الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لليهود المصريين وجوة آخري

عواطف عبدالرحمن

2019 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


لليهود المصريين وجوه أخرى
استكمالاً لما نشره د. على الدين هلال (الأهرام 4 مارس) عن دور اليهود المصريين فى ثورة 1919 حيث قدم إضاءة نسبية مهمة عن مشاركة قطاع من اليهود فى ثورة 1919 مستعيناً ببعض المراجع التاريخية ذات المصداقية العلمية إلا أنه أغفل على الجانب الآخر كثير من المصادر العلمية الأساسية مما جعل المشهد التاريخى لليهود المصريين يتسم بطابع أحادى مبتور لا يتفق مع الرؤية الموضوعية. والواقع أنه هناك العديد من الحقائق التى أود أن أُوجزها واطرحها للمناقشة الموضوعية بهدف استكمال المشهد التاريخى لليهود المصريين.
ان السؤال الجوهرى الذى يطرح نفسه حالياً وبالحاح على المستوى المصرى هو ماذا قدمت مصر (حكومة وشعباً) لليهود وماذا قدم اليهود لمصر؟ تشير الحقيقة الأولى إلى اليهود المصريين والمكاسب التى حققوها فى جميع المجالات بفضل الرعاية التى قدمتها لهم الحكومات المصرية المتعاقبة منذ فترة محمد على حتى ثورة يوليو 1952 فى ظل مناخ اجتماعى وثقافى أتسم بالرحابة والتسامح والتواصل الإنسانى الصادق من جانب الشعب المصرى. وهنا نفتح قوساً كى نشير إلى الذكريات الإنسانية الحميمة التى كانت تربط بين أهالينا من الآباء والأمهات والأجداد من المسلمين والاقباط بأخوانهم من اليهود المصريين الأصلاء، ولقد ساعدت الظروف الذاتية والموضوعية لكل من المجتمع المصرى والطائفة اليهودية منذ النصف الأخير من القرن التاسع عشر على أن يحتل اليهود مع سائر الأجانب مكانة كبيرة فى تشكيل الواقع الاقتصادى فى مصر. وتعتبر المجالات المالية وتمويل المشاريع العقارية وامتلاك الأراضى واستغلالها والمضاربة فيها من أبرز المجالات التى برز فيها اليهود. ويرجع نشاط اليهود فى هذه المجالات إلى عهد الخديو إسماعيل حيث كانوا يديرون بنوك الرهون والتسليف ومن أهم تلك البنوك البنك العقارى المصرى وبنك موصيرى وبنك سوارس والبنك الزراعى وشركة التأمين الأهلية وشركة الاسكندرية للتأمين. أما المجال التجارى فقد سيطروا تقريباً على تجارة القطن والمنسوجات والذهب وحتى فى مجال السياحة والترفيه احتكر اليهود معظم صناعة العاديات والفناديق والكازينوهات والملاهى. ورغم الدور الخطير الذى لعبه اليهود فى الحياة الاقتصادية المصرية إلا أن مشاركتهم فى الحياة السياسية أقتصرت على بعض الأدوار الفردية وبروز بعض الشخصيات اليهودية التى أنضمت إلى الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الأولى.
ومن أبرز السمات التى ميزت الوضع السياسى لليهود فى مصر منذ عهد محمد على حتى ثورة يوليو 1952 تلك الصلات الوثيقة التى كانوا قادرين على خلقها مع جميع الحكام الذين توالوا على مصر ولذلك تمكن اليهود من الاحتفاظ بجميع امتيازاتهم ولم يفقدوا أى منها فى ظل كل العهود السياسية ففى الوقت الذى كانوا مرتبطين بحكام مصر وملوكها حرصوا على إقامة علاقات وثيقة مع الحركة الوطنية المصرية وصلت على حد المشاركة الايجابية فى بعض أنشطتها وهنا لابد أن نذكر ليون كاسترو الذى اكتسب ثقة سعد زغلول وكان يتحدث باسم الوفد فى أوربا وهو محامى يهودى هاجر من تركيا إلى مصر بعد الحـرب العالمية الأولى وكان من أبرز زعماء الصهيونية فى مصر إذ قام بتأسيس أول فرع للمنظـمة الصـهيونية فى مصـر عام 1918 واصـدر فى نفس العام المجلة الصهيونية (La Revue Sioniste) لسان حال المنظمة الصهيونية وكانت أداة فعالة لنشر الدعوة الصهيونية بين جماهير اليهود المصريين. كما كان ليون كاسترو يرأس فى ذات الوقت صحيفة la liberte لسان حال حزب الوفد وأداة الدعاية للقضية الوطنية فى أوربا وقد استطاع ليون أن يستثمر وجوده داخل صفوف الحركة الوطنية المصرية واليسار المصرى لصالح الحركة الصهيونية وكان يشرف على جميع التبرعات من اليهود المصريين وإيداعها فى الفرع المصرى للكيرن كايميت (الصندوق القومى لليهود) ومقره لندن لشراء الأراضى فى فلسطين وقد أنشأ الفرع المصرى عدة فروع فى الاسكندرية وطنطا والمنصورة. وإذا كان هذا العرض الموجز يقدم الإجابة عن الشق الأول من السؤال المطروح ماذا قدمت مصر لليهود فإن الشق الثانى يتناول ماذا قدم اليهود المصريين لوطنهم مصر ويشير إلى الدور الذى قامت به الحركة الصهيونية لتوظيف وتجنيد اليهود المصريين لخدمة استراتيجيتها التوسعية فى فلسطين والعالم العربى. وتختلف المصادر التاريخية على تحديد البداية الفعلية لمحاولات الاختراق الصهيونى لمصر. وان كان هناك شبه ترجيح لارجاعه إلى زيارة هرتزل لمصر 1903 لبحث وطرح مشروع الاستيطان اليهودى فى فلسطين وقد اسفرت هذه الزيارة عن تاسيس جمعية بن زيون (بنى صهيون) 1908 وقد نجحت فى استقطاب عدد كبير من يهود الاسكندرية كما أتسع نشاطها بعد تدفق آلاف اليهود اللاجئين القادمين من فلسطين وسوريا بعد صدور قرار الوالى العثمانى بتحريم النشاط الصهيونى فى يناير 1915 وقد تركز نشاط هذه الجمعية فى البداية فى تنظيم المحاضرات والاحتفالات التى تدعو إلى تحقيق أهداف المنظمة الصهيونية العالمية ثم شاركت فى تسهيل عمليات الهجرة اليهودية إلى فلسطين مع لجنة مساندة فلسطين التى أسهم فى تأسيسها كبار الرأسماليين اليهود فى الاسكندرية بعد صدور وعد بلفور 1917 وكان دورها الأساسى يتمحور حول كل ما له علاقة بإنشاء الوطن القومى لليهود فى فلسطين. وبانتهاء الحرب العالمية الأولى أتسعت أشكال الاختراق الصهيونى لمصر وتمثلت فى منظمات الشببية الصهيونية ورابطة نوادى المكابى وتوج ذلك النشاط بتأسيس أول فرع للمنظمة الصهيونية العالمية عام 1918 برئاسة ليون كاسترو وإصدار المجلة الصهيونية كلسان ناطق باسم المنظمة الصهيونية. وكانت الجمعية المصرية لاصدقاء الثقافة العبرية وسيلة فعاله لنشر الفكر والثقافة العبرية بين أبناء الطائفة. إذ كانت تقوم بإيفاد بعثات دورية من اليهود المصريين إلى فلسطين حيث كانوا يتلقون دورات دراسية فى الفكر الصهيونى يعودون بعدها إلى مصر وقد أصبحوا كوادر قادرة على نشر هذا الفكر وترويجه. والواقع أن الحرب العالمية الثانية قد أتاحت للنشاط الصهوينى فى مصر فرصة الاتساع والتنوع والفاعلية بسبب وجود العديد من جنود الحلفاء اليهود خصوصاً المتطوعين الصهاينة الذين رحبت بهم المنظمة الصهيونية وأتاحت لهم سبل المشاركة مع شباب الطائفة الإسرائيلية فى مصر فى الأنشطة الدعائية وجمع الأموال والتبرعات وإرسالها إلى الوكالة اليهودية فى فلسطين. وقد ظل فرع المنظمة الصهيونية فى مصر يمارس نشاطه كقاعدة رئيسية للاختراق الصيهونى داخل المجتمع المصرى تحت اسم الاتحاد الصهيونى حتى إعلان قيام دولة إسرائيل فوق الأراضى الفلسطينية المحتلة فى مايو 1948. وقد لا يتسع المقام هنا لعرض نشاط اليهود المصريين ودورهم فى خدمة الصهيونية من خلال الصحف التى أصدروها للدعاية الصهيونية والتأثير فى الرأى العام المصرى ابرزها صحيفتى اسرائيل والشمس ولا شك أن طبيعة تركيب هذه الطائفة الاجتماعى والاقتصادى والسياسى قد حال دون اسهامها الجماعى فى الحركة الوطنية المصرية فقد كان اليهود المصريين ينقسمون إلى ثلاث شرائح اجتماعية اساسية تتكون الشريحة العليا من العائلات الارستقراطية الثرية ومن أبرز رموزها قطاوى وسوارس وموصيرى ورولو ومنشه وهرارى ووهبة وشيكوريل وغيرهم من أصحاب البنوك وملاك الأراضى ويلى هؤلاء الشريحة الاجتماعية الثانية التى تضم رجال الأعمال البارزين فى مجال التصدير والاستيراد وتجارة القطن والصيرفه والبورصة وقد تميزت حياة هاتين الشريحتين ببعض السمات الاجتماعية فى عاداتهم وملابسهم وأسلوب حياتهم واستخدامهم اللغة الفرنسية مما حدد انتماءهم بشكل نهائى للثقافة الغربية وساعد على انفصالهم تماماً عن المجتمع المصرى ككل من ناحية وعن أبناء طائفتهم من اليهود الأصليين فى مصر من ناحية أخرى. وقد بدأ هذا الاتجاه فى البروز مع تدفق الجماعات اليهودية من أوربا فى نهاية القرن التاسع عشر وأصبح هو الاتجاه السائد فيما بعد وقد كان لذلك نتائجه الخطيرة على الوضع القومى لليهود المصريين. إذ ان أكثر من نصف يهود مصر كان يحمل جنسية اجنبية وتحتل الشريحة الثالثة من اليهود فى مصر قاع السلم الاجتماعى بالنسبة للطائفة وهى تشمل صغار الحرفيين والباعة الجائلين وفقراء اليهود الذين يعتمدون على الإعانات بشكل أساسى وتضم هذه الشريحة اليهود المصريين بالمولد والجنسية على عكس الشريحتين الأخريتين اللتين تتكونان فى الغالب من اليهود الأجانب أو المنحدرين من أصول أجنبية وبما يجدر ذكره أن الشريحة الثالثة من اليهود المصريين هى الأكثر التصاقاً بالواقع المصرى فقد كانوا يقطنون الأحياء الشعبية فى القاهرة (العباسية الموسكى وحارة اليهود) ويتحدثون باللغة العربية ويقيمون علاقات صداقة مع جيرانهم من المسلمين والمسيحيين. وكانت مؤسسات الطائفة تتولى أعالة اليهود الفقراء الذين لم يزد عددهم عن بضعة آلاف فى جميع الأحوال. لقد كان فى مصر (طبقاً للاحصاء الرسمى للسكان 1947) 64.500 ألف يهودى لم يكن متجنساً منهم بالجنسية المصرية إلا 5 آلاف يهودياً وكان 30 ألف يحملون خمس جنسيات أوربية متنوعة والآخرون لا جنسية لهم. وقد كان لهذا الواقع تجلياته العملية عندما تصاعد الموقف فى مصر ضد الحركة الصهيونية وفى جانب منه ضد اليهود كطائفة وأجبرت هذه الاتجاهات أعداد كبيرة من اليهود المنتمين إلى الشرائح العليا إلى الهجرة من مصر. ولقد هاجر حولى 20 ألف يهودى من مصر سنة 1949 ولم يتجه منهم إلى إسرائيل نفسها إلا 7 آلاف نسمة فيما استقر الباقون فى أوربا بعد تهريب اموالهم من مصر. ومعنى ذلك أن التيار الصهيونى كتيار استعمارى قد أعتمد على عناصر ذات انتماءات أوربية ولم ينجح فى استقطاب الفئات الاجتماعية المصرية الأصيلة. كما لا يفوتنا هنا أن نشير إلى الدور الذى قامت به المجموعات اليسارية من اليهود المصريين الذين بادروا إلى تكوين الرابطة الإسرائيلية لمكافحة الصهيونية فى منتصف عام 1947. لقد حرصت هذه الرابطة على إبراز أوجه الاختلاف الجذرية بينها وبين الصهيونية وأسباب عدائها للحركة الصهيونية التى ترمى إلى تعقيد المشكلة اليهودية بتحويل العالم العربى المعروف بتسامحه التاريخى مع اليهود إلى أرض خصبة للحركات المعادية لهم. كما أكدت الرابطة على العلاقة بين الحركة الصهيونية والقوى الاستعمارية العالمية التى تحرص على استخدام اليهود لتأكيد سيطرتها على الشرق الأوسط وطرحت الرابطة تصورها للحل الأمثل للمشكلة اليهودية وهو ضرورة سعى اليهود للمشاركة المخلصة فى الحياة القومية للبلاد التى يعيشون فيها. كما اعلنت الرابطة رفضها الحاسم لسياسة الهجرة اليهودية على أساس أنها سوف تؤدى إلى حرب أهلية فى فلسطين كما أنها تتعارض تماماً مع الاغراض الإنسانية المزعومة التى كانت تعلنها الحركة الصهيونية. وقد أثارت هذه الرابطة ذعر العناصر الصهيونية التى بذلت جل جهدها ونفوذها لاستعداء السلطات المصرية ضدها وقد نجحت بالفعل فى استصدار قرار من وزير الداخلية بحل الرابطة بحجة المحافظة على الامن العام. كما قامت السلطات المصرية فى أول مايو 1947 باعتقال الذين وقعوا على بيان الرابطة.
والواقع أنه ما كان للنشاط الصهيونى أن يوجد أصلاً فى مصر فضلاً عن استمراره واتساعه لولا التسهيلات التى قدمتها السلطات المصرية خصوصاً أجهزة الأمن المصرية التى كانت آنذاك فى أيدى الانجليز، كذلك لعبت دوراً مؤثراً العلاقات الوثيقة التى كانت تربط بين الطبقة الحاكمة المصرية مع كبار الرأسماليين اليهود الذين كانوا يمثلون قوة اساسية فى بنك مصر واتحاد الصناعات المصرى.
د. عواطف عبد الرحمن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رقابة الإخوان
طاهر المصرى ( 2019 / 9 / 1 - 10:18 )
أسرة/ الحوار المتمدن
بعد السلام عليكم جميعاً
هذه أول مرة فى حياتى الحوارية المتمدنة بموقعى المفضل أن أرىمقص الرقيب للحوار المتمدن أو مقص الرقيب للدكتورة عواطف أو المقص المتأسلم للإخوان المسلمين الذى أراه قد تسلل إلى التحكم فى نشر التعليقات أو مخالفتها للقواعد والثوابت الدينية التى تخضع لقيم الدكتورة عواطف الدينية والتى لها كل الإحترام.
هذا الكم من إلغاء كل التعليقات ونحن جميعاً نجاهد من أجل سيطرة العقل والتنوير على قواعدنا المتمدنة، أجد أن السيطرة الدينية فرضت هيمنتها على التقييم العقلى والمنطقى لتعليقات القراء على مقال يتكلم عن حقبة معينة من تاريخ مصر كان اليهود وليس الإسرائيليين يتمتعون بحرية العمل فقدموا خبرتهم الأقتصادية التى أسهمت فى تقدم الأقتصاد المصرى والبنوك، لكن بعد تلك الحقبة تغير كل شئ ودخلت الصهيونية لتغزو عقول اليهود للهجرة للوطن الجديد.
لكن لم يشغلنى موضوع الصهيونية بقدر ما نظرت بأهتمام وبإيجابية للتجربة اليهودية فى مصر ودعوت القراء بأن يستفيدوا منها، وأن يتركوا دعوات الإخوان الدينية التى أدت إلى تخلف مصر بأسم الدين، ولا أقصد تخلف الدين الإسلامى وإنما الدين السياسى


2 - شكرا على هذة المعلومات الممتازة
احمد المصرى ( 2019 / 9 / 5 - 23:39 )
مقال ممتاز نريد من شاكلته الكثير

اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت