الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل للماركسية مستقبل ؟

عبد الكريم عبد الرحمن

2006 / 5 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مقدمة
أعتقد ان الرأسمالية التي قامت وتقوم على الاستغلال والتمييز بين طبقات المجتمع ونهب ثروات الشعوب , ليست حلم الإنسانية , وليست نهاية التاريخ كما يروج لها أنصارها ومؤيدوها ومنظروها أمثال فوكوياما وغيره , وأن الاشتراكية ماتت وأصبحت في ذمة التاريخ , ان النظريات الكبرى لا تموت , لا سيما منها تلك التي تحمل الأمل في طياتها للإنسان عامة ولأكثرية فئات المجتمع خاصة – الأمل بالخلاص مما هم فيه من معاناة وعذاب , ان لم يكن هذا الخلاص في الحاضر , فسيكون في المستقبل القريب أو البعيد , سواء كانت تلك النظريات غيبية دينية كا لمسيحية والإسلام أو كانت مادية كالماركسية , على الرغم من الفوارق التي تفصل كل واحدة منها عن الأخرى , انها تتفق بمجملها على هدف واحد هو الأمل للانسان وعدم التمييز بين أبناء البشر , الأمل في المستقبل , ان لم يكن في هذه الدنيا , ففي الآخرة كما هو الحال بالنسبة للاسلام والمسيحية , أو الأمل بتحقيق الاشتراكية ومن ثم الشيوعية على الأرض كما هو في الماركسية .
فالاسلام على سبيل المثال في عهد مؤسسه النبي محمد , عندما لم يستطع أن يقدم أي مساعدة لعمار بن ياسر وهو يتعرض للعذاب على يد المشركين , قال عبارته المشهورة التي كانت عزاء كبيرا لآل ياسر / أبشروا آل ياسر فان موعدكم الجنة / الجنة ذات النعيم الدائم , وتحقيق كل ما ترغب فيه نفس الانسان من أنهار وظلال وحدائق وحور عين ....الخ , كذلك وضع الاسلام على المسلم فروضا أخرى ما ان يؤديها حتى تتطهر نفسه وتذهب ذنوبه وآثامه كالصلاة والزكاة او الحج الذي يغسل الذنوب والخطايا ويعيد المسلم طاهرا نظيفا كما ولدته أمه بعد أدائه فريضة الحج كما يعتقد المسلمون . والمسيحية التي حملت الخلاص على يد السيد المسيح (المخلص ) الذي يضمن لهم السعادة ما بعد الموت , كذلك الاعتراف الذي يقوم به المسيحي في الكنيسة أمام راعي الأبرشية , المطران او الخوري , والاطمئنان والراحة النفسية التي يشعر بهما المسيحي بعد تقديمه هذا الاعتراف .
هذا الجانب الروحي في هاتين الديانتين (كان اله الأثر الأكبر في تحمل أنصارهما العذاب , وأدى بمعتنقهما الى التضحية بحياته لأن هذه التضحية سيقابلها نعيم دائم في الجنة ) هو ما افتقرت اليه الماركسية ولم توله الاهتمام الكافي , بل أعطت الأولوية للأيديولوجيا والجانب الاقتصادي المادي , مما شكل نقصا كبيرا بالنسبة لها , وأفقدها الكثير من الجاذبية التي تمتعت بها كل من المسيحية والاسلام على حد سواء , حيث استطاعت كل منهما الولوج الى أعماق النفس الانسانية وإدخال الطمأنينة اليها .
نشوء الماركسية :
غني عن القول أن ماركس استوحى نظريته من خلال مراقبته لمعاناة الطبقة العاملة الأوروبية وما تتعرض له من استغلال واضطهاد على يد أرباب العمل وأصحاب رؤوس الأموال , وقد ترجم هذه المعاناة في مؤلفه الشهير – راس المال – وفي الوقت نفسه كان هناك مفكر آخر يدون نفس الملاحظات هو فريدريك أنجلز , وبعد ان التقيا أصبحا صديقين حميمين طوال حياتهما واشتركا في تأليف العديد من المؤلفات , وارتبطت النظرية الاشتراكية باسمهما وصاغا البيان الشيوعي , ومن المعلوم أيضا أن أنجلز أكمل تأليف كتاب رأس المال بعد وفاة صديقه ماركس , وعلى الرغم من السلبيات الكثيرة التي أخذاها على الرأسمالية , الا أنهما أشادا بما حققته الطبقة البورجوزية الأوروبية من تطور وتقدم في مجال الصناعة والتكنولوجيا , وقد توقع ماركس قيام الثورة الاشتراكية في البلدان الرأسمالية المتطورة وفي وقت واحد , لكن ما حدث على الأرض لم يكن كذلك , حيث أن لينين اعتبر ان من الممكن إقامة سلطة الطبقة العاملة في بلد رأسمالي متخلف كروسيا بواسطة الحزب الثوري وبقيادة دستة من الأذكياء المحترفين الثوريين , ومن ثم يتوجب على هذه السلطة انجاز المهام الديمقراطية التي هي في الأساس تقع على عاتق البورجوازية ,
