاً، لأن "معادلته الرياضية تكاد تتطابق مع المعادلة الرياضية للسلم الموسيقي الطبيعي". الأجهزة الالكترونية التي استخدمت في هذا البحث أثبتت أن ترددات صوت "الست" تبلغ 5،3996 ذبذبة في الثانية الواحدة. وكان الصوت الثاني بعد صوتها هو صوت المرحوم الشيخ محمد رفعت وتلاه المرحوم صالح عبد الحي. وأثبت البحث أيضاً أن صوت " ثومة" من أنقى الأصوات العربية وأعلاها، من حيث تطابق معدنها الصوتي مع المعادلات الرياضية للسلم الموسيقي.
بحسه العفوي الذي تشكل في مناخ مرهف للجمال أدرك جزار قريتي الأُمي تلك الاستثنائية في صوت ثومة ، فتفاعل معها ، حين عزفت على وتر أحزانه ..حتى البكاء. ..

السوشيال ميديا اشتعلت مؤخراً بأخبار حفل محمد رمضان العجيبة في الساحل الشمالي ..هو يقول على حسابه أنه الحفل الأكبر في الساحل ..150 ألفاً من شبابنا تزاحموا في جنون ليشاهدوه.. يقول أيضا أن قناته الرسمية على يوتيوب، تتخطى الـ2 مليار مشاهدة.
" 2 مليار مشاهدة على قناتي على يوتيوب، الحمد لله، ثقة في الله نجاح دايمًا " ..
لكن هذا الذي يراه "رمضان" نجاحاً ويحمد الله عليه.. أراه مصيبة!!

الساخطون يرددون دوماً أن شهرة "رمضان" المذهلة تحققت لأنه مرتبط جينياً بالميكانيكية والسمكرية والصنايعية ..هؤلاء بذوقهم المتدني هم الذين صنعوا منه نجماً فوق العادة ..وبفلوسهم يشتري الرولز رويس ليتخايل ويتباهى بها ..!
حفل الساحل الشمالي يؤكد أن الأمر ليس هكذا .. فليس الصنايعية وحدهم من صنعوا أسطورة "رمضان" ..الغالبية العظمى للشباب الذين دفعوا ملايين الجنيهات ليشاهدوا حفل الساحل الشمالي خريجو جامعات ..القاهرة ..عين شمس ..الجامعة الأمريكية ..الألمانية ..البريطانية ..كل الجامعات ..وكلٌ منهم أمضى في مقاعد الدراسة 16 عاماً..وربما أكثر..
وأخيراً ..هذا ذوقهم ..يُعرِّضون حياتهم ربما للخطر من خلال التدافع والتطاحن ليصعدوا إلى المسرح ..ليكونوا قريبين من " الأسطورة"..ليستنشقوا زفيره أوكسيجين حياة لهم ! ..
زمان ..من ربع قرن.. أتذكر.. أنهيتُ مقالاً لي في افتتاحية مجلة الأسرة العمانية ..بهذه العبارة :
في السماء المظلمة تلمع فقط ..النجوم الباهتة !
....
فكيف نواجه تلك المصيبة ؟
مشروع قومي لإعادة هيكلة دماغ ووجدان المصريين..
إن رأى مشروع مثل هذا النور ..
فلن يكون لدى " الأسطورة" رولزرويس يتخايل بها .. ربما- في أحسن الأحوال- " توكتوك"!!
والتفاصيل ..تفاصيل هذا المشروع القومي لإعادة دماغ المصري.. إن شاء الله في مقال آتٍ..إن كان مازال في العمر ..آتٍ!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث