الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمة والدولة 2/3-أ: علمانية بلا تنوير.... نحو مشروع فلسفى عربى

خالد فارس
(Khalid Fares)

2019 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الامة والدولة 2/3-أ

علمانية بلا تنوير

نحو مشروع فلسفى عربى

من المفترض بعد المقالة السابقة http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=646570, أن أدخل فى موضوع (مقاربة الامة العربية 3/3), الا أننى وجدت تفريعا, لا بد من التطرق له, وهو عنوان المقالة.

مقدمة: الانتقال من مرحلة القانون الطبيعى الى مرحلة المجتمع الحديث:

"ولد حنضلة فى العاشرة من عمره
وسيظل دائما فى العاشرة من عمره.
ففى تلك السن غادر فلسطين وحين يعود إليها
سيكون فى العاشرة أيضا ثم يبدأ فى الكبر.
فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه
لأنه استثناء.
كما هو فقدان الوطن استثناء".
(الراحل الكبير ناجى العلى).

حنضلة "لا تنطبق عليه قوانين الطبيعة", وهذا هو مربط الفرس, والعبرة التى نريد أن نسوقها هنا, بأن تعريف قوانين الطبيعة على الانسان العربى, لا تبدأ كما بدأت فى أوروبا, بفهمومها التقليدى.


التنوير العلمانى فى أوروبا والغرب: تاريخ-فلسفة-مجتمع

التنوير فى أوروبا, تلك المرحلة التى شهدتها أوروبا فى مطلع القرن السابع عشر. اعتبر فلاسفة "عصر" التنوير أن المشروع الحديث او الحداثة, هو اكتشاف سيرورة الانتقال من عصر القانون الطبيعى, قوانين الحياة التى تنبع من ضرورات الطبيعة ومعها قوانين الأديان التى تنبع من "الله", أو الزاميات الطبيعة وإلزاميات الأديان, الى عصر ضرورات مجتمع مدنى, أصبحت ممكنة بفضل العلوم الحديثة.

تشكل تيار فى تاريخ أوروبا الحديثة, تيار "التنوير العقلانى", الذى حمل على عاتقه مشروع بناء مجتمع حديث. وهو المجتمع الذى يعيد تأسيس قوانين الطبيعة والدين, فى طابع مدنى, أى فى متناول الانسان, وتحت سيطرته, وقدراته.
من الأصح فى رأينا, أن نطلق على هذا الاتجاه التاريخى, التنوير العلمانى, وليس مفردة دون الأخرى, ففى حقيقتها هى تنوير وعلمانى فى آن. ونعتقد أن ترابط المفردتين يؤول الى معنى آخر مختلف عن فيما اذا تم فصلهما عن بعض. لذلك من الأجدى القول التنوير العلمانى والمجتمع, التنوير العلمانى والفرد, التنوير العلمانى والحرية.

ولايعنى ذلك, سوى مفهمة التنوير العلمانى على أنه تيار فى التاريخ الحديث, بعدم فصل الفلسفى عن التاريخى عن المجتمعى (السياسى الاقتصادى الثقافى). لأن الداء يبدأ من الفصل, وينتهى فى علمانية سياسوية (تصنيم السياسى فى بديهيات ومسلمات) أو علمانية اقتصادوية (تصنيم الانتاج والتوزيع والاستهلاك فى مسلمات وبديهيات )أو علمانوية ثقافوية (تصنيم القيم والمعنى والهوية) والفلسفة تصبح فلسفوية (سجال ينطلق من نسخ (بضم النون أو فتحها) الفلسفة وليس من نقد الفلسفة أو الفلسفة النقدية).
وما العيب فى ذلك؟ قد يسأل من يسأل. العيب فى أنه اذا كان التنوير العلمانى قد تبنى قضية الانسان كونها القضية المركزية لبناء المجتمع المدنى أو مجتمع انسانى, فلا يجوز تجزئة قضية الانسان.
فاذا كان المجتمع الأوروبى الحديث, وجد فى قوانين الطبيعة, تجسيدا لغياب المدنية, أو كما أطلق عليها توماس هوبز (حرب الجميع على الجميع), مع اختلاف البعض معه, الا أنه اتفق الجميع معه أن المسألة الأسياسية, تكمن فى أن الأنسان يجب أن يكون نقطة الانطلاق, وليس ما هو خارج الانسان. الحداثة هى الانسان فى المجتمع قضية (سياسية-اقتصادية-ثقافية).

السؤال الذى يطرح نفسه, فى الوطن العربى, هل تجاوز العرب قانون الطبيعة, أم أننا مازلنا نعيش فى عصرو قوانين الطبيعة والأديان أى عصور ما قبل مجتمع الانسان الحديث.
قد يعبر البعض عن ذلك, وهو اللغة التقليدية التى سادت فى أوساط اليسار, وغيره, أن العرب لم ينتقلوا الى مرحلة الرأسمالية الانتاجية, أو الرأسمالية الوطنية, أو الثورة الصناعية, أو غيرها. وهذا صحيح, ولكنه ينبع من محاكاة التماثل مع التاريخ الأوروبى.
ولكن لماذا لم يتم البحث عن مسائل أخرى فى تاريخ أوروبا المعاصر, وقام هؤلاء بمحاكاته, وهى مسألة الحقوق الطبيعية. بمعنى أن لكل انسان حقوق طبيعية, ولا يجوز المساس بها, وهذه الحقوق هى الانسان, أى انها حقوق لانها تنبع من الانسان. أما كيف يتم تعريفها, فهى المسائل التى شغلت: هوبز, بينثام, ديكارت, لوك, هيوم, كانت, هيجل, ميل, سميث, ريكاردو, ماركس, وآخرن.

