الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثل إيكاورس .. عالم كافكا ورواية الجريمة. وائل الخطيب

وائل الخطيب

2019 / 8 / 29
الادب والفن


كما في (يوتوبيا) - 2008 - تنتهي رواية (مثل إيكاروس) - 2015 - لأحمد خالد توفيق،بجريمة قتل،في الأولى - يوتيوبيا- يقتل (جابر) ابن أرض الأغيار في نفق العودة على يد ابن يوتوبيا (علاء)،وفي (مثل إيكاروس) يقتل (محمود السمنودي) على يد طبيبه النفسي في منزله.

قبل المضي قدما علينا أن نتعرف على الفارق بين الرواية البوليسية،ورواية الجريمة، البوليسية تعني بالطبع وجود جريمة فاعلها مجهول ويتم البحث عنه وتنتهي غالبا بتوجيه الاتهام له،أما في رواية الجريمة فنحن نعرف من المتهم ونتابع تفاصيل الجريمة وما حولها واعترافات الجاني.
وفي كليهما نتعرف على العلاقات بين شخصيات لها علاقة ما بالجريمة،ولكن في الرواية البوليسية ربما عرفنا أيضا ظروف التحقيق وأدواته،وفي رواية الجريمة ربما عرفنا بعضا من ظروف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

من هنا يمكن القول بدءا أن (أحمد خالد توفيق) لم يتخل في الروايتين عن قلمه الذي كتب به القصة البوليسية وقصة الجريمة،لكنه في الروايتين - يوتوبيا ومثل إيكاروس- يهتم بالظرف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي،في كليهما نعاين المجتمع ويترك لنا المؤلف حرية الوقوف على مبررات القتل وتقييمها أخلاقيا.
في كليهما أيضا نعاين القتل - شئنا وصفه جريمة أو حادثا أو أبينا - في نهاية الرواية،نعاين قتل (جابر) في النفق على يد (علاء) ونعاين قتل (السمنودي) على يد طبيبه،فلا مجال لدحض هذه الملاحظة.

ليصل (القتل) كفعل لا أخلاقي إلى مستوى الرمزية،فليس هو القتل الحقيقي كما تصفه الروايتين،ولكنه القتل الرمزي،قتل معان وأفكار،قتل مستقبل بعيدا كان أم قريبا،قتل إنساني إن جاز التعبير،أشبه بالقتل الرحيم المعروف في مجال الطب الذي امتهنه المؤلف بل واستخدمه في (مثل إيكاروس).

في (مثل إيكاروس) نكتشف أن كل ما سبق معاينة القتل واعتراف (الطبيب) بالقتل هو دفاعه عن نفسه،هو عرض لمبررات قتله لمريضه السابق،وهذا التأويل ينضم لتأويلات أخرى تتجاور أو تمتزج مع بعضها البعض أحيانا،ما نقرأه قبل معاينة القتل هو اعتراف طويل سمعه ومن ثم وثقه (محقق) يظل دائما مجهولا وننسى وجوده لولا أن الطبيب على فترات يذكرنا بأننا في حضرة تحقيق ومحقق.

فكرة (القتل الرحيم) تتكرر في رواية (مثل إيكاروس) بأشكال وتيمات مختلفة،فزوجة (السمنودي) - المجني عليه - قتلت قتلا رحيما بزواجها من شخص هو نتاج مجتمع ليبرالي قائم على الاستبداد والتطرف الديني وقمع المرأة مع هامش بسيط للحرية ومساحة معتبرة للطبقة المتوسطة بأمراضها.
القتل الرحيم،الزوجة التي تعمل بالمحاماة وتمتلك قدرا من الجمال قادر على إثارة شهوة المحيطين بها،لكنها تقنع بالزواج من السمنودي وتتمسك بهذا الزواج رغم عجزه على تلبية احتياجاتها الجسدية.
فكرة القتل الرحيم نجدها في انتهاء علاقة زوجين أمريكيين لم يرزقا بأطفال ويشعران بالسأم من علاقتهما ويظلان يقاومان الانفصال حتى يأتيهم (السمنودي) في صورة الرجل الليموري ليعلمهما بما يشبه النبوءة فيقرران الانفصال.
وهكذا في شخصيات أخرى حتى (القائد المفدى) المستبد،يأتي القتل الرحيم على صورة مرض خطير يفجر أوردته، ويقتل قتلا رحيما العالم الأمريكي الذي يدور في فلك الداروينية وتطور الإنسان ومصاب بسرطان البروستاتا،مرورا بالقتل الرحيم لـ (مصطفى) الصيدلي المتطرف دينيا الذي يتحول من الإيمان للشك.
القتل الرحيم هو بذاته ما حدث لـ (إيكاروس) في اسطورته حين ذاب شمع جناحيه لاقترابه من شمس الحقيقة فسقط من علٍ.

في يوتوبيا يتحرك النص من خلال بطل الرواية أفقيا خارج يوتوبيا إلى أرض الأغيار ثم يعود عبر الأنفاق بمساعدة (جابر) عبر ثنائية (الصياد) و(الفريسة) التي عنونت أجزاء الرواية، وبشكل آخر في (مثل إيكاروس) يخرج السمنودي من مصر إلى أمريكا ثم يعود إلى مصر عبر ثنائية (مصر) (كاليفورنيا) التي تعنون أجزاء الرواية الثلاثة (مصر - كاليفورنيا - مصر) والخروج والعودة بطرق غامضة اتساقا مع طبيعة بطل الرواية المعاين بمفرده مستقبلا ما، لكن هنا يتحرك النص في دوائر متماسة أحيانا ومتداهخلة أحيانا أخرى،ليكون النص أشبه بالحركة الساكنة - الاستاتيكية- في الزمان والمكان.

ينسج (أحمد خالد توفيق) روايته (مثل إيكاروس) على منوال (كافكا) في بنائه للعالم الكابوسي الذي يعيشه إنسان العصر الحديث،وليست هذه مجرد ملاحظة ولا تأويل مفرط للنص،ولكنها مقاربة مدعومة بإشارات المؤلف في النص لـ (كافكا) تحديدا،بل إن تطور رؤى (السمنودي) من الرقمية أثناء وجوده بمصر إلى الكلمات التي تشبه كنايات واستعارات (كافكا).
يقول (إلياس خوري) : " نجح كافكا في بناء عالم مقفل بالكناية، ففي «التحول» و «المحاكمة» يتحوّل الواقع الملموس إلى احتمالات تعيدنا إلى الخرافة، الكلمات تسبح في اللازمن، الأمر الذي يسمح للكاتب ببناء استعاراته وكناياته من متخيّل عصابي منقوش على جدران الخوف غير المرئية.".
لا يجب أن يفوتنا في مقولة (إلياس خوري) جملة (متخيل عصبي منقوش على جدران الخوف غير المرئية) فهي نفسها الفكرة التي تكمن في رواية (مثل إيكاروس)،وربما قام (أحمد خالد توفيق) بتطويرها فجعل دفاتر أكاشا غير مرئية،والخوف منها هو خوف الإنسان من معرفة الحقيقة وجزء من المستقبل،ويبدأ (السمنودي) من الرقمية في إشارات دفاتر أكاشا ليتحول إلى الكناية والاستعارة،وأيضا تتحول (المحاكمة) إلى تحقيق،وربما في روايتي (كافكا) نكتشف المزيد المفسر لبعض جوانب نص (مثل إيكاروس).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل