الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حملة شعبية ضد التجارة بالطب

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2019 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



أتكلم عن قصور التعليم الطبى، وعن ظاهرة التجارة بالطب، والاستهانة بصحة الشعب المصرى. تخرجت فى كلية الطب، وأقولها بصراحة، إن التعليم الطبى لا يؤهل الطبيب لمزاولة مهنته بكفاءة، وأمانة، وتواضع.

لم نتعلم الإنسانية فى الكلية. ولم نتقن الطب أيضا. تعلمنا من أساتذتنا الجشع واحتقار المريض الفقير. وتخرجنا لا نعرف كيف نعطى حقنة فى العضل أو الوريد. درسنا الأمراض المتوطنة فى إنجلترا وأمريكا، ولم ندرسها فى البيئة التى نعيش فيها.

درسنا الجسد منفصلا عن المجتمع، والنفس، والعقل، والأخلاق، والظروف البيئية، والطين الذى يغوص فيه الفلاح، والترع المتسخة التى يشرب منها الأطفال، وتلوث الماء والهواء، والطعام، وأمراض الفقر، وغياب العدالة، وقد عاد الثالوث المزمن القديم: الفقر والجهل والمرض.

لم نتعلم معنى الصحة الشامل المتكامل المترابط، الذى ينظر إلى الإنسان كوحدة واحدة تعيش، وتتحرك، وتعمل، وتفكر، وتبدع، وتنمو، وتتأمل، وتيأس، وتنجح، وتفشل، فى ظل مناخ معين. بل نظرنا إلى الإنسان كأنه آلة، مجموعة من الأعضاء أو التروس، والمرض هو توقف أحد التروس عن الدوران.

لم نتعلم أن جذور المرض فى البيئة المادية والثقافية المحيطة. ولهذا نصف الدواء للمريض أن تخف الأعراض، أو تختفى بعض الوقت ثم تعاود فى الظهور، لأننا لم نستأصل أسباب المرض.

لم تكن صحة الشعب المصرى قضيتنا. بل هى وسيلة نستخدمها للثراء والسكن فى الأحياء الفاخرة، وتعليم أبنائنا وبناتنا فى الخارج بسبب سوء التعليم المحلى، ثم نتغنى بالتعليم الدينى فى الكتاتيب بالقرى والنجوع. وإن مرضنا، سافرنا إلى الأطباء الأجانب.

تعلمنا مص دم الفلاحين والفلاحات، مثل دودة البلهارسيا. وإن كنا أساتذة للطب لا ندرس بأمانة للطلبة والطالبات، بل فتات المعلومات، حتى لا ينافسونا فى سوق الطب التجارية.

لم نتعلم الوقاية من الأمراض واقتلاع جذورها من البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية. بل إننا نزدهر بازدياد الأمراض والأوبئة.

لهذا بدأت الحملة الشعبية ضد قصور التعليم الطبى، والتجارة بالطب، والاستهانة بصحة الشعب المصرى.

لم نسمع عن طبيب عُوقب بسبب الخطأ أو الإهمال أو سوء معاملته للمرضى. ولم نسمع عن مريض كسب قضية ضد طبيب، أو أخذ تعويضاً عن خطأ، أو إهمال طبيب.. خاصة إذا كان هذا الطبيب من الأساتذة الكبار، يستمتع بالأموال وبالنفوذ الاجتماعى والسياسى.

يسقط الناس ضحايا المرض، بسبب إهمال وزارات الصحة والمؤسسات الطبية الحكومية والخاصة، وغياب مشروع التأمين الصحى الشامل، الذى يضمن للفقراء قبل الأغنياء الصحة والعلاج الجيد. رغم أن الدستور ينص على أن لكل مواطن الحق فى الصحة، دون قيد أو شرط.

من حق الشعب المصرى أن يكون سليم الجسم والعقل والنفس، وأن تكفل له الدولة الحياة الصحية الكريمة السليمة من سكن مناسب صحى، وطعام نظيف رخيص، وهواء غير ملوث، وماء نقى. هناك أماكن فى القرى والمدن والأقاليم يقف الناس فيها فى طوابير طويلة لاستخدام دورات مياه جماعية تهين الكرامة وتهلك الجسم.

بدأت حملة شعبية من خلال المتطوعين من الشباب والشابات، ومن خلال الفيسبوك أيضا، ضد التجارة بمهنة الطب واعتبارها سلعة تُباع وتُشترى، تهدر صحة الشعب المصرى، الذى يغنون له الأناشيد فى المناسبات الوطنية.. تماما مثلما يذيعون الأغانى للأم فى عيدها وهى مقهورة، مهدورة الحقوق، تتعذب، تتألم، تمرض، وفى صمت تموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كلامكِ ينطبق علينا بالحذافير
فؤاده العراقيه ( 2019 / 9 / 1 - 12:25 )
مقالاتكِ المكثّفة في الفترة الأخيرة تُفرحنا في زمن غاب به الفرح , استمري يا عملاقة الفكر في ضخ افكاركِ لتنوير العقول
ولي ملاحظة ارجو قبولها وهي تركيزكِ على مصر والشعب المصري في أغلب كتاباتكِ رغم إن المعاناة واحدة في كل البلدان العربية فيا حبذا لو تستبدلي عبارة الشعب المصري بالشعوب العربية لكون كل كلمة تكتبيها تنطبق تماما على بقية الشعوب ومن حق هذه الشعوب المنكوبة عليكِ في شمولها ودمجها ببلدكِ الأم فالوطن العربي متوحد ولكن للأسف كانت وحدته بالمعاناة وبالجرائم الكثيرة والتي أرتكبت ضده وانتِ الأممية دوما في افكاركِ
لكِ دوام الصحة والنشاط الذي نستمد منه القوة


2 - اتمنى لكِ الشفاء العاجل
فؤاده العراقيه ( 2019 / 9 / 1 - 12:43 )
بعد نشري للتعليق الأول قرأت خبر كان وقعه كالصاعقة عن حالتكِ الصحية وأصابني القلق والحيرة بكيفية تقديم المساعدة وأنا بعيدة
اتمنى لكِ الشفاء العاجل يا اغلى امرأة واغناهنّ فأنتِ قوية بما يكفي لتنهضي من جديد


3 - فخْر النساء نوال السعداوي
ليندا كبرييل ( 2019 / 9 / 3 - 05:38 )
لأستاذتنا القديرة كل التمنيات بالشفاء العاجل

شكراً لك عزيزتي فؤادة ، لو لم تكتبي ت2 لما انتبهت إلى الخبر المؤسف

دعائي بالقوة والعافية لابنتها الفاضلة الدكتورة منى حلمي
وكل الشكر لحاملي الرسالة النبيلة، الأطباء الإنسانيين الساهرين على خدمة البشر بتفان وإخلاص
سلامتك أستاذتنا

اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا