الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظواهر فيسبوكية

محمد بلمزيان

2019 / 9 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك أن مواقع التواصل الإجتماعي أصبحت بديلا بغير منازع للوسائل الإعلامية التقليدية، وأصبحت تفرض نفسها بكل ثقل على مجريات الأحداث اليومية، وتشكل تحديا حقيقيا في التأثير والتقويض لمفاهيم القيم والطقوس المتداولة، ولا يمكن أن يختلف اثنان عن دور هذه الوسائط المختلفة في النشر والتوزيع على أوسع نطاق لمعلومات وأفكار في سرعة قياسية وبدون الخضوع للرقابة التقليدية ، كما كان يقع للوسائل الإعلامية الورقية حينما يكون خطها التحريري غير منسجم مع مواقف النظام السياسي للبلد،واضطرارها السلطة السياسية الى مصادرة المنشورات وسحبها من السوق،قد يصل أحيانا الى ممارسة نوع من الشطط في استعمال السلطة، عبر مصادرة حق التعبير والنشر الذي يدخل ضمن قانون الصحافة الإعلام. وقد نتج عن انتشار هذه الوسائط وخاصة الفيسبوك الى ظهور عينة جديدة من ناشري الأفكار والترويج لتوجهات وآراء من مختلف الأطياف المعرفية قد تكون ذات طابع ديني عقائدي او سياسي او ثقافي أو بيئي أو حتى تجاري، وقد يتجاسر البعض من هؤلاء الى استعمال تقنية الفيديو أو يسمى ( اللايف) للتأثير في أكبر شريحة المراد استهدافها، يتم فيها إفراغ مختلف التعبيرات مهما كانت متشبعة بالصبيانية والتطفل والتطاول على حرمة مجالات معرفية وسياسية واقتصادية تحتاج الى رصيد معرفي للمقاربة الصحيحة، بعيدا عن كوبي كولي للأفكار المتداولة والشحن حسب التوجهات لأشخاص بعينهم الذين يستغلون جموح الناس في ظروف معينة قصد بناء ما يمكن أن يشكل قاعدة لدى العامة أو( رأي عام) في أذهان العديد من أفراد المجتمع، خاصة وأن تقنية اللايف يلتجيء إليها كوسيلة للتعبير أشخاصا لا يمتلكون إلا قسطا ضعيفا من التعليم،وغير قادرين على التعبير عن آرائهم بواسطة الكتابة، الشيء الذي وجد الكثير من هؤلاء ضالتهم في التوجه بهذه الوسيلة التعبيرية للتعبير عن الرأي وتأليب الضمائر وقلب الأوراق، أو حتى خلق التشويش لدى الخصوم الذين يضعهم بعض المهرطقين ضمن أولويات استراتيجياتهم التي تأتي على الأخضر واليابس.
وبالنظر الى الإمكانيات الهائلة التي برهنت عليها هذه الوسائل في التعبير والتأثير، فإن أصحابها قد اهتدوا الى ممارسة أقصى أشكال الشعبوية، عبر الإختفاء وراء أسماء مستعارة أو اسعمال هوية مزورة أو انتحال صفات شخصيات أخرى أو حتى اعتبارية، لتصريف مواقف سياسية غالبا ، الشيء الذي يجعل البعض يخوض في مواضيع بأسلوب جذري يجعل الخصم في موقف ضعيف، ويحاول أن يسفه جميع الآراء المتداولة عبر التشويه حينا والتلفيق حينا آخر، عبر استعمال الإشاعة كتقنية قابلة للإنتشار في سرعة البرق في عض الظروف الإجتماعية، والتي تتداعى لها العقول الفارغة بكل طواعية، وتستقبلها بكل مرونة خاصة إذا علمنا بأن الأوساط الإجتماعية التي تستقبل الإشاعة وتتقبلها هي أواسط عديمة الوعي ولا تتوفر على مستوى ثقافي يعطي لها الحق في الإختيار والنقد والفرز بين الأفكار المتداولة، وبالتالي يؤدي الشحن وإفراغ مضامين الإشاعة في هذه العقول تشكل تحديا مصيريا من أجل الزيادة من حجم قاعدة ثقافة التفاهة وتزيد من حجم التافهين حسب تعبير المفكر الكندي آلان دونت، وتقوي من سلطتهم في المجتمع وبالتالي تقوض كل ما هو جدي وتكنس كل ما يحمل بشائر التنوير والحداثة والتقدم.
حينما نشاهد يوميا وبشكل مشمئز ظهور بعض الوجوه المقصدرة والتي لا تبدي أي خجل لاحترام الرأي الآخر، وكيف تستعمل الفايسبوك ليس لغرض المساهمة في التنوير ونشر المعارف ومناقشة الأفكار للتخفيف من أوضاع اليأس والبحث عن المخارج للأزمات المطروحة ،بل فقط من أجل بعثرة الأوراق والتسفيه ونشر المغالطات وصب الزيت على النارتصل العنجهية والوقاحة بالبعض الى التخوين وإثارة الشكوك والنبش في عرض الناس ونشر الغسيل، فإننا ندرك حجم هذا الضياع الكبير الذي أصبحنا نعيش فيه اليوم، بعدما أصبح من الصعوبة بمكان الفرز بين الغث من السمين،اليسار من اليمين، الكاذب من الصادق، العاقل من المجنون، الصحيح من الخاطيء، المريض من المعافى ... ويكف تتجاسر هذه الوجوه الكالحة في نشر المغالطات بكل ما أوتيت من اعتصار العبارات واختيار الحشو من الكلمات، لتصوبها كصواريخ في اتجاه الخصوم، لغرض تصفية حسابات معينة، قد يكون بعضها يعود لسنوات، لم يتسن لمثل هذا الكائنات المريضة من بث سمومها وممارسة الإنتقام إلا بهذه الطريقة المشحونة بالحقد والكراهية وغياب المروءة وانهيار قيم الإنسان، بدل مناقشة الأفكار وتبادل الآراء بكل تجرد وموضوعية، بعيدا عن ثقافة التجييش والتأليب للضمائر،وقد شكلت هذه الطريقة الصبيانية والتي لا تخلو من مراهقة في طرح الأفكار الى نصب أفخاخ لبعض رواد الفيسبوك المتهورين الذين ركبوا الموجة حتى وجدوا أنفسهم وسط أقواس المحكمة محاطين بسلسلة اتهامية، وهو ما أعاد السؤال الى المربع الأول بالنسبة للكثيرين وشكل مناسبة لإعادة النظر في بعض الآراء والمعتقدات التي كانت تبدو لهم مسلمات ويقينيات لا يمكن تجاوزها أو الكلام حولها، والتي كانت محط تعصب وتطرف واضحين، وطرح السؤال حول حدود ممارسة الحرية وسلطة الإعلام في انتقاد الغير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بين


.. بوتين: كيف ستكون ولايته الخامسة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد -بتعميق- الهجوم على رفح


.. أمال الفلسطينيين بوقف إطلاق النار تبخرت بأقل من ساعة.. فما ه




.. بوتين يوجه باستخدام النووي قرب أوكرانيا .. والكرملين يوضح ال