لم يعد خافيا على احد الفشل الذريع لتلك التجربة بعد مرور عدة عقود على قيامها , ولكن على الرغم من الفشل التي منيت به والتي لم يكن يتوقعه احد بتلك الطريقة المأساوية التي جرت في الاتحاد السوفياتي وبقية الدول الاشتراكية , فان هذه التجربة قدمت خدمات جلى للمجتمعات الانسانية عامة وللطبقات الشعبية بوجه خاص بما فيها الطبقة العاملة وحركات التحرر الوطني في العالم , وحتى في البلدان الرأسمالية المتطورة لم تكن الطبقة العاملة لتحصل على المكاسب التي حققتها لولا وجود الاتحاد السوفياتي , والحكومات الراسمالية في تلك البلدان لم تكن لتتراجع امام مطالب الطبقة العاملة في بلدانها لولا مساعدة الاتحاد السوفياتي المباشرة وغير المباشرة معا , كما ان هذه التجربة حققت منجزات عظيمة في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية , لكنها أغفلت جانبين هامين من حياة الانسان كان لهما اثر كبير في انهيار تلك التجربة وهما .
- الجانب الروحي وقد أشرت اليه في المقدمة
- جانب الحرية الفردية : حيث تم الغاء الفرد وتذويبه في حياة الجماعة , وأهملت رغباته ونزعاته الفردية في سبيل مصلحة الطبقة والمجتمع , الى جانب سيادة الحزب الواحد والرأي الواحد على حساب التعددية وحرية الرأي وتداول السلطة .
بضاف الى هذين الجانبين عامل مهم ساهم في القضاء على تلك التجربة , ألا وهو الاقتصاد , وعلى الرغم من ان الاتحاد السوفياتي حقق تقدما اقتصاديا هائلا في بداية نشوئه وبنسبة عالية غير مسبوقة في مجال النمو الاقتصادي , الا أن دخوله في مجال سباق التسلح في مواجهة القوة العظمى الأخرى أرهق الاقتصاد السوفياتي وأوقعه في العجز واستنزف طاقاته الاقتصادية على حساب الحاجات الأساسية والتنموية , في حين كانت الأمبريالية الأمريكية تمول برامج التسلح لديها من خلال نهب ثروات الشعوب , ومن خلال صفقات الأسلحة التي تبرمها مع دول العالم الثالث .
بعد كل ماحصل ألا يحق لنا ان نتساءل نحن كشيوعيين في بلدان العالم الثالث , كأشخاص عانينا وما زلنا الى الآن نعاني الكثير ودفعنا ثمنا باهظا ضريبة تلك المرحلة من قمع وسجن وتعذيب وحرمان نحن وأسرنا على يد السلطات التي كانت تتخذ من سلطة الاتحاد السوفياتي نموذجا لها , لتغطي على ممارساتها القمعية ضد معارضيها ,
ألا يحق لنا ان نتساءل ونطرح على أنفسنا يعض الأسئلة من قبيل
- هل الرأسمالية هي نهاية التاريخ كما يطرح أنصارها ؟
- هل انتهت الماركسية فعلا , هل ذهبت الى غير رجعة ؟
- هل تجاوز التاريخ الماركسية وأصبحت من أرث الماضي ؟
باعتقادي : ان الماركسية عصية على الموت والاندثار وهي أكبر من ان يتجاوزها التاريخ ويميتها نظرا لما قدمته للمجتمعات البشرية وللطبقات الشعبية بوجه خاص , وان كان قد علاها الصدأ نتيجة الممارسات الخاطئة ممن اعتنقوها , لكن ما قدمته في مجال الفكر والاقتصاد والاجتماع سيشكل حافزا للانطلاق من جديد , بعد ان تتخلص من الشوائب والسلبيات التي رافقت الحقبة الماضية ,يصح هنا قول الكاتب سلامة كيلة المنشور في مجلة الطريق و العدد الخامس عام 2003 ص 163 (( لقد شكلت الماركسية انقلابا عالميا , فبعد ان كان السائد حسب منطق أرسطو وهيغل – الفكر يخلق الوجود أصبح هو انعكاس للواقع – وفيما بعد تحكم بماركسيتنا منطق أحادي يقوم على الدوران بين حدين , حيث ان العالم يتضمن ثنائيات متعادية وليست متناقضة او متضادة , أي لا ارتباط بينها وأصبح النص المقدس هو الذي حكم الماركسية الرائجة ))
لقد تجاوز التاريخ الكثير من المقولات الماركسية مثل ديكتاتورية البروليتاريا , ولم تعد صالحة لهذا العصر , وقد ارتفعت أصوات من داخل التيارات الماركسية وخارجها من روزا لوكسومبورغ الى غرامشي الى لوكاش وصولا الى الياس مرقص تنبه الى الأخطار المحدقة بالماركسية والاشتراكية , لم تلق آذانا صاغية , على العكس وجهت لها تهم الخيانة وسميت أصوات رأسمالية مغلفة بغلاف اشتراكي مزيف , فتعبد الطريق الى واقع الاشتركيين الحالي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة آلاف المتظاهرين.. مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في صنعاء


.. تركيا تعلن مقتل 17 مسلحا من حزب العمال الكردستاني شمال العرا




.. كرّ وفرّ بين الشرطة الألمانية ومتظاهرين حاولوا اقتحام مصنع ت


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج




.. اعتداء الشرطة الهولندية على متظاهرين متضامنين مع فلسطين