نعتقد أن الثورات الاجتماعية فى أوروبا, والتى انطلقت من أفكار التنوير العلمانى العقلانى, هى اجابات تاريخية لرؤى فلسفية معاصرة عن الانسان الحديث. الانسان الذى عاش فى عصور القانون الطبيعى, واصبح ممكنا له العيش فى عصر المجتمع الحديث. ومن هنا اتخذت سعادة الانسان, كونها مسألة حقوق: من حق الانسان أن يكون سعيداً فى وطنه, الذى هو مجتمعه. والانسان الطبيعى هو الانسان الذى له تتحقق سعادته فى وطنه ومجتمعه.

اذا كان هناك حقوق طبيعية للانسان, ماهى أهمها, أو ما هو الحق المركزى للانسان؟ يقول هوبزباوم أيريك عصر الثورة ص 438: جون لوك, على سبيل المثال "وضع الحرية الفردية خارج نطاق التدخل والهموم, لأنه اعتبرها هى الأكثر أهمية من جميع الحقوق الطبيعية". "ووجد الثوريون الفرنسيون أن الأفضل لهم أن يؤكدوا المطالبة بالمشروع الاقتصادى الحر (لكل مواطن الحرية فى استخدام جهده وطاقته ورأسماله بالطريقة التى يراها صالحة نافعة له...وله أن يشاء ما يشاء, وكيفما يشاء, وأن يعتبروه شكلاً من أشكال الحق الطبيعى العام فى الحرية". ومن الفقرة الرابعة من اعلان حقوق الانسان: (إن ممارسة كل شخص لحقوقه الطبيعية لا حدود لها ما دام أنه يضمن لأعضاء المجتمع الآخرين أن يتمتعوا بالحقوق نفسها).

الا أن ما حدث فى أوروبا هو أن مشروع الحداثة, استحوذ عليه, التفكير الاقتصادى, بسبب قوة وعنفوان الطبقة البرجوازية, وقناعة الأوروبيون فى ذلك الوقت فى قدرتها على الانتقال الى مرحلة المجتمع الحديث. انتقل مركز ثقل وجاذبية مشروع الحداثة الأوروبى, (الانتقال من القانون الطبيعى الى قانون المجتمع المدنى الحديث الذى يعيد تأسيس الحقوق الطبيعية للانسان فى مجتمع يحقق السعادة للانسان) الى الحيز الاقتصادى, وأصبح السوق وقوانينه هى التى ستقود هذه المهمة التاريخية.
فعلى سبيل المثال, يصف ماركس فى الجرانديسه (موقع 1411 نسخة كيندل) ذلك بقوله "الانسان المنتج فى المجتمع, الانسان فى عملية الانتاج الاجتماعى, هى نقطة الانطلاق". ولاحقاً فى نفس الصحفة يقول " كلما تعمقنا فى التاريخ القديم, سنجد بأن الفرد وبالتالى الفرد المنتج, يظهر معتمداً أكثر, ويتبع الى الكل". لذلك, نجد علم الاقتصاد السياسى هو الذى تربع على عرش العلوم فى مطلع القرن التاسع عشر (بيثام, ميل, ماركس وغيرهم).

القانون الطبيعى الذى نعيشه, نحن العرب, هو القانون الذى يعيشه "حنضلة", هو قانون الغاب الذى صنعته الامبريالية ومعها الصهيونيه. فالانتقال من قانون الغاب الى المجتمع الحديث, يتطلب من العرب انهاء مشروع الغاب وقوانيه المفروضه على كل "حنضلة" فينا.
نرى أن نقطة انطلاق مشروع فلسفى حديث, أو فى كونها نقطة مركزية فى المشروع الفلسفى. بلغة أخرى, فان الفلسفة العربية الحديثة, هى التى تستجتمع فى اطار فكرى, نظرى, علاقات تربط معرفيا وابسيتمولوجيا وانطولوجيا واخلاقيا, قضايا قوانين الغاب الصهيونى والامبريالى, بقضايا الفساد والمرأة والحرية والسوق والعدالة والتعليم, بما يؤدى الى سعادة الانسان.

ليست المسألة فى ولادة قصرية لمشروع الفلسفة العربى, إنما فى البحث الشاق, عن اطار فلسفى يتجاوز قصور الفلسفة الأوروبية الحديثة, التى عجزت ومازالت تعجز عن التعامل مع قضايا الوطن العربى. هل سمعتم عن فيلسوف غربى, ينظر الى قضايا الوطن العربى نظرة عادلة منصفة, لا يوجد, يوجد سياسى, ولا يوجد فيلسوف. والسبب أن الاطار النظرى الفلسفى الذى أنتجته الحداثة الأوروبية, يعيش قصوراً عن خلق مفهوم للعدالة والحرية والمساواة كونى.

يتبع











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ساعدت كوريا الشمالية إيران بهجومها الأخير على إسرائيل؟ |


.. مسلسل يكشف كيفية تورط شاب إسباني في اعتداءات قطارات مدريد في




.. واشنطن تؤكد إرسال صواريخ -أتاكمس- بعيدة المدى لأوكرانيا


.. ماكرون يدعو إلى أوروبا مستقلة أمنيا ودبلوماسيا




.. من غزة| 6 أيام في حصار الشفاء